من عام إلى عام.. كبوة لبنانية ونكبة سورية

في الداخل، وفيما الاحتكام إلى صندوق الاقتراع من تأجيل إلى تأجيل، ينقضي عام برئيس دولة من دون حكومة، فيليه عام بحكومة من دون رئيس دولة، ويصير وجيهاً السؤال عن المعادلة التي سيطالعنا بها العام الجديد.

وهل من معادلة بمقدورها الافلات من دوّامة تعطيل في مؤسسة يقابله تيسير عمل أخرى، أو حتى الحفاظ على واجهة مؤسسة أخرى ليس أكثر؟ هل من معادلة بمقدورها الافلات من إيقاع التشديد على ملف بنسيان آخر، فيكون الالتزام بحزام السيارة، إلى أن يُمنع التدخين، ثم يُنتسى هذا وذاك عند التحرّي عن الدواء، ثم يُنتسى هذا بدوره عند التحرّي عن صحّة الغذاء، وهكذا؟

وبين الداخل والإقليم، حدود مخلّعة أمنياً، بالذهاب وبالإياب، وسلسلة جبال لبنان الشرقية التي يتقاسمها البلدان، سوريا ولبنان، عادت فوحّدتها المواجهة العسكرية، التي كنست «الحدود القطرية» على طريقتها، وفرضت تحدياً جدّياً على الوطن اللبناني كلّه، بملف المخطوفين العسكريين، فهل لنا ما نقدّمه مع إطلالة عام جديد على هذا الصعيد، غير المكابرة والمزايدة والتسويف؟

وبين الداخل والاقليم، نكبة الشعب السوري، بعد استفحال أبعاد التوازن الكارثيّ بين نظام فئوي دمويّ عجز عن قمع انتفاضة شعبية هادرة ضدّه، وبين ثورة عجزت عن إسقاط النظام، ولم تفلح في تطوير نفسها كحركة تحرّر وطنيّ للشعب السوري، ما يتقاطع، بشكل أساسي، بجملة أوهام إيديولوجية، منها ما كان ينظر إلى التغيير في البلدان العربية من منظار «الثورات المخملية» في شرق أوروبا، ومنها ما كان يكابر على التعددية الاثنية والمذهبية للمجتمع السوريّ، سواء من موقع إبدال أحاديّة بأخرى، أو التستّر بالشعارات الاندماجية لعدم مصادقة الوقائع على ما هي عليه.

هذه الكارثة السورية، فرضت على الملايين التشرّد والنزوح، إما داخل سوريا، أو في جوارها، أو في أصقاع المعمورة كافة. ثمّة بالتأكيد التحدّي الانساني والتحدّي الاقتصادي الاجتماعي، بإزاء هذه الكارثة، ولا سيما بالنسبة إلى بلد مثل لبنان. لكنّ ثمة نوعاً آخر من التحدّيات، وهو الأهم.

فمن بين شعوب البلاد الشامية، نحن أمام شعبين مجاورين للبنان، تعرّض الحضر فيهما، لا سيما أبناء القرى، لكنبتين ترحيليتين، واحدة على يد الكيان الاستيطاني الاسرائيلي، والثانية بفعل تحول النظام السوري الى نظام احتضار دموي مزمن، وأزمة الثورة السورية، من جملة أزمات ثورات الربيع العربي، أزمات متفرّعة من معضلة أساسية: وهي أنّه لا ثورة بالمعنى التاريخي للكلمة بلا حركة ثوريّة بالمعنى السياسي والاجتماعي للكلمة. وطبعاً، كان حلم إعادة تأسيس لبنان ما بعد الوصاية السورية قد قاسى مبكراً، حصّته من هذه المعضلة، ولو بالنسبة المخففة، قياساً إلى الكوارث المحيطة بنا.

نسينا الكلام عن «داعش والنصرة». لا بأس. أقلّه «نسيانهما»، عشية رأس السنة!

http://www.almustaqbal.com/v4/Article.aspx?Type=NP&ArticleID=644647

السابق
تكريم محمد علي شمس الدين في مهرجان الشعر بالشارقة
التالي
الدفاع المدني: حريق في وحدة سكنية في الشويفات