سلبيات مخيمات النازحين.. وإيجابياتها

يصح القول إن قضية النزوح السوري إلى لبنان هي أعقد وأخطر قضية يواجهها لبنان منذ العام 1948 تاريخ نشوء دولة إسرائيل وبعدها تهجير كتلة فلسطينية إلى لبنان ترزح في مخيمات اللجوء المؤقت منذ 66 عاماً.

وأبعد من بعض الخطابات العنصرية اللبنانية، فإن أي هارب من جحيم النار إذا وقعت في بلاده، سيبحث بطبيعة الحال عما يوفر له الأمان، سواء في بلده أو خارجه، وهذه هي حال معظم اللبنانيين على مر حروبهم الأهلية بمسمياتها كافة.
ولذلك، يسقط كل خطاب عنصري يحمّل اللاجئين مسؤولية بحثهم عن الأمان، “فالمسؤولية تقع أولاً وأخيراً علينا كلبنانيين، لأننا لم نضع استراتيجية موحدة للتعامل مع هذه القضية ولا يجوز تحميل غيرنا أوزار ما تقترفه أيدينا” يقول أحد وزراء “8 آذار” في الحكومة الحالية.
وإذا كانت السمة العامة لتعامل لبنان الرسمي مع قضية النزوح هي التردد منذ اربع سنوات، فإن الافتقاد إلى مرجعية رسمية لبنانية واضحة ومعها غياب الاستراتيجية اللبنانية الموحدة والافتقاد إلى تنسيق لبناني سوري مشترك، كل ذلك يرتد سلباً على إدارة هذا الملف السياسي ـ الإنساني ـ الاجتماعي ـ الأمني، برغم تشكيل خلية حكومية متخصصة بمتابعة ملف النزوح منذ ولادة حكومة تمام سلام، أخذت على عاتقها اتخاذ سلسلة إجراءات بوشر بتطبيقها على التوالي، ويبقى اختبارها الفعلي رهن الوقائع المتدحرجة في الاشهر المقبلة، خصوصاً في ظل التقديرات بازدياد النيران السورية اشتعالاً.
ووفق التقديرات الرسمية اللبنانية، فإن ملف إنشاء مخيمات للنازحين، قد أقفل نهائياً بسبب افتقاده للتوافق السياسي، فضلاً عن وصول تحذيرات دولية للحكومة اللبنانية بعدم سلوك هذا المسار.
ويعتقد خبراء لبنانيون “أنه بدلاً من إقامة مخيمات في لبنان، من الأجدى تشجيع المنظمات الدولية على إقامة مراكز إيواء بالقرب من المدن والقرى في داخل سوريا بحيث يمكن تسهيل العودة من لبنان للنازحين من تلك المدن والقرى ليكونوا قريبين منها للمشاركة في إعادة إعمارها”.
كما يقترح خبراء لبنانيون إطلاق «صندوق العودة» منذ الآن، على أن تتولى تمويله الدول المانحة، لإعطاء النازحين منحاً مالية تشجيعية تدفع مباشرة في سوريا للعائدين طوعاً بحيث يمكنهم الاستفادة منها في إعادة بناء وتأهيل وترميم منازلهم لتمكينهم من استعادة حياتهم الطبيعية في بلدهم.
وتدفع هذه المنح على أقساط شهرية تحدد قيمتها ومدتها وفق جدول زمني يتم التشاور بشأنه بين الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة، ويتم تنسيق خطوات تنفيذه مع الجهات السورية المختصة.
إيجابيات المخيمات

