إلامَ يسعى دوميستورا؟

على أرض الواقع، يبدو أن نظام بشار الأسد أكثر احتياجا لأية مبادرة تطرح لتسوية الأمور في سوريا. ودون الدخول في التفاصيل فهو معني بذلك لأن نظامه مسؤول أكثر من غيره في كل ما حصل ويحصل من قتل وتدمير في سوريا.

لو تعمقنا أكثر في قضية التسوية التي انتدب لها ستيفان دو مستورا، فإن دول مجلس الأمن الخمس الكبرى، ليس لديها وهْم بأن هذا الوسيط الدولي يمكنه تقديم حل ولو جزئيا في سوريا. وقد فشل قبله كوفي أنان والأخضر الإبرهيمي. غاية ما في الأمر أنه يملأ فراغا، ولا يهم عند هذه الدول كيف سيتم ملء الفراغ.
بشار الأسد يعيش في ورطة حقيقية. يريد أن يكسب مساحات على أرض المعركة، قبل أن تتفق واشنطن وموسكو على فرض حل في سوريا. لكن على ما يظهر فإنه لم يتقدم خطوة ملموسة تؤكد أنه كسب شيئا. لأن القرى التي استولي عليها بالأمس عادت اليوم إلى حيازة المعارضة المسلحة. بل إنه خسر في شهر كانون الأول من عام 2014 مساحات استراتيجية شاسعة في وادي الضيف والحامدية جنوب شرق معرة النعمان بمحافظة إدلب، مع خسارته دبابات سليمة ومدافع ميدان وآليات وذخيرة كسبتها جبهة النصرة وأحرار الشام، وليس في الأفق المنظور أنه يستطيع أن يعوض هذه الخسارة.
لايكتمل البحث حول وضع نظام الأسد ما لم نحط بكل الجوانب المؤثرة في علاقته مع حلفائه سواء أكانوا ميليشيات شيعية مقاتلة أو دولا تدعمه. وليس سرا أن بعض المليشيات التي تحارب مع بشار الأسد بدأ يظهرمنها ما يقلق النظام. فقد بدأ بعض شبيحته بفرض أتاوات على الأقلية العلوية في حمص. وكانوا من قبل أتوا ليشعروهم بالأمن من منطلق التضامن معهم.
ولعل الهم الأكبر الذي يشعر به الأسد هو أن المال الذي كانت تقدمه طهران لمجهوده الحربي بدأ يشعر أنه ينضب، خاصة بعد تدهور أسعار النفط التي وصلت إلى أقل من نصف قيمتها. وإذا علمنا أن طهران وضعت موازنتها الحالية على أساس 115 دولاراً للبرميل، فلا يبعد أن يشعر بشار أن عليه أن “يقلّع شوكه بيده”، وأن عليه أن يتطلع أكثر إلى حل دولي.
الفصائل المقاتلة أمضت ثلاث سنوات عجافاً وقد خذلها فيها الأخ قبل الصديق. لذلك فمجيء دو ميستورا للتوسط بين المتقاتلين في سوريا لن يؤثر في مشروعها. لأن هذه الفصائل تشعر أنها في منتصف المعركة، وليس عليها إلا المضي فيها إلى الآخر. لأن نكوصهم والتسليم بأي حل آخر إلا إسقاط بشار ونظامه، فإنهم سيكونون عرضة لأن يقبض على قياداتهم وأن يساقوا إلى غوانتانامو جديد، كما فُعل بالأفغان العرب. عدا عن أن الحلول الوسط والأقل من الوسط ليست واردة في قاموس أي فصيل من الفصائل المقاتلة.
أما ما نرى من حماسة لدى البعض من معارضة اسطنبول، فهو زَبَدٌ لا يلبث أن يذهب جفاء، ولا يشير الى أنه مقبول عند أي من الأطراف. عدا عن أن الفصائل المقاتلة ليس في واردها أن تسلم للسيد دو ميستورا ما يسعى إليه. وليس أمامه إلا العودة إلى مستودعات الأمم المتحدة وانتظار أي مشكلة أخرى تطرأ في مكان آخر.

السابق
«المستقبل» ـ «حزب الله»: تغطية سياسية للأمن.. والاستقرار
التالي
فتحعلي زار الجميل: لبنان قادر على مقاربة استحقاقاته الداخلية