2014: ارتفاع منسوب البطالة وجمود في الأجور

ينقضي عام 2014 مثقلا بالازمات الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية والمطلبية، لكنه يقذف بها الى العام 2015، بشكل ازمات تتراكم اكثر فأكثر، فتزداد صعوبة ايجاد حلول للقضايا العمالية المطلبية في ظل الظروف غير المستقرة على مختلف الصعد، نظرا لتزايد ضعف المؤسسات، وغياب الهيئات النقابية والاهلية الضاغطة والفاعلة، وشلل الادارة القادرة من جهة، وتراجع كل المؤشرات الاقتصادية من جهة ثانية.

في العام 2015 المشكلات الاقتصادية والمالية ستكون أكثر صعوبة من العام 2014، بسبب تداعيات الازمة السورية على لبنان، واستمرار تراجع مختلف المؤشرات والنتائج الاقتصادية والاجتماعية، من تراجع الصادرات ونسب النمو الاقتصادي في لبنان، من سياحة وزراعة واستثمارات خارجية جديدة، ناهيك عن نمو البطالة وتراجع التقديمات والخدمات الاجتماعية، ومنافسة اليد العاملة اللبنانية، مضافا إلى تلك العوامل المسيطرة على المنطقة بشكل عام، واستمرار الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية، وضعف الاداء الحكومي والوزاري.
مع هذا الكم من الازمات في القطاعات الاقتصادية، تبرز القضايا المعيشية والاجتماعية، حيث لم يحقق العمال شيئا يخفف عنهم المعاناة المستمرة، بل زادت معاناتهم الاجتماعية والمعيشية، بدءا من المياومين، وقضية تثبيتهم، والاجور المتدنية والجامدة مع جمود لجنة المؤشر، وتقديمات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ومنافسة اليد العاملة الاجنبية والبطالة المتزايدة والمترافقة مع الصرف من الخدمة واخيرا قانون الايجارات الذي يهدد الاستقرار السكني.
هيئات المجتمع المدني قامت خلال العام 2014 بالعديد من التحركات من اجل قضايا مشتركة، لكنها كانت تصطدم بالطبقة السياسية المتحكمة بمفاصل البلد، كما كانت تواجه بالطائفية والمذهبية، لكن الحركة النقابية التي كانت تمثل (سابقا) شريحة كبيرة نوعا ما من الطبقة العاملة، حققت العديد من المطالب، لكن معظم العمال اليوم وفي كل القطاعات فقدوا ثقتهم بقيادة الحركة النقابية، بعدما باتت رهينة السياسيين، وباتت معها قضايا العمال ومطالبهم رهن مشيئة السلطويين.
خارج التنظيم النقابي
لا شك في ان هناك نقابات تضم اقل من عشرة في المئة من العمال، لكن هناك مجموعات عمالية كثيرة وباعداد كبيرة خارج التنظيم النقابي، ما يعزز الاعتقاد ان عزوف العمال عن التنظيم جعل هيئات نقابية عمالية تذهب بعيدا وتأخذ من منظمة العمل الدولية مظلة لها، بهدف انشاء حركة نقابية مستقلة. كما جعل مجموعات اخرى تستكين الى وضعها، والفئة الاخيرة تستنكف عن العمل من داخل الاتحاد العمالي.
ـ «الاتحاد العمالي العام» منقسم على نفسه، ولم يستطع انجاز الهيكلية النقابية، كنقطة قوة له، وما زال وزراء العمل، حتى اليوم يعملون على تراخيص لاتحادات جديدة على تخوم الاتحاد الذي يمارس مهماته بقوة الاستمرار، ولم يجر انتخابات هيئاته منذ اكثر من ثلاث سنوات بطريقة ديموقراطية، تمهيدا لادخال العنصر الشبابي الى صفوفه.
إضراب مياومي الكهرباء
في السياق ذاته، وبموازاة تحرك هيئة التنسيق النقابية التي اثبتت انها الهيئة النقابية الاكثر تمثيلا، حاول الاتحاد القبض على قضية العاملين المياومين، الذين باتوا يشكلون قوة ضغط على السلطة والاحزاب السياسية والطائفية، ففشل في تنفيذ الاضراب او الاعتصام، واستمر عمال الكهرباء المياومون بإضرابهم اربعة اشهر، وكما بدأ اعتصامهم بصفقة سياسية انتهى بالطريقة نفسها، ولم تعرف حقيقة اسباب انهاء الاضراب.
