لا ثروة حرجية جنوبا إلا في الملكيات الخاصة

أكثر ما يتهدد الثروة الحرجية الصنوبرية وأشجار البطم والملول والبلوط النادرة في مناطق العيشية والمحمودية والوازعية والريحان وسجد وعرمتى في جبل الريحان عند الجزء الجنوبي لقضاء جزين، في بداية موسمي الربيع والصيف من كل عام، هو تحولها رغماً عن إرادة أصحابها إلى متنزهات طبيعية مفتوحة يقصدها المواطنون من كافة المناطق. هؤلاء بحاجة للثقافة البيئية السليمة والإرشادات المطلوبة في كيفية الحفاظ على هذه الثروة، بعدما تحولت واحاتها المنتشرة في طولها وعرضها إلى مكبات للأوساخ والنفايات وفضلات الأطعمة والمعلبات والزجاجات الفارغة التي يخلفها المتنزهون وراءهم بشكل متعمد، فضلاً عن إشعال النيران تحتها، الأمـر الذي قـــد يؤدي إلى احتراقها ويباسها وتشويه صورتها وجمال طبيعـــتها. بالإضافة إلى المرامل التي تنهش التلال والأودية التي تعيش فيها من دون رادع أو ضمير، غداة تحريرها من الاحتلال الإسرائيلي عام 2000. بالإضافة إلى قطعان الماعز والأغنام والماشية التي تسرح وتمرح بين جنباتها، وتقضي على الأخضر واليابس منها دون حسيب أو رقيب.

يضفي وجود هذه الواحات في المناطق المذكورة سحراً وجمالاً قل نظيرهما في الجنوب، بحسب ابن بلدة العيشية الفنان منير كسرواني، لافتاً إلى نجاتها من المجزرة البيئية الخطـيرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الثـروة الحـرجية من أشجار الملول والسنديان والصنوبر النادرة، التي كانت تغطي مساحات واسعة منها أثناء احتلالها لهذه المناطق، ضمن ما كان يسمى بالشريط الحدودي المحتل، قبل اندحارها عنه في العام 2000، وقد تمثلت المجزرة بقطع وإحراق واحتطاب ما نسبته حوالى تسعين في المئة من الأشجار واستعمالها فحماً وحطباً من دون شفقة أو رحمة.

استباحة المشاعات

ويشير كسرواني إلى مساهمة الملكيات الخاصة والفردية للأحراج في الحفاظ على ما تبقى من الغابات الصنوبرية، على عكس غابات الملول والسنديان الأميرية التي استبيحت، لكون معظمها يقع ضمن مشاعات الدولة والبلديات.
وفي ظل الكارثة البيئية الجديدة التي تتهدد الواحات المذكورة وعجز أصحابها عن حمايتها من عبث العابثين، يطالب المواطن فرحات نصر المسؤولين في الدولة والحكومة ووزارات البيئة والسياحة وبلدية العيشية، بضرورة توفير الحماية اللازمة للأحراج، والحفاظ على نظافتها وسلامة بيئتها، من خلال العمل على تسييجها وصيانتها وتحويلها إلى محميات طبيعية مقفلة، وتشديد المراقبة على زائريها، بالإضافة إلى معاقبة المخلين بقواعد نظافتها، واتخاذ الاجراءات الرادعة بحقهم باعتبارها متنفساً مجانياً للجميع.

البلدية وامكاناتها

غابات الصنوبر الواقعة في نطاق البلدة العقاري ليست مشاعاً للبلدية، بل هي ملك خاص للأهالي، كما يؤكد رئيس بلدية العيشية سعد حنينة، لافتاً إلى أن البلدية تحاول ضمن إمكانياتها المتواضعة مساعدتهم في الحفاظ على هذه الغابات من خلال رشها بالمبيدات الحشرية والزراعية اللازمة، والعمل على تشحيلها وتشذيبها من الأغصان اليابسة، لإفساح المجال لدخول أشعة الشمس إليها، فضلاً عن تنظيفها من الأوساخ والنفايات التي يتركها الزائرون خلفهم أثناء زيارتهم للأحراج، وإعطاء أصحابها الإرشادات الزراعية اللازمة، كما تعطى الإرشادات للزائرين والمتنزهين الذين يقصدونها، بضرورة الحفاظ على نظافتها، ووضع نفاياتهم وأوساخهم في مستوعباتٍ قدمتها البلدية، وعدم إشعال النيران تحتها تلافياً لإحراقها وتزويدها باللافتات التي تحذر المواطنين من خطورة القيام بمثل هذه الأعمال والتصرفات التي تنعكس سلباً على البيئة والطبيعة الجميلة التي تشكلها الأحراج المذكورة.
وأشار حنينة إلى تقديـم الاتـحاد الأوروبي في وقتٍ سابق هبـة مالية للـبلدية، وهي بدورها قدمتها لمؤسسة تعنى بمكافـحة حـرائق الغابـات في لبنان، حيث قامت الأخـيرة بتجهـيز مركز الدفـاع المدني في العيشية ببعض المعدات والتجهيزات التي تستعمل في مكافحة الحرائق، مطالباً وزارة الزراعة بمساعدة البلدية والأهالي على تسييـج هذه الأحراج بالأسلاك الشائكة، كذلك المساعدة على شق الطرق اللازمة للسيارات والمشاة بـــداخلها، لتسـهيل مكافحة الحرائق التي قد تطالها، وتمكين سيارات الدفاع المدني من الوصول إليها بسهولة.

تحفظات وشكوك

يتحفظ العديد من الخبراء البيئيين على شق الطرقات داخل الاحراج. فهي من ناحية يمكن ان تدمرها عبر طرق الشق وتدفق الردميات التي تخرب عادة الاحراج… ومن ناحية اخرى، تساهم في إدخال المزيد من العابثين الى هذه الاحراج من صيادين ومتنزهين غير مسؤولين… ومن المفضل بدلا من ذلك، تشحيل هذه الاحراج ورعايتها ومراقبتها من الاعتداءات (على أنواعها) والنيران.
الا ان السؤال المخجل الذي بقي من دون جواب: لماذا ينجح «الخاص» ويفشل «العام» في لبنان؟ ولماذا لا يقدر اللبنانيون ما هو عام، مع العلم انه يشكل رأس مال وطنيا ضروريا لا يمكن الاستغناء عنه، كونه يساهم في الحفاظ على مقومات الحياة وشروط العيش؟

السابق
ماذا وراء القتيل الأول للحزب في العراق؟
التالي
«داعش» تدعي تحريف القرآن وستعيد كتابته