لبنان بين حدّي النزوح الأكبر.. والمساعدات الأقل!

بعد أن تخطّى عدد النازحين السوريين رقم المليون ومئتي ألف، شدّدت الدولة اللبنانية الإجراءات الحدودية، على امتداد المعابر البرية مع سوريا، كما عبر مطار بيروت الدولي، وذلك تعبيراً عن استشعار الأفق المسدود للأزمة السورية من جهة وبلوغ ملف النازحين حد تهديد الاستقرار اللبناني بأبعاده الأمنية والاقتصادية والاجتماعية من جهة ثانية، ناهيك عن اليأس من إمكان ترجمة كل الدعم الدولي اللفظي للبنان برغم عشرات الزيارات الدولية لبيروت ورزمة الاجتماعات والمؤتمرات الدولية المخصصة للنازحين.. وكلها جاءت نتائجها مخيبة للآمال.

فقد شارك لبنان في العام الماضي في مؤتمرات عدة أبرزها: «المؤتمر الدولي الثاني للمانحين لدعم الوضع الإنساني في سوريا» في الكويت بحضور ممثلي 39 دولة (كانون الثاني 2014) وأقر فيه تقديم 1.5 مليار دولار لتحمل تبعات النزوح وبينها حصة وازنة للبنان.. نظرياً.
وشارك لبنان في المؤتمر الثاني لـ «مجموعة الدعم الدولية للبنان» في باريس (آذار 2014)، وفي الاجتماع الخامس لمجموعة الدعم الدولية ومؤتمر برلين للنازحين السوريين الذي شاركت فيه 29 دولة و10 منظمات دولية بدعوة من ألمانيا (تشرين الأوّل 2014)، بالإضافة إلى الاجتماعات الدولية التي عقدت على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في ايلول الماضي بمشاركة رئيس الحكومة تمام سلام.
ولكن برغم هذه المؤتمرات والزيارات، لم تفِ «الدول» بتعهّداتها، تماماً كما حصل في الجمعيّة العموميّة في نيويورك وقبلها في برلين، حيث أقرّت الدول المانحة مساعدات بـ140 مليون يورو لمساعدة الدول المضيفة للنازحين السوريين، منها مبلغ 57 مليون يورو مخصص للبنان في الـ2014، وخصّصت ألمانيا للسنوات الثلاث المقبلة مبلغ 500 مليون يورو للدول المضيفة للنازحين، لم تحدّد حصّة لبنان منها. وتكفّلت أميركا بدفع مبلغ عشرة ملايين دولار للدول المضيفة، عدا المساعدة التي قررتها السويد للبنان بقيمة ثمانية ملايين ونصف المليون دولار.
وإذا كان لبنان لم يسمع سوى الوعود، فإن المساعدات ـ حتى لو أتت ـ فإنّها لن تمرّ عبر الخزينة العامة، بل يتمّ دفعها مباشرة إلى النازحين عبر المنظمات الدولية العاملة على الارض وليس عبر الحكومة اللبنانية. كما يبقى أكثر من 100 ألف نازح مهدّدين بلقمة عيشهم اذا قرر «برنامح الاغذية العالمي» وقف مساعداته كما فعل في بداية كانون الأوّل الماضي بسبب شحّ المساعدات، قبل أن يستأنفها في الشهر نفسه ولكن من دون ضمانات ببقاء الدول المانحة على التزاماتها إزاء «البرنامج».
في المقابل، فإن غالبيّة المساعدات الماديّة غير مخصّصة لمشاريع استثمارية إنمائية تحرّك الاقتصاد وتولد فرص عمل وتعزز التضامن الاجتماعي في مناطق انتشار النازحين السوريين، بل إنها تنحصر بالمساعدات المباشرة للنازحين، (كالغذاء والسكن والخدمات التعليميّة والصحيّة..). في حين يتكبّد اقتصاد لبنان سنوياً 7.5 مليارات دولار سنوياً (وفق آخر تقديرات البنك الدولي)، بالإضافة إلى تراجع ملحوظ في النمو ناتج عن تراجع الحركة الاقتصاديّة (التجارية والسياحية..) بفعل تأثير الأزمة السوريّة.
ومن المتوقع، وفق آخر نشرة صادرة عن البنك الدولي، استمرار الوضع المالي في لبنان بالتدهور، وأبرز مؤشر هو توسّع العجز ليبلغ 10.2% من الناتج الاجمالي المحلي في 2014، مقارنة بـ 9.4 عام 2013، وأن تصبح نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي 149% مقارنة بـ143.1% في نهاية 2013، حسب أرقام البنك الدولي الأخيرة.
أعلى نزوح.. وأقلّ مساعدات
