السوريات داخل الحانات الليلية في لبنان ايضاً

 

من يقصد الحانات المنتشرة في أرجاء شارع الحمرا، تحديداً، يلاحظ جلياً ارتفاع عدد العاملات السوريات داخلها، هذه الظاهرة انتشرت في السنتين الأخيرتين ومردها طبعاً ارتفاع عدد النازحين في لبنان وإقبالهم على العمل رافقها تدني أجورهن نسبة إلى أجور اللبنانيين كما استغلالهن. عمل هؤلاء الفتيات داخل هذه الأماكن يعطي صورة سلبية عنهن ما يسبب لهن بإحراج أحياناً وبمضايقات غالباً، كون بحسب مفهومنا الشرقي من تعمل كـ”نادلة” داخل الحانات لاتختلف أبداً عن فتيات البارات وبنات الليل فجمعيهن يعملن ليلاً وسط السكارى ويخرجن مع الزبائن، مع أنه فعلياً هناك اختلاف كبير بين عمل النادلة والمومس.

“النهار” التقت عدداً من النادلات السوريات في هذه الحانات، اللاتي روين تجاربهن الصعبة مع نظرة الزبائن لهن والتحدّيات اليومية التي تواجههن وكيف تقاوم كل واحدة بطريقتها تجاوزات الزبون، وليس ذلك فحسب بل كيف سيتصرفن مع ذويهن وأقاربهن في حال عرفوا بنوعية عملهن في لبنان.
شذا عساف قد تكون الوحيدة بين معظم هؤلاء الفتيات التي تحدّثت بجرأة عن عملها وكيفية تعاملها بحزم مع أي زبون يتجاوز حدوده وأصول اللياقة، فتقول: “عملي الأساسي في دمشق هو المجال المسرحي والدوبلاج كما أني كنت راقصة شعبية في فرقة إنانا، ونظراً إلى تردّي الأوضاع هناك وتوقف الأعمال المسرحية قصدت لبنان بغية المشاركة في أداور ثانوية بالأعمال الدرامية السورية التي تصوّر في لبنان، ومن باب الصدفة عرض عليّ أحد الزملاء العمل كنادلة داخل حانة في أول شارع الحمرا مقابل 500 دولار أميركي عدا البقشيش”، تضيف “الفكرة أعجبتني لأسباب عدة هو أني أحب العمل ليلاً وسط أجواء السهر والفرح، فطبيعة عملي لا تختلف عن ما هو عليه في الحانات، كلاهما يجمع السهر والفرح، ناهيك بأن الراتب والبقشيش يؤمنان لي دخلاً معقولاً مقارنة بفتاة سورية تعمل داخل محل ملبوسات أو مطعم لساعات طويلة وراتب متواضع”.

