هل حاول لاريجاني إقناع نصر الله بالتخلّي عن الأسد؟ وفشل؟

الخامنئي
ربطت مصادر متابعة للزيارة التي قام بها رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني إلى لبنان، والزيارة التي قام بها مساعد وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف إلى هذا البلد، خاصة على الصعيد المتعلق باللقاء الذي جرى بين الرجلين كل على حدة مع الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، والجانب المرتبط ببحث الأزمة السورية والحوار الذي تعمل موسكو على إنجاحه بين النظام والمعارضة على أراضيها.

بوغدانوف الذي التقى نصر الله قبل توجهه إلى سوريا للقاء الأسد، طرح إمكانية وضع أسس لتفاهم إقليمي ودولي في إطار الحوار الذي ستستضيفه موسكو حول مصير الأسد، وضرورة عدم التمسك ببقائه من خلال عدم استبعاد البحث في هذه النقطة، وأن يتضمن جدول الأعمال وضع تصور مستقبلي لما بعد المرحلة الانتقالية في سوريا تؤسس لوصول شخصية بديلة تحظى برضى جميع الأطراف المعنية بالأزمة السورية.
الخطوة الروسية باتجاه إحداث خرق في الأزمة السورية من بوابة البحث عن بديل للأسد، لم تأت بعيداً عن الحليف الاستراتيجي الإيراني الذي سارع إلى التواصل مع موسكو بعد ظهور مؤشرات جدية على إمكانية أن يصل الحوار المقترح في موسكو إلى نتائج إيجابية، خاصة أن الأطراف المشاركة في الحوار من جانب المعارضة توفر الحد الأدنى من الشروط الإيرانية للحل، خاصة ما يتعلق بتفرد الائتلاف السوري المدعوم دولياً بتمثيل المعارضة وفرض أفرقاء جدد قاموا أو على الاستعداد للجلوس مع إيران والتفاهم معها.
ما فشل بوغدانوف في الحصول عليه من نصر الله فيما يتعلق بمصير الأسد، خاصة بعد ما سمعه من الأمين العام لحزب الله من تمسك بالرئيس السوري واعتباره “خطاً أحمر”، حاولت طهران عبر رئيس برلمانها علي لاريجاني التوصل فيه إلى نقطة وسط مع حليفها اللبناني، وهنا تشير هذه المصادر المتابعة أن الزيارة التي قام بها لاريجاني إلى بيروت بعد دمشق حملت دلالات على مساعٍ إيرانية لجر حليفها اللبناني إلى منطقة وسط بين المبادرات الدولية والإقليمية لحل الأزمة السورية، خاصة في النقطة المتعلقة بمصير الأسد.
وتضيف هذه المصادر أن طهران باتت مقتنعة بضرورة تقديم تنازلات في الملف السوري تساعدها على تحريك ملف المفاوضات حول البرنامج النووي، وتسهل عملية التوصل إلى تفاهم أو اتفاق مع الولايات المتحدة في أسرع وقت ممكن وقبل الدخول في الدقيقة تسعين من المهلة الجديدة.
القناعة الإيرانية المتعلقة بالتنازلات في سوريا مردها إلى مؤشرات روسية بدأت طهران تلمسها ترتبط بإمكانية أن تلجأ موسكو إلى عرقلة الاتفاق النووي مع واشنطن ردا على التعنت الإيراني في الموضوع السوري الذي تحاول القيادة الروسية الدخول عليه بشكل فاعل والتوصل مع الأطراف الدولية إلى حل للأزمة في هذا البلد، تمهد الطريق أمامها للانتقال إلى تفاهمات حول ملفات أخرى أكثر إلحاحا على موسكو، مثل الحد من تداعيات الأزمة الاقتصادية الناتجة عن هبوط أسعار النفط والحصار الاقتصادي المفروض عليها بسبب الأزمة الأوكرانية.
هذه المخاوف الإيرانية من خسارة الموقف الروسي الداعم في الملف النووي، إضافة إلى الدعم الذي تحصل عليه في الملفات الإقليمية الأخرى، وإن لم يكن من دون ثمن اقتصادي لم تتبلور معالمه وأحجامه بعد تدفعه لموسكو، إلا أنها تختلط أيضا بشبه قناعة داخلية لدى العديد من مراكز القرار والقوى الإيرانية بضرورة التوصل إلى حل قريب للأزمة السورية ووقف الأثمان التي تدفعها طهران “المأزومة” اقتصاديا نتيجة الدعم الذي تقدمه للنظام السوري وتمسكها بالأسد.
