عيد الميلاد عيد الأعياد

يرتدي عيد الميلاد أهمية كبيرة في الشرق الأوسط، أكثر منه في أي مكان آخر، لسببٍ وجيه. فمدينة الناصرة التي يتحدّر منها يسوع وأمه مريم تقع في فلسطين أو إسرائيل حالياً التي يعتبرها معظم العرب عدوة ومحتلّة. وبيت لحم حيث ولد المسيح تقع في الضفة الغربية الفلسطينية المحتلة التي يتعذّر على الغالبية الوصول إليها.

قرون من الصراعات التي بدأت مع الأساطير التوراتية عن ابرهيم وسارة وهاجر واسماعيل واسحق تبلغ ذروتها في هذه الفترة من السنة. على رغم أن الروايات قد تدخل غياهب النسيان، تبقى بصماتها واضحة للعيان. إنها تعود إلى زمن غابر قبل زمن بعيد من نشوب النزاع السياسي الناجم عن إنشاء دولة إسرائيل على حساب دولة فلسطين. تعود إلى زمن الصراع الوجداني، المطبوع بالدين، والأشد فتكاً إلى حد كبير بين أولاد هاجر وأولاد سارة: إنه الصراع على ملكية الأرض بين العرب واليهود.
اليوم يواجه العرب الذين صاروا مسيحيين ومسلمين قبل تفكّكهم وتحوّلهم مجرد هياكل عظمية عن الديانتين تعاني اختلالاً وظيفياً – يواجهون إذاً أزمة الهوية والبقاء الأكبر في تاريخهم. ويعود ذلك في شكل أساسي إلى سقوط الأنظمة السلطوية، وصعود الأصولية الإسلامية، والقمع المتواصل للأقليات المسيحية. وكذلك يواجه اليهود أزمة هوية تاريخية (سوف أتطرّق إليها في مقال لاحق).
مع توالي الأحداث الدرامية، يعاني من تبقّى من مسيحيي الشرق الأوسط الاضطهاد في بعض الأماكن حيث لا يزال يُسمَح برفع أشجار الميلاد التي تصير أكبر حجماً وأكثر زينة. ينعكس وقع الأعياد الشديد عبر وسائل التواصل الاجتماعي حيث يعرض المؤمنون استعدادتهم للأعياد وكأنهم يتنافسون على امتلاك شجرة الميلاد الأكثر بريقاً أو المغارة الأكبر حجماً أو العدد الأكبر من الحيوانات التي تنفخ لتدفئة الطفل يسوع الذي سيُصلَب في ما بعد ثم يقوم من بين الأموات بحسب العقيدة المسيحية.
خلف العرض التجاري والملوّن المتجذّر في التقليد الوثني يكمن الإيمان الحقيقي. الحمد لله، لا يزال الجزء الأكبر من الإيمان صادقاً على رغم السياسة والهمجية والانقسام والعنف التي تتناتشه يومياً.
ليست الأزمة بالضرورة أمراً سيئاً. اسألوا يسوع الذي ضحّى بنفسه لإنقاذ البشرية، كما تقول الرواية. توفّر لنا آلام المسيح التي تبدأ عند ولادته درساً لم نفهمه ونستوعبه بعد تماماً. فالواقع على الأرض يُظهر أن الناس يفضّلون أن يقتلوا بعضهم بعضاً يومياً وأن يتناحروا على أمور تافهة.
فلنتأمّل في ما يعلّمنا إياه يسوع من خلال ميلاده، التسامح والسلام والمغفرة والتواضع. عسى أن تجعلنا تحدّيات هذا العيد أقرب إلى فضائله الحقيقية!

السابق
احباط عملية ادخال 14 كلغ من الكوكايين عبر المطار
التالي
من المفيد التزام هذه الارشادات خلال العيد