ويؤكّد تقرير أعدّته «مفوضية اللاجئين» مع بداية هذا العام أن الدول المانحة سددت حوالي 694.311.565 دولارا من أصل 1.515.491.900،(كلفة النزوح في لبنان) أي ما يعادل الـ 46% من المبلغ الذي طلبته «المفوضيّة» لتأمين أولويات النازحين، بالرغم من أنّ هذه النسبة كانت أعلى في العام 2013، حينما بلغت 52%.
كذلك، قدّم لبنان في بداية العام 2013 طلباً إلى المانحين للحصول على 370 مليون دولار لتمويل متطلبات الخدمات العامة الصحية والتربوية والاجتماعية للنازحين السوريين، لكنه لم يحصل سوى على 30% من طلبه، أي ما يعادل 100 مليون دولار.
ويبدو واضحاً أنّ مستوى المساعدات الدوليّة في تمويل احتياجات النازحين داخلياً هي أدنى من تلك المقدمّة إلى الدول الأخرى (تركيا والاردن والعراق ومصر)، بالرغم من أنّ عدد النازحين إلى لبنان هو الأعلى نسبةً الى عدد السكّان، بحسب دراسة أعدّتها «مفوضية اللاجئين» مطلع 2014.
وتبيّن هذه الدراسة بأنّ العدد الأكبر من النازحين السوريين توجّه إلى لبنان (نحو مليون و100 ألف نازح). وشكّل النازحون حتى أيّار الماضي حوالي 26.20 % من سكّان لبنان، في حين لم يشكّلوا في البلدان الأخرى خلال هذه الفترة أكثر من 10% نسبةً لعدد سكانها، إذ يشكّل هؤلاء 9.5 % من سكّان الأردن، ولم تتعدّ نسبتهم الـ 3 % في تركيا وأقلّ من 1% في مصر والعراق ودول شمال أفريقيا.
وبالإضافة إلى عدد السّكان، فإن التفاوت بين لبنان والدول الأخرى المضيفة للنازحين من حيث المساحة الجغرافية والحركة الاقتصادية، يبدو جلياً. مثلاً: يفوق حجم الاقتصاد التركي 20 مرّة حجم الاقتصاد اللبناني وتبلغ مساحة أراضيه 80 مرّة مساحة الاراضي اللبنانية.
أكثر من 52%.. نازحات إناث
ولا يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ، بل تشير دراسة «مفوضية اللاجئين» إلى أنّ العدد الأكبر للنازحين في لبنان هم من الإناث (اكثر من 52%)، في حين ترتفع نسبة الأطفال ومن هم دون الـ18 سنة إلى حوالي 53%، وأكثر من 3% من الذين تفوق أعمارهم الـ60 عاماً.
وبالتالي، فإن ارتفاع أعداد الأطفال والنساء والمسنين يرتّب على لبنان أعباءً إضافيّة لجهة الرعاية الاجتماعية والصحيّة، وغيرها من الاحتياجات الضرورية لهؤلاء من دون غيرهم.
وتشير تقارير المنظمات الدوليّة إلى أنّ حوالي 30% من النازحين يعيشون في ظروف اجتماعية صعبة: 40% منهم يعيشون في خيم وملاجئ جماعية ومبان غير منتهية ومرائب للسيارات، ومن هذه الفئات يوجد نسبة 14% ممّن يعيشون في مخيمات عشوائية لا تخضع لسيطرة الدولة ورقابتها، و18% يعيشون في غرف منفصلة.
انعدام الثقة بالحكومة اللبنانية
ويعزو تقرير رسمي لبناني غير منشور عن أزمة النازحين وشح المساعدات الدولية للحكومة اللبنانية إلى «تشكيك الدول المانحة ومؤسسات الدعم الدولية الأخرى بمطالب لبنان، متذرعة، من دون أن تقول ذلك صراحة، بأداء المؤسسات الحكومية اللبنانية»، أي استشراء الهدر والفساد وعدم الشفافية في استخدام المساعدات وانقسام أفرقاء الحكومة اللبنانية حول طريقة التعاطي مع ملف النازحين.
والحلّ، الذي يعرضه التقرير، هو تواصل السلطات اللبنانية مع دول العالم بشكل ثنائي لتأمين أكبر قدر من المساعدات من تلك الدول لوضعها مباشرة بتصرف الحكومة اللبنانية، وتوسيع التمثيل في «مجموعة الدعم الدولية للبنان» ليضم دولاً أخرى يزيد من قدرة لبنان على استقطاب غطاء سياسي دولي أشمل وموارد مالية مباشرة للخزينة العامة.
كذلك يشدّد التقرير اللبناني على ضرورة التنسيق المباشر أو غير المباشر بشأن النازحين بين أربع جهات: لبنان وسوريا والدول المانحة والأمم المتحدة والمنظمات الدولية، وتأليف لجنة مشتركة لبنانية – سورية تعقد اجتماعاتها بصورة دورية بين بيروت ودمشق.

السابق
حزب الله يحاور جعجع بالرابية
التالي
23 قتيلا من العراق