الأونروا 2014: تحديات فاقت التوقعات

يعتبر عام 2014 واحداً من أسوأ الأعوام التي مرت على وكالة “الأونروا”، وبالتالي رَفَع سقف التحدي لتلبية إحتياجات اللاجئين، لتبدأ نداءات الإستغاثة الطارئة التي أطلقتها الوكالة سواءً نتيجة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في شهري تموز/يوليو وآب/أوغسطس، أو نتيجة تفاقم أوضاع فلسطينيي سوريا مع إستمرار الأحداث والحاجة الماسة للمزيد من المساعدات، وفي المقابل إستجابة مالية محدودة من قبل الدول المانحة العربية منها أو الغربية وهي التي تساهم طوعاً في ميزانية الوكالة، ويرتفع مستوى التحدي كلٌّ من التباطؤ الملحوظ في الإستمرار بإعادة إعمار مخيم نهر البارد في لبنان بعد أكثر من سبعة سنوات على تدمير المخيم، وتكريس لاهمية “الأونروا” وارتباطها بقضية اللاجئين.

وبغياب الصلاحيات الممنوحة لـ “الأونروا” بالحماية الجسدية للاجئين فإن مؤشرات التحديات فاقت التوقعات، وبنتيجتها على المستوى المادي أعلنت الوكالة رسمياً عن حاجتها لـ 142 مليون دولار لإستكمال إعمار ما تبقى من مخيم نهر البارد والذي تصل نسبته الى 55%، ومبلغ 1.6 مليار دولار لقطاع غزة، و425.4 مليون دولار لتلبية إحتياجات فلسطينيي سوريا، ناهيك عن العجز المالي في الموازنة العامة والذي يبلغ 35 مليون دولار، أما على المستوى المعنوي فقد ارتفع مُؤشر المضايقات للوكالة من قبل أعداء قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة من خلال الإتهامات التي ساقها الإحتلال “بتواطؤ” الوكالة لتخزين أسلحة المقاومة في مدارس قطاع غزة.

منذ إنشائها في تاريخ 8/12/1949 وفقاً للقرار الأممي رقم 302 فإن الوكالة تقدم خدمات الحماية والمناصرة والمساعدة للاجئين الفلسطينيين المسجلين حتى تاريخ الأول من أيار/مايو 1951 وقد وصل عدد اللاجئين المسجلين حسب إحصاء الوكالة في الأول من كانون الثاني 2014 لحوالي خمسة ملايين ونصف المليون لاجئ، بعد أن وصل عددهم في العام 1949 إلى 760 ألف لاجئ حسب لجنة “لجنة الإستقصاء الإقتصادي في الشرق الأوسط” التي عرفت بـ “لجنة كلاب” أو 935 ألف لاجئ حسب إحصاء الدكتور سلمان أبو ستة للعام 2002، منتشرين في مناطق عمليات “الأونروا” الخمسة، الضفة الغربية وقطاع غزة ولبنان وسوريا والأردن، مسجلة بذلك أهم منظمة دولية تابعة للأمم المتحدة في الشرق الأدنى.

