وليم نصار … معزوفة الموت

وليم نصار
رحل ابن فلسطين والحزب الشيوعي اللبناني. رحل فنان جمول وليم نصار. أخذه الموت باكراً، تاركاً لنا مقالاته وموسيقاه. رفيقي وليم برحيلك ابكيت قلوبنا، فلسطين لا تزال محتلة ولا تزال احياء القدس في إنتظارك.

ذلك البيت الصغير في طريق الجديدة كان يجمعني ووليم نصار مع رفاقنا في الجبهة الشعبية. كنا نجدل من خيوط الشمس حبل الامل الذي سيقودنا الى جنوب الجنوب. كنا نغمض العيون ونحلم بشوارع القدس العتيقة. نتجول في شوارعها بحرية رغم أنف الاحتلال الذي استطاع إقتحام كل شيء الا الحلم. بقي عصي عليه وعاشت فلسطين بأحلامنا حرة، وسعينا لعبور الاسلاك والطيران في فضائها بأجنحتنا التي صنعناها من الأمل. هي واحدة من اثنين اما النصر واما الشهادة على ترابها لنمهد لرفاقنا طريق النصر. كان العطر الأجمل رائحة ليمونها وزيتونها.
كتب وليم نصار على صفحته بالحوار المتمدن تحت عنوان بحبكم ما هو أشبه بالوصية.
“مرت الذكرى التسعون للحزب الشيوعي اللبناني ولم أشارك بها بسبب المرض، تذكرت الذكرى الستون. كنت مراهقا وفي أول مشواري الموسيقي. لم أستطع المشاركة بسبب إصابة برصاصة في الصدر، تبعد عن القلب مليمترات قليلة. لا تزال الرصاصة في جسدي، وترن في كل مطارات العالم وتسبب لي المشاكل مع أجهزة الأمن.
مرت الذكرى التسعون وأنا على فراش المرض للمرة الثالثة خلال عشر سنوات ومن نفس المرض، اللوكيميا. لكني هذا العام لم ألق كلمة باسم الحزب في مهرجان، ولم أكتب مقالة. ونسيت حتى كلمات أغنية على طريق عيتات. إلى الرفاق الذين غادرونا وإلى الرفاق القدامى، والرفاق الجدد، والرفاق الغاضبين سأكتب وأقول: ولدنا في حزب كان يعد الأرض بالتبغ والقمح والناس الطيبين، ولم يزل رغم كثرة الغيم والاوحال. ولدنا في حزب علمنا كيف نصنع من رماد القلب أجنحة. ألم يحن الوقت كي نعود وندفيء بعضنا باللهاث كما كنا نفعل بعد كل عملية لحبيبتنا جمول؟ الكل استراح. أحزاب طائفية وأحزاب علمانية حتى خالق البرايا استراح، وحدهم أصدقاءنا الذين رحلوا لم يستريحوا ولم يخرجوا من العتمات. أولئك الذين ضغطوا اليد على الزناد وخبؤوا في القلب ياسمين الوطن”.
هو الوطن الذي قال فيه غسان كنفاني في روايته عائد الى حيفا “أتعرفين ما الوطن يا صفيه؟ الوطن هو ان لا يحدث ذلك كله” عزيزي غسان بما انه حدث ما لم يجب ان يحدث حملتَ وحملنا هم ذاك الوطن الذي هو النسمة التي تؤنس الروح.
وأعلنا انتمائنا الروحي و الجسدي لعمق جذوره. كما تعلم يا غسان وكا علمتنا فالذي يحب ارضه و بلده يعمل كل شيء لبقائها وعدم العبث بها لانها مكاننا ( فيها نحيا ونموت ) فاذا ضاع الوطن ماتت الروح و ذل الجسد
الوطن هو تلك الام الحبيبه، هو ذلك الماء الصافي الذي يروينا، وهو ذلك الهواء النقي الذي يريحنا، هو كالروح في الجسد.
الوطن هو الروح. الوطن هو هويتي مكان انتسابي وانتمائي. افرح لفرح شعبه واحزن لحزنه. ابكي لبكاء شعبه واضحك عندما يضحك كانت وتبقى وصية كل المناضلين الوحدة والأرض.
يئس الاطباء واعلنوا عجزهم. يئس القلب من المقاومة وخان. استراح الموسيقي المقاتل الذي لايرتاح . لم يكن المريض غافلا عن خطورة حالته. عبثا حاول أن يعاند. أن يقنع الموت بمنحه بعض الوقت. حسرة المناضل أن يلدغه القدر في اوج معركته، خيبة الملاكم أن يتنكر له النبض قبل استكمال تسديد الضربات، ابكيك رفيقي. جاء الموت باكراً. خطفه في الاربعين. ظلم القدر من افنى ايامه في مطاردة الظلم الذي لحق بشعبه. لم يكن يخشى الموت. كان يعرف أن جائزة من يسلك ذاك الطريق الزنزانة أو القبر، لكنه كان يحلم بإرجاء الرقاد المديد. التوقيت غير مناسب فعلا، لا يزال الاطفال يولدون في المخيمات ويسمون لاجئين، لاتزال تلك البلاد أسيرة، ولا يزال المحتل يستكمل جراحاته لتغيير ملامحها وتزوير وثائق تاريخها ومستقبلها. سوريا التي أحببتها أسيرة القتل والقمع والإرهاب، جلادها يفطر وينام على آهات وأنين شعبه، يقتل ويقتل ويقتل بلذة ودون توقف. وليم رفيقي سلم على الكبار جورج حاوي، جورج حبش، وديع حداد، غسان كنفاني، ابو عمار، ابو جهاد، اعزف موسيقاك لمهدي عامل، وحسين مروه، وخليل نعوس، وسهيل طويله. اغمر رفاقنا في جمول واخبرهم ان قضيتهم قد سلبها من كان يطاردهم ويقتلهم ويحاول منع وصولهم للاحتلال. وليم نصار وداعاً.

السابق
ما سر سائق الدبابة الذي يظهر خلال زيارات الأسد؟
التالي
لقاءات عون- جعجع: هل بات تنفيس الاحتقان اولوية؟