تغطية صحية غير شاملة
على طريقتها المعهودة تمارس قيادة الاتحاد العمالي في الضمان الاجتماعي، في ما خص التغطية الصحية للمضمون الذي يبلغ الـ 64 عاما، بدلا من ان تكون شاملة جميع اللبنانيين، علما بان من يتقاعدون لبلوغهم السن القانونية بالعشرات فقط. ثم من اين يدفع المتقاعد بدل الاشتراك من راتب التقاعد، في حين ان التغطية الصحية الشاملة مطروحة منذ كان الدكتور محمد خليفة وزير صحة وعمل على البطاقة الصحية لجميع اللبنانيين. هل هذا المشروع هدفه الهروب من «نظام التقاعد والحماية الاجتماعية»؟
تناغم مع أصحاب العمل
من جهة أخرى يتناغم المشروع مع رغبة اصحاب العمل، حيث اعتبر رئيس «اتحاد الغرف اللبنانية» محمد شقير أن «أهم إنجاز يمكن أن يحققه في الغرفة هو إقرار مشروع الضمان الصحي للمضمونين بعد سنّ التقاعد، أي بعد الـ 64 عاماً»، لافتاً إلى أن الغرفة أعدّت مشروعاً متكاملاً، «بناءً على دراسة اكتوارية تؤكد عدم الوقوع في عجز لمدة 50 سنة مقبلة على الأقل». وقال: «أرسلنا المشروع إلى رئيس الحكومة تمام سلام وإلى رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاطف مجدلاني، واليوم هناك شبه إجماع وتوافق من قبل الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي على هذا المشروع، ونأمل أن يُقرّ قريبا».
معاناة الضمان و«المضمون»
الضمان الاجتماعي:يعاني هذا المرفق ما يعانيه، وتنسحب المعاناة على المضمونين، بحيث تتكدس ملايين المعاملات من دون انجاز بسبب الشغور الوظيفي، وتخص العمال وذوي الدخل المحدود، علما بان قضية المياومين في الصندوق حلت مؤخرا، بسحر ساحر، بعد قيامهم بتحرك متواصل مطالبين بالتثبيت، فوافق مجلس ادارة الصندوق على توسيع ملاك الفئتين السادسة والسابعة، لاستيعاب الناجحين في مباراة مجلس الخدمة المدنية، والـ 120 مياوما تقريبا، في صفقة واحدة. كل ذلك يضاف الى الفضائح التي برزت خلال العام 2014 في الصندوق، في براءة الذمة، وفي تسجيل عمال وهميين في مؤسسات وهمية، وتمرير مشروع جديد لتقسيط ديون اصحاب العمل، كل ذلك يجري في ظل عشرة ممثلين للعمال في مجلس ادارة الصندوق.

ـ ألم يحن الوقت لاستبدال مجلس ادارة الصندوق الحالي للضمان بعدما مر على انتخابه أكثر من عشر سنوات، وجرى التمديد له من قبل أحد وزراء العمل من دون تحديد أي مهلة، وهو قرار لم يسبق ان شهدته أي ادارة لبنانية.
قانون الايجارات، الذي يمس الوضع الاجتماعي لحوالي 180 الف عائلة لبنانية ذات الاجور المتدنية، بفقدان مأواها، بمجرد اقرار القانون، لم يلق موقفا واضحا من الاتحاد العمالي العام، بل ما زال موقفه ملتبسا، لم يؤيد القانون ولم يرفضه.
لجنة المؤشر والأجور
لجنة المؤشر، عقدت ثلاثة اجتماعات من دون نتيجة، بعد توقيع اتفاق الاذعان الذي فرضته عام 2012، هيئات اصحاب العمل، برعاية رسمية، ووقع في القصر الجمهوري. وفي وقت تتضاءل قيمة الاجور الفعلية، بسبب الثمن الذي يدفعه المواطن لفاتورتي الكهرباء والماء، والفاتورة الصحية. انقضى العام الثالث لاقرار الاتفاق المذكور، وتدهورت القدرة الشرائية للمواطنين، وتسارعت ارتفاعات الاسعار، بحيث لم يعد يكفي الحد الادنى للاجور لتأمين لقمة العيش فقط، مع العلم بان تراجع اسعار المحروقات يجب ان ينعكس على بدل النقل واسعار المواد الاستهلاكية كالخبز مثلا..
الصرف من العمل
اما الصرف من العمل فهو نتيجة تداعيات الازمة السورية اقتصاديا واجتماعيا على الوضع في لبنان، خصوصا على العمال اللبنانيين الذين يواجهون صعوبة في ايجاد فرص العمل، نظرا لاستخدام بعض اصحاب العمل العمال السوريين وغيرهم، كونهم الاقل اجرا ولا يكلفون اشتراكات ضمان، وهذا ما يزيد منسوب البطالة الى اكثر من عشرة في المئة.
البطالة
أشارت «منظمة العمل الدولية» في تقرير لها تحت عنوان «اتجاهات العمل العالمية للعام 2014 « إلى تداعيات الاضطرابات الاجتماعية في المنطقة وخاصة في سوريا على النمو الاقتصادي في لبنان وأحوال سوق العمل اللبنانية ومعدل البطالة في البلاد.
واعتبر التقرير أن تدفق اللاجئين السوريين إلى لبنان قد يزيد حجم القوى العاملة وخصوصا تلك التي لا تتمتع بمهارات معينة بنسبة 30 في المئة إلى 50 في المئة، الأمر الذي يزيد حدة المنافسة عند الباحثين عن العمل اللبنانيين، مشددا على «أهمية تطبيق سياسات تتعلق بتنشيط سوق العمل اللبنانية بهدف تعزيز الإنتاجية وخلق فرص عمل جديدة». إلى ذلك، يقول المكتب التنفيذي للاتحاد العمالي العام، إن معدّلات البطالة في لبنان ارتفعت الى ما يزيد على 20 في المئة وصولاً الى 37 في المئة في صفوف الشباب ومتخرجي الجامعات والمعاهد».
