الإسلاميون في مواجهة المأزق: هل ينقذهم الحوار؟

قاسم قصير

تواجه القوى والحركات الاسلامية في لبنان، كما معظم الاسلاميين في دول المنطقة، مأزقا فكريا وسياسيا كبيرا في ظل فشل قوى الاسلام السياسي في تقديم النموذج الناجح على صعيد الحكم والادارة والمجتمع، مع استثناء تجربة المقاومة في لبنان وفلسطين وتجربة تونس لوضعيتها الخاصة وتجربة ايران لخصوصيتها المجتمعية والمذهبية.
ومع انقضاء العام 2014 وبعد مرور اربع سنوات على انطلاقة الثورات الشعبية العربية، لم يقدم الاسلاميون العرب النموذج المطلوب في الحكم وفي الادارة السياسية والمجتمعية، بل تقدمت قوى التطرف والتشدد، «داعش» و»جبهة النصرة» و»طالبان» و»بوكو حرام»، الى واجهة الاحداث، في حين تراجعت قوى الاخوان المسلمين والتيارات السلفية المعتدلة والقوى الحليفة لإيران و»حزب الله» و»حزب الدعوة الاسلامية» الى الخلف، ولم تنجح المؤسسات الدينية الرسمية، رغم كل المؤتمرات التي عقدتها، في مواجهة العنف الذي يزداد انتشارا في العديد من الدول العربية والاسلامية، واخر مشاهده ما جرى في مدرسة بيشاور في باكستان.
وقد دفعت هذه الانتكاسات، للقوى والحركات والتيارات الاسلامية في لبنان والمنطقة، للبحث عن حلول من خارج الساحة الاسلامية فتوجهت للحوار والتحالف مع قوى واحزاب سياسية من خارج الدائرة الاسلامية.
ففي لبنان، بدأت «الجماعة الاسلامية» عقد سلسلة لقاءات حوارية مع قوى واحزاب كانت على خلاف تاريخي معها، «الحزب الشيوعي اللبناني» و»القوات اللبنانية» و»حزب الكتائب»، كما انها مصرة على استمرار التحالف النقابي والسياسي مع «تيار المستقبل» وقوى «14 آذار» رغم وجود تباينات عديدة في التعاطي مع الاوضاع الاسلامية في المنطقة، ولاسيما ما يجري في مصر ورعاية السعودية والامارات والاردن (وهي دول داعمة لتيار المستقبل) الحملة ضد «الاخوان المسلمين» وقوى المقاومة.
واما على صعيد «حزب الله» فهو يعتبر ان الحوار مع «تيار المستقبل» و»حزب الكتائب» اجدى وافضل من الحوار مع القوى والحركات الاسلامية الاخرى، ان بسبب الخلاف حول الازمة السورية او لان هذه الحركات لم تعد قادرة على تقديم نموذج سياسي يؤمن الثقة والاطمئنان، ونظرا لعدم استعداد بقية القوى الاسلامية للذهاب نحو حوار سياسي علني والاكتفاء باللقاءات بعيدا عن الاضواء خوفا من ردود فعل القواعد الشعبية.
وتواجه التيارات السلفية في لبنان والمنطقة ازمات متعددة بسبب التباينات في ما بينها وعدم توحدها على رؤية سياسية وفكرية مشتركة، ولأن الاتجاهات التكفيرية والجهادية في هذه التيارات اصبحت هي الاقوى على الارض. كما ان «انتهازية» بعض التيارات السلفية في بعض الدول العربية، كما حصل في مصر، اضعف الثقة بينها وبين القوى والحركات الاسلامية الاخرى، وخصوصا «الاخوان المسلمين».
واما القوى والتيارات المتحالفة مع إيران، او الهيئات التي تشرف عليها ايران وتنشط في مجال التقريب والوحدة، فهي تعاني من عدم القدرة على التواصل مع شخصيات وقوى فاعلة في الساحة الاسلامية، كما ان الازمات التي تجري في سوريا والعراق واليمن لم تساعد هذه القوى على تحويل افكارها وطروحاتها الى خطط عملية، مما جعلها تدور في حلقات مغلقة وغير فاعلة.
وتعاني معظم الاتحادات العلمائية الاسلامية، سواء المدعومة من قطر او ايران او تركيا او «الاخوان المسلمين» او السعودية…، من ضعف تأثيرها الشعبي واقتصار جهدها على عقد المؤتمرات والندوات، اضافة لاستمرار الخلافات في ما بينها، مما يجعلها غير فاعلة وغير قادرة على وقف موجة العنف والتطرف.
وفي الاطار الفكري والنظري فان القوى والحركات الاسلامية، سواء في لبنان او المنطقة، تواجه اليوم تحديات واسئلة عديدة حول اسباب فشل المشروع الاسلامي ومدى صحة الشعارات والافكار والطروحات التي قدّمت خلال الخمسين سنة الماضية واهمها: ان الاسلام هو الحل، وان الدولة الاسلامية ستقدم الحلول لازمات المنطقة، وان العودة للدين والايمان ستعالج المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والتنموية والاخلاقية… في حين ان معظم التجارب الاسلامية لم تقدم الاجوبة الصحيحة بل قدّم بعضها اسوأ النماذج في الحكم والادارة.
وقد ادت هذه الاجواء النقدية للتجارب الاسلامية وفشل ما سمي بـ «حركات الاسلام السياسي» الى عقد العديد من الندوات والمؤتمرات واللقاءات العلنية والمغلقة لمناقشة هذه التجارب، وبدأ بعض الاسلاميين يعودون لطرح فكرة فصل الدين عن الدولة وتبني الدولة المدنية او العلمانية المؤمنة، لكن حتى الآن لم تتبلور رؤى وافكار جديدة يمكن القول انها تحمل خطابا اسلاميا جديدا ونقديا للتجارب الماضية.
كل ذلك يضع امام القوى والحركات الاسلامية في لبنان والمنطقة مهمة اعادة النظر في كل التجارب التي قدّموها، وفي تعزيز الحوار في ما بينهم بموازاة الحوار مع الآخرين، وإلا فإن الايام المقبلة ستحمل المزيد من الخسارات والفشل لهذه القوى في لبنان والمنطقة.

السابق
إيران تحاول قبض ثمن انتخاب رئيس نفوذاً لها في المنطقة وتساهُلاً في النووي
التالي
النقابات في أميركا.. بين التأييد والاتهامات