الصحافة والجندر: نظرة «الزميلات» إلى المهنة شبه موحّدة

تتعدد المتغيرات التي شهدتها مهنة الصحافة في لبنان. اكبرها قد يكون كثافة بصمات المرأة على «منتجات» هذه المهنة. لا يدور الحديث عن ظهور صحافيات في المجتمع، فقد حدث ذلك قبل مئة عام. ما يجذب الاهتمام راهناً، هو الحضور النسائي الواسع في مؤسسات المهنة والذي لم يبدأ الا قبل عقدين تقريباً… من المستحسن ان نلمح ذلك وسط مناخات العولمة.

تخفف سوق العمل الصحافي من الطغيان الذكوري بفضل ادوات التكنولوجيا الجديدة. وفرضت الترحيب بالأقلام النسائية في هذه السوق أوضاع اجتماعية واقتصادية ساندت تلك الأدوات. وقد نحتاج الى بحوث جدية لمعرفة «حصة» المرأة في عمل صحافة اليوم. لكن ذلك لا يحول دون الاستماع الى صوتها وأخذ رأيها في هذا التحول الجديد.

تبدأ رحلة الاحتراف الصحافي بدخول الطالبة الى الجامعة. بيد أن جودة الكادر النسائي الصحافي لا تضمنها كثرة كليات الإعلام. «بالنسبة إلى المناهج التعليميّة، أعتقد أنّ الدراسة الجامعيّة للصحافة في لبنان لا تفيد الصحافيين سواء كانوا رجالاً أو نساء، لأنّها في حاجة إلى تحديث وتطوير، وابتعاد عن الجانب النظري، نحو الحاجات الحقيقيّة لسوق العمل»، تقول الصحافية سناء الخوري. تسرب الى الإعلام من بعض التقارير الدولية ما يسمى «ظاهرة تأنيث المهن»، علماً أن هذا المفهوم يلقى استنكاراً واضحاً من الصحافيات. «بالنسبة إلى دور المرأة في العمل الصحافي، أفضّل شخصياً الابتعاد عن عبارة تأنيث، لأنّها تتضمّن تمييزاً ضمنياً معاكساً. الحديث عن تأنيث أو تذكير، يبعدنا عن جوهر الأزمة برأيي، لأنّ الموضوع هو مسألة كفاءة، سواء كان الصحافي رجلاً أو امرأة»، تضيف الخوري.

هناك اختلاف في تقويم أثر «الهوية الجندرية» على موقع المرأة داخل المؤسسة الصحافية. تقول الصحافية صباح أيوب: «من خلال تجربتي واستناداً الى الواقع الصحافي اليوم، فإن عدداً كبيراً من الصحافيات يعملن في الأقسام السياسية في الصحف ولهن دورهن الأساسي في اقتراح المواضيع السياسية وإجراء مقابلات مع سياسيين، والإتيان بأخبار سياسية للمانشيت مثلاً، وكتابة التعليقات السياسية».

لكن سناء الخوري ترى ان «هناك إقصاء (متعمّداً وغير متعمّد) للنساء عن مراكز القرار في الوسائل الإعلاميّة العربيّة الكبرى، إذ يندر أن نجد رئيسات أقسام أو رئيسات تحرير، أو رئيسات مجالس إدارة، باستثناء المجلاّت الفنيّة أو مجلاّت الموضة». وتؤيّد بيسان الشيخ هذا الرأي بقولها: «نعم، هناك تفضيل للرجل على المرأة, على افتراض انه افضل، وهو ما يثبت عكسه أحياناً كثيرة».

تساهم الأقلام النسائية في تشكيل الرأي العام وتكوين الوعي الاجتماعي من دون تخصيص في مجال معين. فالصحافيات، تقول صباح أيوب، «بتن يقمن بالمهمات الصحافية نفسها التي يقوم بها الصحافيون الرجال، والعكس صحيح. فمثلاً قبل سنوات كان العمل في قسم السياسية المحلية او تغطية الأحداث الحساسة والحروب حكراً على الرجال، أما اليوم فنرى نساء كثيرات يخضن التجربة جنباً الى جنب مع زملاء رجال، بعيداً من التخصيص. وبالعكس، ما كان حكراً على النساء ايضاً (فقرات الطبخ والموضة والفنون مثلاً) بات القائمون به رجالاً في معظم الأحيان».

لكن دوافع هذا التخصيص تستدعي ان «نبتعد قليلاً عن المواقف النسوية» تقول بيسان الشيخ، وتضيف: «يبدو ذلك مبرراً في حالات دقيقة جداً واستثنائية. فهذه المهنة خطرة الى حد بعيد، لا سيما عندما تكون تغطية الأحداث تتعلق بمجموعات مسلحة، وإرهابية… الخ. فإدارات التحرير (سواء كانت رجالاً او نساء) تفضل ارسال صحافي رجل، على صحافية امرأة، ما لم تتطوع هي لهذه المهمة. إلى ذلك، فإن هذه المجموعات نفسها لا ترحب بالصحافية المرأة غالباً، إلا بعد ان تكون قد بنت معها روابط ثقة، وهذا بحد ذاته يتطلب وقتاً وجهداً وشبكة معارف غير متاحة لكل الصحافيات».

