إيران تحاول قبض ثمن انتخاب رئيس نفوذاً لها في المنطقة وتساهُلاً في النووي

ماذا يمكن أن يسفر عن الحوار الثنائي بين “تيار المستقبل” و”حزب الله” الذي بدأ، والحوار الثنائي الآخر الذي لم يبدأ بعد بين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع، وتكون نتائجه مشجعة لاجراء حوار واسع يبت ما صار الاتفاق عليه؟

ثمّة من يقول إن الحوار ينجح في الحدّ من التوترات والتشنجات السياسية والمذهبية ووقف الحملات الاعلامية المتبادلة والخطب والتصريحات المتشددة تنظيماً للخلاف لأن الجميع يحرصون على استمرار الاستقرار والأمن في البلاد كونهما من الأولويات ولا خلاف على ذلك، لكنه قد لا ينجح في المدى المنظور في الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية، وهو المهم، لأن من دونه قد لا يظلّ الاستقرار صامداً في البلاد وحوله نار مشتعلة. والتوصل الى هذا الاتفاق يحتاج الى توافق على خط سياسي واحد وهذا لم يتحقق لأن المعركة لا تزال دائرة في المنطقة بين محورين: المحور الايراني ومن معه عربياً ودولياً، والمحور السعودي ومن معه عربياً ودولياً، ولا بد من انتظار نتائج الصراع بين هذين المحورين لمعرفة أي رئيس يكون للبنان. فاذا كان نواب قوى 8 آذار يرفضون انتخاب أي مرشح للرئاسة من قوى 14 آذار، ونواب قوى 14 آذار يرفضون انتخاب أي مرشح للرئاسة من قوى 8 آذار، فلأن الخلاف ليس على الاشخاص إنما على الخط السياسي لكل من القوتين، وهذا ما يطرح البحث عن مرشح مستقل يصير اتفاق عليه ويكون خارج الاصطفاف الحاد بين 8 و14 آذار. ولا يزال البحث جارياً عن هذا المرشح الذي يرى فيه التكتلان الكبيران انه مستقل فعلاً وليس منحازاً الى هذا الخط ولا الى ذاك. وهنا تبدو الصعوبة في ايجاد هذا المرشح إلا اذا التقت على تأييده القوتان الاقليميتان: ايران والسعودية.
لذلك فان نتائج الحوار، سواء ظل ضيقاً أو توسع، قد لا تسفر عن اتفاق على مرشح للرئاسة يكون مقبولاً من قوى الداخل ما لم يكن مقبولاً من قوى الخارج أيضاً. ولكي يتحقق ذلك ينبغي ان يصير اتفاق على ابقاء لبنان خارج صراعات المحاور ليسهل الاتفاق على مرشح مستقل وتوافقي، وهذه الصفة لا تنطبق على أحد اذا كان مطلوباً من لبنان ان يكون مع هذا المحور أو ذاك ويجعل الانتخاب انتخاباً لأحد هذين المحورين كي يكون له رئيس.
فالمهم إذاً ان يتوصل المتحاورون الى اتفاق على أي لبنان يريدون كي يسهل الاتفاق على رئيس لهذا اللبنان. فاذا أصر “حزب الله” على أن يكون لبنان مع المحور الايراني ويكون رئيس الجمهورية مع هذا المحور، فلن يكون اتفاق على انتخاب رئيس إلا إذا وافقت ايران على أن يبقى لبنان خارج صراعات المحاور، أي أن يكون مع “اعلان بعبدا” الذي وافق عليه “حزب الله” ثم تنكّر له بأمر إيراني ليكون للحزب دور في الحرب السورية دعماً لنظام الأسد. وما أكد دور الحزب هذا قول رئيس مجلس الشورى الايراني علي لاريجاني عند زيارته لبنان “إن الحزب تيار فاعل في الشرق الأوسط أكثر من بعض الدول”، ما استوجب رداً من “تيار المستقبل” معتبراً ذلك تقديماً لدولة “حزب الله” على الدولة اللبنانية وكأن ايران ترى أن دور الحزب لم ينته بعد.
لقد أعلنت دول شقيقة وصديقة موقفاً مؤيداً لـ”اعلان بعبدا”، ولا سيما أميركا وروسيا، فهل ينعكس ذلك على موقف ايران من هذا الاعلان وإذذاك يسهل انتخاب رئيس للجمهورية سواء أكان من 8 أم 14 آذار أم كان من خارجهما لأنه يكون رئيس لبنان المحيِّد نفسه عن أزمات دول المنطقة وصراعات المحاور فيها، وهو ما أراد الرئيس السابق ميشال سليمان تحقيقه من خلال “اعلان بعبدا”، معتبراً إياه لا يقل أهمية عن استقلال لبنان لأن لا استقرار سياسياً وأمنياً واقتصادياً من دون تطبيقه، وهو مستمر في العمل من أجل ذلك.
والسؤال المطروح هو: هل تريد إيران كما تريد دول أخرى شقيقة وصديقة أن يكون لبنان خارج صراعات المحاور الاقليمية والدولية فيسهل عندئذ انتخاب رئيس بهذه المواصفات، أم أن الوقت لم يحنّ بعد لتأييد “اعلان بعبدا” لأنها ما زالت في معركة صراع ديبلوماسي وعسكري على النفوذ في المنطقة لم ينته بعد ولـ”حزب الله” دور فيه؟ وما دامت إيران في هذا الوضع، فانه يبقى من الصعب التوصل الى انتخاب رئيس للجمهورية وتكتفي ايران بالقول تهرباً “أن انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية مسألة داخلية للبنان”، و”حزب الله” يقول إن من يريد الاتفاق على انتخاب رئيس فليذهب الى الرابية، والرابية لا مرشح عندها سوى عون وحتى قيام الساعة”.
ولا يختلف الموقف من قانون جديد للانتخابات عن الموقف من رئاسة الجمهورية لأن شكل هذا القانون سوف يأتي بأكثرية نيابية تؤيد هذا المحور أو ذاك، وكل ما تفعله إيران الآن هو تشجيع الحوار بين الأقطاب اللبنانيين، ليس للاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية ولا حتى للاتفاق على قانون الانتخاب، إنما للاتفاق على تنظيم خلافاتهم ليبقى لبنان مستقراً الى حين ينتهي الصراع في المنطقة ويعرف الخيط الأبيض من الخيط الأسود بعد تحقيق تقارب سعودي – إيراني ينتج رئيساً للبنان كما أنتج حكومة الرئيس تمام سلام التي من أهم انجازاتها أن تبقى حيّة…

السابق
الشرق الأوسط: لبنان: حلحلة سياسية تمهد لإصدار تشريعات لاستخراج النفط
التالي
الإسلاميون في مواجهة المأزق: هل ينقذهم الحوار؟