وصفت “الأونروا” عام 2014 بأنه كان “مدمراً”، فالمستجد الأبرز للعام كان ما خلَّفه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة خلال 51 يوما من خسائر بشرية ومادية، إذ يعتبر وبشهادة المنظمات الدولية كالصليب الأحمر الدولي وهيومن رايتس ووتش و”الأونروا” الأعنف والأشرس والأكثر دموية ضد المدنيين الفلسطينيين والمعالم المدنية في تاريخ الإحتلال الإسرائيلي منذ العام 1948، فقد استهدفت صواريخ العدوان القاتلة 222 مدرسة من بينهم 76 مدرسة تابعة لـ “الأونروا”، واستشهاد 11 من موظفي الوكالة، وتدمير وإصابة 96 ألف مسكن “أكثر من الضعف الذي توقعته الوكالة” منهم 7000 من مساكن اللاجئين تعرضت للدمار الكامل حسب مدير عمليات “الأونروا” في قطاع غزة روبرت ترنر، أثَّر على حوالي عشرة آلاف أسرة بينما تعرضت المدارس “لسبعة حوادث تم فيها إطلاق الذخائر الحية على مدارسها، ثلاث منها كانت ذات عواقب مميتة نجم عنها أكثر من 42 حالة وفاة وإصابة حوالي 200 شخص بجراح متعددة”، مما أدى ولأول مرة إدانة مباشرة من قبل المفوض العام للوكالة بيير كرينبول لدولة الإحتلال أثناء عرضه لتقريره السنوي الأول أمام اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة الخاصة بالسياسة وانهاء الإستعمار في نيويورك بتاريخ 4/11/2014، فقد حمل كرينبول “إسرائيل” مسؤولية الإستهداف المباشر لمدارس الوكالة وشجب بانكي مون إستهداف الكيان المحتل لمدارس “الأونروا”، ولأول مرة نكَّست الأمم المتحدة أعلامها في الجمعية العامة استنكاراً، ومعها قرر الأمين العام للأمم المتحدة تشكيل لجنة “شاباس” الدولية للتحقيق في الإنتهاكات التي ارتكبها الإحتلال باستهدافه مدارس “الأونروا”. ومع التباطؤ الشديد في إعمادة إعمار ما دمره الإحتلال في قطاع غزة، فلا يزال حوالي 20 ألف لاجئ فلسطيني يتخذ من مدارس “الأونروا” ملجئاً مؤقتا، وتحول الكثير من المدارس للعمل بنظام الدفعتين.
أما على مستوى “الوضع الكارثي” في سوريا كما وصفه السيد كرينبول فلأول مرة يجري تصنيف إقليم كامل لوكالة “الاونروا” بان اللاجئين الفلسطينيين المقيمين فيه محتاجين الى مساعدة (540 الف لاجئ)، فلا يزال حوالي 42 الف لاجئ نازح من سوريا إلى لبنان و14 ألف في الأردن وأربعة آلاف في مصر وحوالي 800 في غزة وألف في ليبيا وعشرات الآلاف في الدول الأوروبية وأكثر من 150 ألف لاجئ مهجر داخل سوريا، مع عدم إيفاء اللاجئين ما يلزمهم من مساعدات مقابل الإحتياجات وضرورة ترشيد الإنفاق، ومع تقصير بمتابعةأوضاع اللاجئين الفلسطينيين المهجرين من سوريا إلى الدول العربية خارج مناطق عمليات “الأونروا” وضرورة التنسيق بين الوكالة الدولية والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين والدول التي تستقبلهم لتوفير ما يلزم من إحتيجات.

على المستوى الدولي نجحت “الأونروا” خلال العام 2014 بجعل قضية اللاجئين الفلسطينيين محط أنظار العالم على المستوى الإنساني، وتحديداً أوضاع اللاجئين في الأقاليم الأربعة غزة والضفة وسوريا ولبنان، فالأردن وفقاً لـ “الأونروا” “لا يزال مستقراً مقارنة بجيرانه”،وفي المقابل عدا عن الوضع الإنساني نجحت الوكالة كذلك في تسليط الضوء على الإحتلال الإسرائيلي للضفة والقطاع، فقد أعرب كرينبول عن مخاوف “الأونروا” “حيال التهديد بالتهجير القسري لحوالي 7,000 شخص في 45 منطقة سكنية في الضفة”، و”أن التهجير القسري للأشخاص من أراض واقعة تحت الإحتلال خرقا للقانون الإنساني الدولي”، وهذا حتما سيضع الوكالة أمام تحدٍ آخر من قبل أعداء “الأونروا” وارتباطها بقضية اللاجئين وحق العودة.

نعتقد بأن عدم تطبيق حق العودة، وبغياب توفير الحماية الجسدية للاجئين الفلسطينيين من خلال توسيع سياسة عمل “الأونروا” في الجمعية العامة بما يشمل أيضاً ميزانية الوكالة بأن تكون جزءً رئيسياً من الميزانية العامة، سيبقى مسلسل الإنتهاكات مستمراً ولن تتعدى المواقف – على أهميتها – الشجب أو الإدانة.. أو تشكيل لجان التحقيق.

السابق
الرياح اقتلعت ثلاث اشجار في طرابلس
التالي
النفط يرفع الصرخة الايرانية:ماذا اذا هبط السعر الى32 دولاراً