علي الأمين الذي تجرأ على الأرستقراطية الدينية

علي الأمين
لقد ضرب علي الامين حدود هذه الأرستقراطية، و ليس له أمامهم بعد الآن إلا أن يشتد ويمسك نفسه على الحق ويظهر للعامة ما أراد أن يقول بالحق، يوقفهم عند حدود الحق فلا يتعدونه.

أذكر هنا ما روي عن سيرة الخليفة عمر بن الخطاب حول رعايته لأهل حي من العرب كان يعرفهم حق المعرفة ويعرف مكامن القوة لديهم، كما مكامن الضعف، فقد نشأ بن الخطاب في كنف قريش العربية والتي كانت قوتها بنظره تأتي من مكانها حول البيت، حيث كانت تستأثر بمناسك الحج، تقيمها للعرب وتتسلط عليهم بها وتتحكم عليهم فيها وترى في ذلك إمتياز لها لا يشاركها فيه غيرها من الناس.

كانت تتزعم أرستقراطية لا لتفوقها في الحرب ولا في السلاح بل لإستئثارها بأمر الدين وإمتيازها وتفوقها على الكل زادت بمهنيتها بذكاء أبنائها ودهائهم ونفاذ بصيرتهم وهمتهم، ذلك أنها كانت الصلة بين الشرق البعيد والشرق القريب وقد أفادت من ذلك كثيراً ومن التجربة مع الفرق المختلفة عنها الأخرى فكانت ماهرة وماكرة وطمعها إلى غير حد، فساسهم الخليفة عمر سياسة عنيفة نظراً لعلمه بدخائل نفوسهم.

ما أشبه هذه القصة بقصة علي محمد حسن الامين من حيث المضمون طبعاً. ذلك ان إبن البيت القريب من البيت وصاحب النسب والدهاء والفقه والعلم والمعرفة له تأثيره. فهو صاحب طمع لا حد له كما يرونه، وصاحب صبر على المكر لا طاقة لأحد على تحمله، يسخر من العقاب حتى يذلـله.

يزيد نظراً في تواضع الناس وتقبّلهم للمفروض عليهم ممن استباح بعضهم أشياء كثيرة في سبيل المنفعة، ويدرك أن سعة الحيلة التي اتّصف بها هؤلاء ما كانت إلا ليظهروا بهتاناً أنهم أمينين على الموروث وعلى التقليد، فعلهم وسيلة لا غاية ومن عرف عنهم ذلك ما خدعوه حتى وإن أقبلوا على الدين وأذعنوا لسلطانه

لم يلن ولن يلين ولم يرفق ولن يخل بينهم وبين طمعهم الشديد وهمهم البعيد ونظرتهم الفوقية الإزدرائية لغيرهم من الناس. هو العارف بدواخل نفوسهم وبعدهم وحرصهم على الاستمساك بما بلغوا والوصول إلى ما لم يبلغوا حتى لو خاضوا المغامرات وشوهوا السيرة الشريفة المستقاة من التاريخ المقاوم.

على هؤلاء، كما قال الكثيرون قبل علي الامين وسيقال بعده، أن يعوا إن ما أحل لهم حينها كان بسبب، وهذا السبب لم يعد موجودا والأرستقراطية السياسية الممنوحة لهم زالت ومن ألبسهم الحرير حينها وأحله لهم لم يحلله البتة لبنيه او لاحد أتباعه من بعده.

لقد ضرب الامين حدود هذه الأرستقراطية متجرأً، و ليس له أمامهم بعد الآن إلا أن يشتد ويمسك نفسه على الحق ويظهر للعامة ما أراد أن يقول بالحق، يوقفهم عند حدود الحق فلا يتعدونه وإلا فلين يخلي بينهم وبين الطريق، يمضون إلى غير غاية ولن يكون لطمعهم ولا لمغامراتهم ولا لإيثارهم بالخير حد.

كل ما فعله هذا الرجل بتواضع أنه أمر بالمعروف ونهى عن المنكر بأضعف من أضعف الإيمان، من دون حبر ولا حتى ورق، لكنه على ما يبدو وبالقياس على منطقهم هو تخطى المسموح له به والمباح، فخشي منه وعليه أن يؤثر الإبتداع والتجديد على الإقتداء والإتباع ويدخل على القوم ما ليس لهم فيه علم فيفقهوا الامر على وجهه.

السابق
جعجع لاهالي العسكريين: مهما كان الثمن على الحكومة ايجاد حل
التالي
رسائل ايرانية تصوب على مهمة جيرو والرئاسة بعد قبض الثمن