شذا تعترف أنها تتعرض أحياناً لمضايقات بعض الشبان المراهقين أكثر من الناضجين، فهم يحاولون التمادي إما بالكلام أو الحركات ولكن أستطيع ردعهم عن ذلك بكل تهذيب. ولكن في المجمل لم أتعرّض منذ 9 أشهر (بداية عملها) لأي مشكلة كبيرة بل ما حصل معي مجرّد تصرفات صبيانية من بعضهم فهم يعتبرون وظيفتي هي بمستوى فتاة الليل ولا يقدرون الفرق بين الاثنتين، وأني لو أردت التجاوب معهم لفعلت ذلك فوراً، ولكن عملي هذا أحبه جداً فهو قصير الدوام وممتع في آن”.
وفي شارع المكحول (في الحمرا) يقبع عدد من الحانات، داخل إحداها تعمل ثلاث سوريات جامعيات يدرسن في الجامعة العربية، أعمار الواحدة منهن لا تتعدّى الـ22 سنة، في البداية ترددت اثنتان منهن في الحديث للصحافة خوفاً من فضحهما أو تصويرهما، ليس خجلاً من عملهما بل خوفاً من معرفة أهلهما في سوريا ولكن بعض تطمينات بأنه لن نصورهم ولن ننشر أسمائهم قبلن الحديث عن مصاعب عملهن في هذه المهنة وكيف يواجهن المشاكل فيها بخاصة أن الثلاثة بعيدات من أهلهن.
وداد (19 سنة) تؤكد أن اختيارها هذه الوظيفة كان بإرادتها لأنها اقتنعت أولاً بها وثانياً لا تتنافى مع طبيعة حياتها التي كانت تعيشها في دمشق مع أصدقائها حيث كانت تخرج وتسهر وترقص، معتبرة نفسها منفتحة ومتقبّلة لهكذا حياة، ولكن خوفها هو الإفصاح إعلامياً عن عملها احتراماً لأهلها في دمشق ولمحيطهم الذي يرفض تماماً فكرة عمل فتاة في حانة وسط السكارى، ولو كان عملها في مطعم أو مقهى لكان تقبل الفكرة جائزاً.
لا يزعج وداد تمادي بعض الشبان معها، فمن وجهة نظرها “البنت تتعرض لهذه الأمور ولو كانت داخل المدرسة او تعمل داخل فرن، ومن تريد صون ذاتها تستطيع ذلك ومن لا تريد لن يردعها أحد، مضيفة أن ما يضايقها فعلاً هو “كثرة طلبات الزبائن من الجنسين، وتذمرهم الدائم من الخدمة أو كثرة طلباتهم بخاصة حين يثملون، وتردف بالقول ” نحن مسؤولون عن آخذ الطلبات فقط، ولكن لو تأخر الساقي في تحضيرها ندفع الثمن نحن، ونتحمل الإزعاج والإلحاح المقيت طوال الوقت”.

وداد وزميلاتها في هذه الحانة يعتبرن اختيارهم هذه الوظيفة مناسباً لدوامهن في الجامعة صباحاً، إلى جانب ذلك تقبض الواحدة منهن 350 دولاراً مع بقشيش يتم تقسيمه كل نهاية أسبوع على جميع العاملين، إضافة إلى أن المواصلات مؤمنة من صاحبة المكان التي تعاملهن كوالدة وصديقة لهن.
على الرغم من أن رواتب النادلات في هذه الأماكن متدنية لكن البقشيش يدعمها قليلاً، كما أنّ معظمهن يسكن بالمشاركة في شقة متواضعة حيث لا تدفع الواحدة منهن أكثر من 150 دولاراً.
لا تكشف وداد وصديقاتها عن “سرّ مهنتهن” أمام الزملاء في الجامعة العربية، لئلا يقعن في الإحراج معهم أو مع صاحب (ة) الشقة التي يستأجرنها، فجنسيتهن السورية وعملهن في المرافق الليلية يضعانهن في خانة الشك في أخلاقهن ومحاولة تمادي معظم الرجال معهن، لا سيما أنهن وحيدات في لبنان.
لكن، وفي الوقت عينه، لا يعتبرن أن المصيبة ستحل عليهن في حال علم أحد ولو بالصدفة أو ارتياد زميل لهن هذا المكان، إذ لا عيب في العمل لجني لقمة العيش والتعلم وهن لا يقمن بأي عمل مناف للأخلاق بل يفخرن بما يقمن به، وذلك أفضل من العمل ما بين 9 إلى 12 ساعة داخل أي محل مقابل المعاش ذاته، إذ لن يجدن الوقت الكافي للدرس والمذاكرة.
اقتناع تلك الفتيات بعملهن وسعادتهن به تأتي بعد تجارب أبناء وطنهم في وظائف أخرى في لبنان، إذ هناك استغلال لكثير من السوريين عبر تشغيلهم لساعات طويلة جداً مقابل مبالغ زهيدة ومن دون ضمان اجتماعي، في وقت تم صرف عدد كبير من اللبنانيين بحجة عدم قدرة رب العمل على دفع مرتّبات عالية لهم، مع العلم بأن الموظف اللبناني لا يزال يقبض الحدّ الأدنى، ولا يتجاوز راتب البعض منهم أكثر من ثمانمئة دولار، أي بالكاد يكفيه مصاريف بدل إيجار منزل وشراء طعام.

السابق
رئيس الاستخبارات السعودية يزور واشنطن عقب تدهور صحة الملك
التالي
خادم الحرمين: لن نسمح بتهديد الوحدة الوطنية وسنواصل الإصلاح