وانطلاقا من هذه المعطيات المعقدة إيرانياً، يعتقد متابعون لزيارة لاريجاني أن زيارة الأخير إلى لبنان ولقاءه بالأمين العام لحزب الله جاءت بعد إعراب موسكو عن انزعاجها من موقف نصر الله المتمسك بالأسد ورفض أي حلول أو نتائج قد يخرج بها الحوار المنتظر بين النظام والمعارضة الذي ستستضيفه موسكو.
ويعتقد هؤلاء المتابعون، وهم إيرانيون، أنه في مقابل الليونة التي تبديها القيادة الإيرانية، العسكرية والأمنية والسياسية وصولاً إلى مرشد النظام آية الله علي خامنئي في الموضوع السوري، وإمكانية البحث عن بديل للأسد يضمن المصالح الإيرانية بعد المرحلة الانتقالية في هذا البلد، إلا أن الأزمة تكمن في إقناع الحليف اللبناني بهذه التنازلات وإمكانية التخلي عن الأسد في إطار يضمن مصالح الطرفين.
القيادة الإيرانية، المتمرسة في تدوير الزوايا حتى العقائدية لتسويغ القرارات المصيرية التي تتضمن أو تتطلب تنازلات استراتيجية ومؤلمة، كما حدث في الحرب العراقية والإيرانية والقبول بقرار مجلس الأمن رقم 598 وصولاً إلى تسويغ الحوار مع الشيطان الأكبر “أميركا”، قد لا تجد حرجاً في تسهيل مهمة موسكو في وضع الأزمة السورية على سكة الحل، مقابل تأمين مصالحها التي تعتبرها استراتيجية وقومية مرتبطة بالملف النووي ورفع العقوبات الاقتصادية، وذلك من باب الحرص على المصالح الوطنية والقومية وتعزيز دورها الإقليمي، إلا أن الأزمة التي تواجهها طهران مع حليفها اللبناني تبدو أكثر تعقيداً، وتمس الصورة الدينية والقيادية التي يتمتع بها أمين عام حزب الله في لبنان، الذي ألزم نفسه وألزم إيران معه برفض أي مساس بموقع الرئيس السوري في أي حل للأزمة في هذا البلد، وبالتالي فإن أي تغيير في هذا الخطاب أو القبول والتنازل عن السقف والهدف الذي رسمه لموضوع تدخله في سوريا إلى جانب الأسد والقتال معه ضد فصائل المعارضة بذرائع مختلفة لم تبدأ حتماً بمحاربة الإرهاب والتكفيريين، سيضع نصر الله في مأزق ايديولوجي وسياسي أمام قاعدته الشعبية أولاً، والحزبية ثانياً، خاصة أن التفتيش عن مسوغات للاستمرار في القتال في سوريا لن يكون سهلاً، إضافة إلى الأزمة التي سيواجهها في تسويغ الأعداد الكبيرة من العناصر التابعة له والتي قتلت في معارك سوريا.
فإذا ما كان المرشد الإيراني محاصراً بأصوات في الداخل تطالب وتدعو بضرورة تقديم تنازلات في الموضوع السوري للخروج من عنق الزجاجة، النووية والإقليمية في الحوار مع الدول الكبرى حفاظاً على مصالح إيران الاستراتيجية، فإنه أيضاً محاصر برفض حليفه اللبناني التخلي عن الأسد تحت أي ذريعة كانت، وهو أيضاً محكومة بالحفاظ على وجوده وكيانه واستمراره ودفعاً لخطر المحاسبة من قاعدتيه الشعبية والحزبية، والتي إن حصلت قد تطيح بكل ما يعتبره إنجازات تحققت على مدى العقود الماضية وتعيده إلى دائرة المساءلة.

 

السابق
من ينقذ السوريين من نقص الأطباء والدواء والأمن؟
التالي
الحمرا ما عادت لبنانية… التوسّع السوري غيّر هويّتها

تابعوا اهم اخبارنا على تطبيق الوتساب

يقدّم موقع جنوبية مواضيع خاصّة وحصرية، تتضمن صوراً ووثائق وأخباراً من مصادر موثوقة ومتنوّعة تتراوح بين السياسة والمجتمع والاقتصاد والأمن والفن والترفيه والثقافة.

مجموعة جنوبية على الوتساب