كل الطروحات الجارية حول القضايا الاقتصادية، والمطالب الاجتماعية ستبقى ملوثة بتهمة التحرك السياسي أو التحريك لمصالح أطراف سياسية، فبدلا من أن تستخدم النقابات العمالية القوى السياسية لتحقيق مطالبها، بات العكس صحيحاً، حيث تستخدم النقابات حتى في بعض المهن الحرة، لتحقيق مكاسب لمرجعياتها السياسية والطائفية على حساب حقوق العمال ومكاسبهم.
غصن: سنة نضالية
النقابيون الذين ينتمون الى اتجاهات مختلفة، يثبتون في آرائهم ما ورد اعلاه، منهم من اعتبر العام 2014 سنة نضالية، يرى اخرون ان الحركة النقابية ـ وتحديدا «الاتحاد العمالي العام» ـ مقصرة، فيما آخرون يرون ان طريق النضال طويل وما تحقق جزء من المطالب.
يصف رئيس «الاتحاد العمالي العام» غسان غصن سنة 2014 بالنضالية بامتياز، باعتبار ان موضوع التغطية الصحية للمضمونين الذين يبلغون السن القانون، هو انجاز مهم يطغى على غيره من الانجازات، ويفترض ان يقر في اول جلسة تشريعية لمجلس النواب، بعدما درسته ووافقت عليه لجنة الصحة النيابية، واللجان المشتركة، ولم يعترض عليه اصحاب العمل كمطلب عمالي مزمن، وكان نتيجة توافق بين الطرفين ومن كل الكتل النيابية.
وردا على سؤال عن علاقة المشروع بالتقاعد والحماية الاجتماعية، اعتبر غصن ان «هذا المشروع هو الجزء الاول المهم من «نظام التقاعد والحماية الاجتماعية»، ويبقى الجزء الثاني منه، وهو المعاش التقاعدي، فإذا ضغطنا نؤمن المعاش التقاعدي. واعتقد عندها يستكمل البرنامج الذي يجري الجدال حوله من القرن الماضي بين اصحاب العمل والعمال».
فقيه: اجتماع تاريخي
لكن نائب رئيس «الاتحاد العمالي العام» حسن فقيه، ليس لديه النظرة ذاتها عند غصن، فقد كان يفضل «عقد اجتماع تاريخي للاتحاد، لبحث نقطة مهمة وهي انعكاس التراجع في اسعار النفط على رغيف الخبز». لكنه يشير الى تقصير الحركة النقابية في تلمس الامور، مبديا اعتقاده أن يكون الوضع افضل، او تنظيم ورشة عمل اول العام المقبل، للبحث في هموم العمال وايجاد المخارج التي تخفف معاناتهم».
ويرى فقيه ضرورة العمل على تنفيذ الاتفاق المبرم حول آخر تصحيح للاجور، ويشير الى التجاذب بين اصحاب العمل والاتحاد حول تنفيذ الاتفاق، لكنه يوضح انه «بعد توقيع الاتفاق ادار اصحاب العمل ظهورهم، قبل ان يجف حبره، والحكومة تنصلت منه في اقرب فرصة». ويدعو الى «القيام بواجبنا تجاه القاعدة التي انتخبتنا، وان نكون الحركة الامينة على مصالح العمال».
خوري: حالة اقتصادية ضاغطة
اما رئيس «نقابة موظفي المصارف في لبنان» اسد خوري، فيرى ان الحالة الاقتصادية الضاغطة تفرض على الحركة النقابية معايير الى حد ما، تؤخر التحركات المطلبية، لكن هذا لا يعني الاستسلام للواقع. اذا اخذنا بعين الاعتبار الوضع الاقتصادي، فنأخذ بالاعتبار الوضع الاجتماعي المأزوم. لا نستطيع ان نتركه متأزما، لذلك نحن مضطرون في السنة المقبلة الى تصحيح الاعوجاج على المستوى الاجتماعي، وعلى الاقتصاديين تصحيح وضعهم».
واشار خوري الى عدد من الانجازات في مقدمها نظام الاستشفاء، عبر صندوق التعاضد، وقد شارك فيه 14 مصرفا، وهنلك ثلاثة على اهبة الدخول فيه، ويبقى 8 مصارف قدمت هذا الحق للموظفين عبر شركات تأمين خاصة، فيما 21 مصرفا لم تحرك ساكنا، ولن نترك الامور كما هي ، سنعمل ما هو متوجب علينا، من اجل ان تتقيد بعقد العمل الجماعي، لا نرضى لتوقيعنا وتوقيع جمعية المصارف ان يمسح به، وهو مثال لصدقية المؤسسات المصرفية».

السابق
طقس نهاية الاسبوع: ثلوج على 1500 متر
التالي
كنعان : لقاء عون وجعجع ليس بعيدا