قانون السير الجديد وحماية البيئة…لحظ أشياء وغابت عنه كثيرة

بعدما كثرت المخالفات، وبعضها أدّى إلى الموت، أو إلحاق الأذى بالإنسان الآخر عن قصد، أو دون نيّة سيّئة نزولاً عند مشيئة القدر، كان لا بدّ من قانون جديد للسير يضبط هذه المخالفات بشكل رادع، ويمتصّ تفشّيها، ويخفّف منها، ويقلّل من نسبة الاستهتار المرتبطة بالإنفلات الأمني في لبنان، وينظّم العلاقة المسؤولة بين المواطن والقيادة وصولاً إلى تحقيق السلامة العامة المتوخّاة.

زيادة واردات الخزينة
ولا شكّ أنّ رفع سقف تسعيرة محاضر الضبط وزيادة الغرامات أضعافاً مضاعفة وبنسب عالية وأكثر من المتوقّع، يحضّ المواطن على الالتزام بالقانون، وعدم إرتكاب المزيد من الموبقات، وذلك لئلاّ يضطرّ إلى دفع راتبه الشهري، أو نصفه، أو جزء مهمّ منه، مقابل مخالفة كان يمكن تجاوزها بتقدير النظام والتقيّد به، إلاّ أنّ الدولة اللبنانية رأتها فرصة مناسبة لزيادة واردات الخزينة العامة من هذه الرسوم التي يجب أن تدفع عن رضا تام، وإلاّ صارت المشكلة أكبر أمام القضاء، باعتبارها مخالفة قرار قضائي يستحقّ السجن ومن دون النفاد من هذه الغرامة مع تدوينها في السجّل العدلي.

إيجابيتان
لَحَظ نظام السير الجديد في طيّاته أمرين مهمّين يتعلّقان بسلامة البيئة، أوّلهما إلزام الشاحنات المحمّلة بأتربة، وحديد، وخرضوات، وصخور، وخضروات وفواكه وشتول، وما شابه، بوضع غطاء مناسب عليها “شادر”، منعاً لتسرّبها وتساقطها على الطريق، وبالتالي الحفاظ على الشوارع والطرقات نظيفة وخالية من الأوساخ والمناظر المقزّزة. وثانيهما إجبار المركبات باختلاف أنواعها وأشكالها على الخضوع للمعاينة الميكانيكية ضمن الوقت المحدّد، وهو ما يخفّف من ملوّثات العوادم، وضجيج المحرّكات، ويمنع إستخدام المحرّكات العاملة على المازوت، ويلزم أصحابها على العناية بمركباتهم وآلياتهم على كلّ الصعد.

رمي الأوساخ من النوافذ
غير أنّه كان بإمكان القانون الجديد أن يدرج ضمن مجموعة المخالفات الواردة فيه، مسألة تغريم كلّ من يرمي شيئاً من نافذة سيّارته على الطريق، وبالتالي يحضّه بطريقة غير مباشرة، على الاحتفاظ بهذا الشيء، إلى أن يصل إلى مستوعب للنفايات، أو سلّة للمهملات، فيتخلّص منه بوضعه في مكانه الصحيح. ومن الطبيعي أن يلتزم المواطن بهذا الأمر تحت طائلة دفع غرامة مالية باهظة يفضّل أن يشتري بها ربطة خبز، أو فاكهة، لأهل بيته وعياله، أيّ أنّه يصرفها في مكانها الصحيح أيضاً.

وكثيراً ما نرى رجالاً ونساء وأطفالاً، ومن مختلف الأعمار، يمدّون أيديهم من شبابيك السيّارات غير آبهين بالقانون وبالمواطنة السليمة، ويرمون الأوراق، وقشور الموز والليمون، وعقب السجائر، وما شاكل، إلى الطريق العام بدلاً من جمعها في كيس وإلقائها في أقرب مكبّ للزبالة. وهذه الأوساخ تساعد كثيراً في موسم الشتاء والأمطار، في سدّ المجاري الصحيّة التي تحتاج أساساً إلى معالجة مستمرّة، وبالتالي، تسبّب زحمة سير وربّما حوادث سير ينجم عنها قتلى، وجرحى، وإصابات، وأضرار مادية، ولم يكن ينقص قانون السير الجديد، الإلتفات إلى هذا الأمر المرير، وإدخاله ضمن المخالفات المعاقب عليها ضمن مندرجاته.
فهذه الآفة المنتشرة بكثرة ويومياً وفي جميع المناطق اللبنانية ومختلف الطرقات، لا تقلّ شأناً عن عدم الإمتثال لحاجز أمني، أو إجراء مناورة، أو المرور بعكس السير، أو وضع عازل للرؤية، أو عدم وضع حزام الأمان، أو التكلّم على الهاتف، أو عدم إجراء معاينة ميكانيكية، أو ركن السيّارة في مكان ممنوع الوقوف فيه.