احتراف المهنة يتفاعل مع خبرة الصحافي ومع العقلية الاجتماعية السائدة، «بغض النظر عن الهوية الجندرية»، تقول صباح أيوب. وتضيف: «يحاول الصحافي أن يفرض هامشاً من الاحترام في تعامل الآخرين معه في الخارج. أما احتضان الخارج للصحافية وللصحافي فيرتبط بطريقة عملها/عمله وكيفية تعاملها/تعامله مع الآخرين ودرجة المهنية التي تتمتع/يتمتع بها في نقل الصورة أو محضر اللقاء. لكن، في لبنان في شكل خاص، قد يؤثر في ذلك الاحتضان عامل آخر ينطبق على الصحافية كما على الصحافي، وهو هوية المؤسسة التي يعمل فيها ومدى تماهيها مع سياسة أو طائفة المنطقة أو الشخصية محور العمل الصحافي».

تواجه الثقة الشخصية بالكفاءة المهنية لدى الصحافيات مشكلة الندية في العمل. ترى سناء الخوري ان «التجارب المهنيّة الراهنة، تعطي فرصاً أكبر للرجال، على حساب النساء، سواء لناحية المساواة في الأجور أو الترقيات. رغم ذلك، نجد صحافيّات مراسلات ومذيعات وكاتبات صحافيّات أو مصوّرات، استطعن إثبات أنفسهنّ، حيث خضن تجربة تغطية الحروب والنزاعات».

تمتد هذه المشكلة الى داخل المؤسسة الصحافية. تأسف الشيخ «لأن الندية في العمل لا تأتي إلا بعد اثبات الصحافية جدارتها بأن تنتزعها انتزاعاً من المؤسسة والزملاء معاً». خصوصاً «في بداية المهنة، يترتب عليها خوض معارك يومية لتحصيل فرص متكافئة في الميدان، وإقناع المسؤولين المباشرين عنها بأنها قادرة على إنجاز المهمة التي قد يفضل إسنادها الى زميل. وذلك يضعها أمام اختبار اضافي بأن يحمل عملها قيمة مضافة لتبرير اختيارها او منحها تلك الفرصة». لكنها تلحظ ان «الجانب الإيجابي في هذا الأمر أن الصحافية عندما تنجح في انتزاع هذه الندية تصبح مكرسة الى حد بعيد وتتحول الى سلطة معنوية ومهنية في يدها سواء تجاه الزملاء أو الإدارة».

وتلفت سناء الخوري الى «أنّ الجامعات اللبنانيّة خرّجت الكثير من الإعلاميّات والصحافيّات العاملات في لبنان والعالم العربي، وصولاً إلى وسائل الإعلام العالميّة». لكن التمييز لا يزال يطبع صورة المرأة في الإعلام، «إذ لا يخرج معظم إعلامنا عن الصياغات الذكوريّة، وتسليع جسد المرأة، والتعامل معها كقارئ قاصر، يهتمّ فقط مثلاً بأمور الحياة الزوجيّة السعيدة، والطبخ، والأبراج».

يعتبر التمييز في الأجر ضد النساء ظاهرة عالمية. وينسحب ذلك على أوضاع الصحافيات في لبنان. تقول بيسان الشيخ: «ليس هناك مساواة في الأجر ليس فقط بين الصحافية وزميلها، بل أيضاً بين زميلين أو زميلتين من خبرة متشابهة وشهادات علمية واحدة. فالأجر والترقي الوظيفي يخضعان لاعتبارات لا ترتبط بالضرورة بالكفاءة».

وتنفي صباح أيوب «أي تأثر خاص أو تغيير في المعاملة ناتج فقط عن كوني امرأة مع الأشخاص الذين قابلتهم في اطار عملي الصحافي». لكنها تضيء على مشكلة مهمة تواجه عمل المرأة في مهنة الصحافة وهي الانتقال من العزوبة الى الأمومة. ترد الشيخ هذه المشكلة الى «ان هناك افتراضاً بأن الصحافية العازبة لا تملك حياة شخصية، وبالتالي يمكن استباحة وقتها لأغراض العمل. لا شك في أن الصحافية العازبة ليست كالصحافية الأم التي تحمل أعباء منزلية وواجبات أسرية. إلا أن ثمة حقوقاً تقرّها قوانين العمل للموظفات لا تستفيد منها الصحافيات بالشكل المطلوب».

السابق
هل دخلنا الزمن النفطي المخيف؟ 
التالي
آل الجميل يعيدون بناء «بيت المستقبل»