السبسي وعودة «البورقيبية» بحلّة ثائرة في تونس

السبسي
فوز "السبسي" العلماني برآسة جمهورية تونس هو تجديد لثورة الربيع العربي فيها وليس عودة لحقبة الاستبداد السابقة كما يروّج اعلام الممانعة الذي يناصر الحكومات المستبدة في العالم العربي، وهو يعني انتصار للاسلام المعتدل الذي قاده راشد الغنوشي والتقدمية العلمانية التي كان قد أرسى جذورها في المجتمع الرئيس الاسبق الحبيب بورقيبه.

عندما أطلق الباجي قائد السبسي رئيس حزب “نداء تونس” الذي اعلن فوزه أمس في الرئاسة التونسية، حملته الدعائية للانتخابات الرئاسية

قبل شهرين من “روضة آل بورقيبة” التي دفن فيها الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة، أول رئيس للجمهورية التونسية، كان بذلك يعلن وبكل فخر انه اذا فاز بالرئاسة سوف يعود بتونس الى “العلمانيّة البورقيبية”، أي انه سيعود بتونس الى لحظة التأسيس عام 1957 وهي المرحلة التي قادها بورقيبة “المجاهد الأكبر” وأول رئيس جمهورية علمانية حديثة في تونس .

فقد أعلنت الهيئة المستقلة للإنتخابات عن التنائج الرسميّة للإنتخابات الرئاسيّة التي أجريت يوم الأحد 21 ديسمبر 2014 بفوز الباجي قائد السبسي على منافسه الدكتور المنصف المرزوقي بفارق 10% بينهما وبذلك تطوى مرحلة انتقالية دامت حوالي أربع سنوات .

وتعبيرا عن هزيمتهم، خرج بعض الشباب الاسلاميين في مدينة الحامة(محافظة قابس –جنوب غربي) وفي مدينة بن قردان ( محافظة مدنين –جنوب شرقي) إلى الشوارع رفضا لانتخاب الباجي قائد السبسي وقامت الشرطة بتفريقها،وتفيد بعض الأخبار غير المؤكّدة أن شخصا على الأقل قد توفي في الحامة إثر المصادمات بين الشرطة والمحتجين.

أما لماذا عادت العلمانية البورقيبية الى تونس، يقول الخبراء، انها عادت لأنها لم تغادر أصلا وجدان التونسيين حتى بعد ان قامت ثورتها ضد زين العابدين بن علي قبل ثلاث سنوات.

فقد زرع بورقيبة على مدى ثلاثة عقود من حكمه في عقول التونسيّين انتماءات جديدة ضمن الفضاء المتوسّطي المنفتح على أوروبا،، فقام الحبيب بورقيبة بتنفيذ برنامج قائم على أسس علمنة كاملة ومعلنة لتونس، وعدّل القوانين المتعلقة بالأوقاف، وبدّل مناهج التعليم، واخضع الجميع للمحاكم التي تستمد قوانينها من التشريعات الغربية، وحجّم رجال الدين في جامعة الزيتونة، واستعاض عنهم بالعلماء المتغربين في كل المجالات ودرسوا العلوم الإسلامية بمنظور غربي تحت اسم “علم الإلهيات، وحظر بورقيبة ارتداء الحجاب بالنسبة للنساء وجعل أعضاء رجال الدين من موظفي الدولة فتحكم فيهم وافقدهم استقلالهم، وأصدر قوانين مضادة لتعاليم لإسلام التقليدية في جوانب الأسرة والميراث وتعدد الزواج الذي أصبح جريمة في عهده، وجعل الطلاق يخضع للمراجعة القضائية.

إضافة الى رسوخ البورقيبية، فانه يعزا الفضل أيضا لهذا التحوّل الديموقراطي السلس في تونس الى شخصية تاريخية ثانية يتوقّع ان تترك أثرا ثقافيا وفكريا راسخا في العالم العربي والاسلامي، ونعني الشيخ راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة الاسلامي الذي فاز بأكثرية المقاعد النيابية عام 2011 فلم يستبد أو يحاول التحكم بقرار الدولة وتطبيق الاسلام وفرض احكامه بالقوة عللى الشعب، وهو بعكس ما فعل الأخوان في مصر، فقد أشرك أخوان تونس (النهضة) معهم العلمانيين في الحكم وتقاسموا السلطة ودعموا منصف المرزوقي رئيس حزب “المؤتمر” العلماني الذي احتل المركز الثاني في تلك الانتخابات في الوصول الى رئاسة الجمهورية، فالغنوشي واحد من المفكرين الإسلاميين الأكثر شهرة، وقد قدم العديد من الاِصدارات عندما كان في المنفى الأوروبي عهد حكم زين العابدين بن علي،وعرض آراءه المتقدمة حول القضايا السياسية، بما في ذلك العلاقة بين الإسلام والديمقراطية والحداثة والدين والتعددية، وحقوق الإنسان، وحقوق المرأة، ودور الأقليات. وقد ساهم إلى حد كبير في جعل النقاش الفكري موضوعياً حول مدى توافق الإسلام والحرية والديمقراطية والحداثة وفي إعطائها الأساس النظري.

واليوم مع تقدّم حزب نداء تونس العلماني على حزب النهضة الاسلامي في عدد مقاعد البرلمان وانتخاب السبسي رئيسا للبلاد ،فإنه يظهر بوضوح ان تونس لم تنكر ثورتها كما يصرّح اعلام الحكام ورديفه اعلام الاسلاميين الاقصائيين، وكأن المشهد القادم هو عودة رمز من رموز فترة حكم زين العابدين بن علي، وان الدكتاتورية عائدة من جديد، بل على العكس من ذلك تماما فان تونس جدّدت ثورتها بشكل ديموقراطي عبر صناديق الاقتراع، وسيكون ذلك مقدّمة لتجديد ثورات الربيع العربي الذي انطلق من مدينة “سيدي بو زيد” التونسية مع البوعزيزي وهو الشهيد الذي لم يدر انه عندما أضرم النار في نفسه انما كان يضرم نار الثورة ضد جميع حكام العرب المستبدين.

 

السابق
الراعي يلتقي اهالي العسكريين المخطوفين
التالي
ولّى زمن الخوف من حزب الله واتّهامات العمالة