وقد أعدّت خلية ديبلوماسية في وزارة الخارجية تقريراً من 51 صفحة “فولسكاب” تضمن مقاربة شاملة لموضوع النازحين تميّز بعرض إيجابيات وسلبيات خيار إقامة المخيمات للنازحين السوريين، على الشكل الآتي:
أولاً، إيجابيات إنشاء مخيمات للنازحين السوريين:
(1)    تجميع النازحين السوريين في أماكن محددة خارج المناطق السكنية.
(2)    تفادي حصول استهداف للنازحين من أية جهة كانت والحؤول دون حصول توترات مع مواطني البلد المضيف.
(3)    تسهيل مراقبة تحرك النازحين وضمان عدم قيامهم بأعمال التسوّل أو العمل بصورة غير شرعية.
(4)    تسهيل وصول موظفي المنظمات الدولية إلى النازحين.
(5)    تأمين ظروف سكن أكثر ملاءمة لحوالي العشرين بالمئة من النازحين، وتسهيل إيصال الأغذية والاحتياجات الأساسية إليهم.
(6)    إقامة بنية تحتية توفر الماء والكهرباء والصرف الصحي وتأمين وسائل التدفئة للنازحين خاصة وأن هذه المخيمات سيقام قسم كبير منها في مناطق جبلية باردة.
(7)    تسهيل تأمين الحماية الاجتماعية للنساء والأطفال والرعاية الصحية والنفسية والتعليم ضمن بيئة المخيمات نفسها.
(8)    تخفيض التكاليف والأعباء المالية التي يتوجب على المنظمات الدولية السعي الدائم لتأمينها من المصادر الدولية.
(9)    تسهيل عملية إحصاء النازحين في المخيمات وتحديد هويتهم.
سلبيات إقامة المخيمات
ثانياً، سلبيات إنشاء مخيمات للنازحين السوريين:
(1)     يفرض على الحكومة اللبنانية تأمين مساحات شاسعة من الأراضي لإقامة هذه المخيمات وهو ليس بالأمر السهل كما يتصوره البعض. كما سيكون على الحكومة اللبنانية الحصول على موافقة سكان المناطق التي ستقام على أطرافها هذه المخيمات حتى ولو كانت هناك مسافة كيلومترات بينها وبين أقرب تجمع مدني لبناني.
(2)     لا توجد ضمانات بأن تستخدم هذه المخيمات للنازحين الموجودين حالياً في لبنان، بل يمكن أن تستخدم فور إنشائها، بحكم الضرورة، لإستضافة نازحين جدد. إن المنظمات الدولية تتوقع أن يدخل إلى لبنان خلال العام 2014 حوالي 550 ألف نازح سوري وفلسطيني جديد.
(3)     إن إقناع النازحين السوريين بالانتقال من أماكن سكنهم الحالية إلى مخيمات جديدة لن يكون سهلاً، وتوجد محاذير عديدة في الضغط عليهم لإجبارهم على ذلك.
(4)    توجد مخاوف جدية من أن يقاوم النازحون فكرة عزلهم بعيداً عن القرى والمدن بحيث يشعرون بأنهم مسجونون في المخيمات وسط اكتظاظ يفقدهم الإحساس بالخصوصية والأمان والاطمئنان. كما سيصعب ضبط الشباب من النازحين في داخل المخيمات ممن سيحاولون الخروج من قوقعة المكان إلى رحابة المدن والقرى لأسباب نفسية ولمحاولة العمل ولو بصورة غير شرعية.
(5)    إن تجميع أعداد كبيرة من النازحين في مخيمات سوف يؤدي مع مرور الوقت إلى حصول توترات بين المقيمين فيها، تحت عناوين مختلفة، وإلى ظهور بعض أصحاب النفوذ الذين سيحاولون فرض سيطرتهم وسطوتهم داخل المخيمات ويجعلون الحياة في داخلها مليئة بالضغوط والتهديدات وتزداد احتمالات حصول العنف يوماً بعد يوم.
(6)    إن احتمالات انفلات الأمن داخل المخيمات كبيرة جداً مع مرور الوقت، ولن يتعاون النازحون مع الجهات الأمنية اللبنانية، وستتحول مناطق داخل المخيمات إلى بؤر خارجة عن القانون.
(7)    إن إنشاء أي مخيم، وفي أي مكان يتم اختياره، سوف يؤدي إلى إنشاء تجمعات تجارية عشوائية صغيرة حوله ومواقف لنقل الركاب ويستدعي إقامة مستوصفات صحية للطوارئ ومدارس لتوفير خدمات التعليم، وشق طرقات للوصول إلى المخيم وبناء منشآت للصرف الصحي ونقل ومعالجة النفايات الصلبة، ويوجد احتمال كبير بأن تتطور هذه المخيمات، إذا طالت الأزمة في سوريا، إلى مستوطنات سكنية متكاملة الخدمات وتتحول إلى تجمعات بشرية ثابتة ودائمة بشكل يماثل حال المخيمات الفلسطينية في لبنان.
(8)    سوف يكون هناك حاجة لإقامة مخافر ثابتة لقوى الأمن الداخلي ومراكز للجيش اللبناني وحواجز تفتيش حول مخيمات النازحين السوريين مع ما يعنيه ذلك من احتكاكات مع الجهات الأمنية اللبنانية مع الأخذ بالاعتبار أن دائرة الأمن لن تقتصر على المحيط المباشر للمخيمات بل ستتعدى ذلك إلى كيلومترات عدة، ولن يكون بعيداً عن الواقع احتمال تشكيل مجموعات مسلحة داخل المخيمات تمثل خطراً على المخيمات نفسها وعلى المناطق المحيطة بها.
(9)    إن استمرارية تغطية تكاليف التقديمات والخدمات لمخيمات النازحين السوريين تمثل عبئاً مالياً كبيراً سيتزايد حجمه يوماً بعد يوم.
(10)    إن إنشاء المخيمات سوف يبعد المجتمع الدولي، الذي سيعتبر أنه قام بواجبه تجاه النازحين، عن الانشغال بإيجاد حل سياسي والسعي لعودة النازحين إلى ديارهم في أسرع وقت ممكن، ما يجعل لبنان الضحية الكبرى التي ستتحمل وزر وجود النازحين السوريين على أراضيه.
(11)    من المحتمل أن تشكل هذه المخيمات مصدر خلاف بين الحكومة اللبنانية والحكومة السورية كائناً مَن كان في السلطة في سوريا.

السابق
من هي المؤسسة الاعلامية المارونية التي اهانت البطريرك؟
التالي
أكثر من 1300 زواج مثلي في باريس عام 2014