حزب الله يحاور جعجع بالرابية

وحده حزب الله يمتلك مفاتيح أبواب الحوار فيقفلها متى يشاء ويفتحها متى يشاء، لأنه وحده من يمتلك مشروع سياسي يتخطى الحدود اللبنانية، وبالتالي فإن الملف اللبناني ليس إلا تفصيل من تفصيلات دوره الإقليمي، وبما أن المنطقة تتجه نحو التسويات السياسية الكبرى وبنفس الوقت تعاني من تعاظم دور الإرهاب فقد ارتأى الحزب أن مصلحته الآن تقضي بضرورة فتح كل أبواب الحوارالتي كان يوصدها في وجه اللبنانيين

لقد كانت مفهومة الأسباب والخلفيات التي دفعت تيار المستقبل  وحزب الله للجلوس وجها لوجه على طاولة رئيس مجلس النواب نبيه بري الحوارية، وما تحمله هذه الخطوة من إيجابيات كبيرة على مستوى البلد وما حققته وتحققه من تخفيف ملحوظ في حالة التشنج المذهبي التي كانت بدأت غيومها السوداء  تتراكم  وتغطي  سماء لبنان الزرقاء وما تحمله من تباشير بمطر اسود.

وحسنا فعل الحزبان بإقدامهما على هكذا خطوة وإن جاءت متأخرة جدا الا انها خير الف مرة من ان لا تحصل، حتى ولو لم تكن بقرار محض لبناني كما كنا نتمنى، وهذا  معلوم،  فالقرار الإقليمي والتقارب الإيراني الامركي، والتهديد الحقيقي للارهاب الذي كاد ان يطال الجميع  والحاجة الإيرانية بتقديم أوراق حسن سلوك للمجتمع الدولي، جميعها عوامل شكلت الدافع الأكبر في اجبار حزب الله الى القبول بمثل هذه الخطوة المتقدمة.

لكن غير المفهوم هو الأسباب الحقيقية الكامنة خلف تسرب نفس الرياح الحوارية ومقدرتها  على  اختراق الابواب المسيحية الموصدة باحكام طيلة المراحل السابقة، خاصة بين رئيس التيار الوطني الحر النائب ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانية الرئيس سمير جعجع.

فالهدوء والسكينة التي خيّمت على مقابلة جنرال الرابية في اطلالته التلفزيونية مع الزميل جورج صليبي، ادهشت الكثير من المراقبين، فبدا الجنرال وعلى غير عادته يضج بالسكينة والوقار ووجهه المشدود قد غابت عنه ليس فقط كل التجاعيد الثمانينية وانما كل ملامح الغضب ومعالم الاضطراب التي تعلوه عادة.

وامام هذه الظاهرة الغريبة، كما اي ظاهرة، لا بد من التأمل والتدقيق مليا، من اجل دراستها والوقوف على أسبابها وعلى النتائج الإيجابية المتوقعة من ورائها بما تشكل من مؤشر يمكن البناء عليه ليس على طريقة المنجمين الدارجة هذه الأيام وانما بمقاربة موضوعية مستقات من المعطيات السياسية التي تحيط بها.

ومن هنا يمكن القول بلا تردد ان حزب الله ولأول مرة يمارس سياسة الضغط الايجابي وبان قرار الانفتاح على الشأن اللبناني هو قرار حقيقي، وليس مجرد مناورة سياسية، وبان العمل على  إيجاد حلول من اجل تحريك عجلات المكنات السياسية وفي مقدمتها الانتهاء من الفراغ في سدة الرئاسة الأولى قد اتخذ فعليا، وبان انفراجات واسعة ستشهدها الساحة اللبنانية، لانه يبدو كما هو واضح فقد اقتنع حزب الله اخيرا ان الخطر الداعشي الذي يدق أبواب الحزب ومعه كل لبنان لا يمكن مواجهته في ظل عداوات داخلية هو بالغنى عنها طالما انه يستطيع انهائها باقل ضرر ممكن  ولا تكلفه الا القليل من المبادرة التي ينتظرها الطرف الاخر بفارغ الصبر،  وهذا ما تبلغ به الجنرال بشكل مباشر او برسائل غير مباشرة كان اخرها ما صرح به اللواء عباس إبراهيم.

وعليه فالوظيفة الجديدة الموكلة للاخ ميشال عون هذه الأيام هو العمل ضمن هذا التوجه والانفتاح هو الآخر على الطرف المسيحي وبالخصوص على القوات اللبنانية، وبمعنى أوضح  فان التكليف الشرعي (خاصة بعد المرحلة التكاملية).

وقد تمثلت بأن يستلم ميشال عون الراية بعد “استقالة” غالب أبو زينب، ويكون هو المسؤول عن الملف المسيحي  وبهذه الطريقة يستطيع حزب الله ان يحاور سمير جعجع ولكن في الرابية وعبر الجنرال نفسه، واتصور بان تكون نتائج الحوار المرتقب مدهشة، وبان الحكيم سيخرج منها مصدوما، لانه هذه المرة سيجلس مع الأخ جنرال.

السابق
هل يعود مياومو «الكهرباء» إلى الشارع؟
التالي
لبنان بين حدّي النزوح الأكبر.. والمساعدات الأقل!