الأبواق مُخَالَفة
كما أغفل القانون الجديد التطرّق إلى منع استعمال أبواق السيّارات وزماميرها المزعجة، وإطلاق العنان لها، والسماح بها لسيّارات الإسعاف والدفاع المدني وخلال وجودها في مهمّة طارئة وعاجلة فقط لا غير، علماً أنّ قانون العقوبات اللبناني يعاقب في المادة 758 منه، وبناء على شكوى المتضرّر، كلّ من يحدث ضوضاء، ومن يتسبّب بإقلاق راحة الآخرين ضمن محاضر الإزعاج التي ترد بكثرة إلى القاضي المنفرد في منطقة وقوع هذه المخالفة.

ملوّثات العوادم
ونسي المشرّع أن يتناول إجبار السيّارات والشاحنات والدرّاجات النارية على وجوب تصليح العوادم “الإشكمانات”، وذلك للحؤول دون إحداث ضجّة، وبثّ الدخان وتلويث الجوّ والهواء، وهو ما يتسبّب بالأذى للآخرين ويعرّضهم للإصابة بأمراض مختلفة وتشجّنات تنعكس سلباً على أعمالهم ودورة حياتهم. ولا يكفي أن ينتظر قانون السير الجديد إجراء المعاينة الميكانيكية للتخلّص من ملوّثات العوادم التي تستدعي ملاحقة يومية من قبل منفّذي القانون وهم عناصر قوى الأمن الداخلي.

إصلاحات أخرى
وبموازاة تنفيذ هذا القانون، لا بدّ أن تواكبه إصلاحات مهمّة تتعلّق بالبيئة وبالسلامة العامة أيضاً وهي:
• تعبيد الطرقات بشكل مناسب، وعدم الاقتصار على تزفيت الحفر، “فالترقيع” يضرّ بالسيّارات وبأصحابها، كما يفترض منع “المطبّات” أو التخفيف منها بحيث تكون في أمكنة محدّدة وتحديداً قرب المدارس.
• منع الميكانيكي من تصليح السيّارات على الطريق العام وخارج محلّه وكأنّه ملك خاص به، خصوصاً وأنّه يترك الأوساخ والملوّثات والزيوت في الشارع من دون الاهتمام برفعها وإزالتها، ضارباً القانون عرض الحائط.
• منع تجّار السيّارات وأصحاب معارض السيّارات والسماسرة من الوقوف على الطرقات العامة والهجوم على السيّارات العابرة طلباً لشرائها وبأصوات مزعجة، لأنّ هذا التصرّف قد يمنع السائق من الانتباه مليّاً خلال القيادة، وبالتالي فإنّ منعهم بقوّة القانون، يخفّف من حوادث السير.
• تنظيم لوحات الإعلانات الموضوعة على الطرقات منعاً لتأثيراتها السلبية على القيادة.

مساواة المواطن والمسؤول
وأخيراً لا يكفي أن تطالب الدولة المواطن بالتزام القانون، ولا يكفي أن تجبي منه المزيد من الرسوم والضرائب، بينما تقف هي متفرّجة على مخالفات ترتكبها في غير مجال، وفي غير ميدان، ولا يجوز أن يطبّق قانون السير الجديد على المواطنين المخالفين فقط دون سواهم من المسؤولين والمحسوبين عليهم والذين يعمدون إلى خرق هذا القانون بتركيب زجاج عازل للرؤية بداعي الحماية الأمنية ليتبيّن وجود “جيش” من السيّارات الموضوعة للحماية والتي لا يستعملها صاحبها المسؤول وإنّما أفراد أسرته، ومرافقوه، فالمساواة هنا واجبة وضرورية وتعطي حافزاً على احترام القوانين وتقدير العدالة.

التوعية
ويبقى أنّ التوعية أهمّ فروض طاعة القانون، وتحدث إنقلاباً في المعاملة بين الناس والدولة والنظام العام، كما أنّ الإرشادات إلى السلامة العامة تعطي إنطباعاً عاماً على قدرة الدولة على التحكّم أكثر بمسار الحياة على أرضها، غير أنّ الدولة اللبنانية وفي ظلّ العجز المالي الكبير في موزاناتها، قرّرت استبدال التوعية بالغرامات المادية بسبب مردودها الإيجابي على خزينتها وماليتها العامة، ودولة تفكّر بالمال أكثر من المواطن، هي دولة غير قادرة على إحداث العدالة في مجتمعها.

السابق
اللبناني طارق البكري يفوز بدرع الصحافة الكويتية الذهبي
التالي
أحمد المنسي على قارعة الرصيف