إهانات وعوائق على أبواب رسمية: «ممنوع دخول الأشخاص المعوقين»

مُنع المشاركون في اليوم الوطني الأول للرصد، من الوصول إلى مجلس النواب، لم يخبرهم الحراس أن الوصول ممنوع. كانوا يصلون على كراسيهم المتحركة إلى مدخل، فيُقال لهم توجهوا إلى المدخل التالي. وهكذا داروا دورة كاملة بشكل مهين حول مجلس الأمة، الذي يصرُّ على تجاهل حقوقهم منذ أربعة عشر عاماً، ولا تزال اتفاقيتهم الدولية في أدراجه تنتظر التصديق منذ سبع سنوات.
«هو نوع من القمع، فحركة الكراسي المدولبة ليست سهلة في الطرق المحيطة بالمجلس، وكان معنا عدد كبير من ذوي الإعاقات الصعبة، آخرون لديهم شلل دماغي». أمام الحاجز الأخير اعتصموا، تقول رئيسة «اتحاد المقعدين اللبنانيين» سيلفانا اللقيس: «حتى وصل الأمين العام للمجلس عدنان ضاهر، الذي قابل المعتصمين خارج حدود الحاجز. علل ضاهر عدم السماح لنا بالعبور إلى المجلس، بالسبب عينه الذي يؤخر تجهيز المجلس ليحترم حاجاتهم: ألا ترون الأوضاع الأمنية والسياسية في البلد!». طوّق المعتصمون الحاجز بشريطهم الأصفر الذي زينته ملصقات «ممنوع دخول الأشخاص المعوقين»، ومنعوا بدورهم من يُسمح لهم بالعبور من استخدام المدخل.
ومن البرلمان إلى وزارة الشؤون الاجتماعية، حيث كانت مجموعة أخرى تحاول الوصول عبر المنحدر، لكنه مغلق بسيارة، وتصوير المخالفات ممنوع. والأماكن المخصصة لسياراتهم محجوزة. والسيارة التي أقلت بعضهم نالت محضر ضبط من شرطي سير. كلما حاولوا وضع ملصق أزاله الحرس. يقول الإداري في الاتحاد حسن مروّه: «وُوجه المشاركون باستنفار كبير في الشؤون، التي يفترض أنها وزارتهم، فمنعوا من تصوير العوائق، ومن ملء الاستمارة، بطريقة مهينة. ذلك قبل أن يسمح لوفد منهم بالتوجه إلى مصلحة شؤون المعوقين لمقابلة مديرتها ماري الحاج، التي أكدت أن المطالب محقة». وجرى اتصال بين الحاج والمديرة العامة للشؤون رندة بو حمدان، «التي أكدت بدورها أحقية المطالب، وأن الوزارة تعمل على المطالب عينها لكن ينقص التنسيق في ما بين الجمعيات والوزارة. وتحججت بالأوضاع الأمنية والسياسية في البلد»، وفق أعضاء الوفد. ذلك فيما منحدر الوزارة لا يتطابق مع المواصفات، والمنحدر الخارجي لا يمكن الوصول إليه من الشارع، فالسيارات تغلقه في وجه مستخدمي الكراسي المتحركة.
تلك أولى نتائج رصد انتهاكات البيئة الدامجة للأشخاص المعوقين، فالمرصد الذي يعد بتقرير مفصل خلال أسبوعين، أطلق حملة وطنية مفتوحة بدأت من بيروت وستجول في المناطق تباعاً. الحملة عاهد فيها المرصد الأشخاص المعوقين، برفع الصوت عالياً لإيصاله إلى المعنيين لتأمين بيئة دامجة تحترم حاجاتهم وتضمن لهم حق الوصول إلى الأماكن والمعلومات.
فبعد إعلانهم العشرين من كانون الأول، أمس الأول، أول الأيام الوطنية لرصد الانتهاكات، نظم ناشطون في إطار «مرصد حقوق المعوقين» وبمواكبة من جمعيات مدنية وحقوقية، مجموعات لرصد مدى الالتزام بمعايير الحد الأدنى للتجهيز التي تحترم حاجات الأشخاص المعوقين. ووضعوا على المؤسسات غير المحترمة للحاجات لاصق «غير مطابق». وطوقوا الوزارات والإدارات الرسمية بشريط أصفر مع لاصق «ممنوع دخول الأشخاص المعوقين». ولوحظت مشاركة عدد كبير من الأشخاص ذوي الإعاقات الصعبة، الذين تابعوا العمل طيلة النهار ليوصلوا أصواتهم.
وقام المشاركون بحملة توعوية عبر توزيع مئات المنشورات، من خلال دعوة المواطنين غير المعوقين إلى تجربة الكرسي المتحرك للتنقل في الأماكن المستهدفة بالرصد، وكذلك عبر عصْب أعينهم وإتاحة الفرصة أمامهم لاستخدام العصا البيضاء، أو دفعهم إلى التعبير عن آرائهم بلغة الإشارة، وفق فادي الصايغ.
كما نفذ المشاركون مسيرة من مصرف لبنان إلى مسرح المدينة في شارع الحمرا، اختتمت باعتصام رمزي يؤكد على المطالب.
إلا ان المتطوعين من معوقين وغير معوقين، في المقابل، لحظوا تعاوناً في وزارات وإدارات أخرى، وإن كانت تفتقر إلى التجهيز الهندسي، الذي حال دون توجه الأشخاص المعوقين حركياً إلى داخل مبنى وزارة الصحة مثلاً. ولما «كان المدير العام مشغولاً، أرسل إلينا بالطبيب المسؤول عن المستشفيات. ولفت إلى أن الوزارة ستنتقل في وقت لاحق قريب إلى أحد الأبنية المجهزة، وإن لم تنتقل ستعمل على تجهيز المبنى الرئيس ومبنى الخدمات الطبية». وقد قصد المشاركون المبنى الثاني الذي يفترض أنه يقدم خدمات ومعينات وأجهزة تعويضية لها علاقة بالإعاقة، إلا انه غير مجهز. هناك «لوحظ أن الموقف المخصص لسيارة الشخص المعوق تحتله حاوية نفايات»، وفق مروّه. في وزارة الداخلية «لاقى المشاركون ترحيباً من الحرس وعدد من الموظفين»، كما يقول أمين السرّ للاتحاد جهاد إسماعيل، وعبّر البعض عن استفادتهم من التوعية، بالرغم من العوائق التي تحول دون وصول الأشخاص المعوقين. كذلك الأمر في المديرية العامة للتعليم المهني والتقني، الذي حُمل المشاركون على أدراجه وجالوا في أروقته، وفق الإداري في الاتحاد حسام الدنف.
وقد أطلق المرصد من بيروت، خلال يوم الرصد عريضة مليونية تتنقل في المناطق لإلزام المعنيين الرسميين باحترام التنوع في المجتمع. وبادر مواطنون وموظفون في الإدارات الرسمية المرصودة، إلى التوقيع على العريضة التي تطالب الحكومة اللبنانية مجتمعة، والوزارات المعنية فيها، والمعنيين والمتنفذين باحترام التنوع في المجتمع.
وفي ختام اليوم الوطني الأول للرصد، عاهد المرصد الأشخاص المعوقين في لبنان برفع الصوت عالياً لإيصاله إلى المعنيين لتأمين بيئة دامجة تحترم حاجاتهم وتضمن لهم حق الوصول إلى الأماكن والمعلومات.
يلفت التقرير الأولي للمرصد إلى أن القانون الخاص بالحقوق يتم تجاهل تطبيقه. ويسأل متى ستبادر الحكومة إلى إدراج تجهيز الأماكن العامة، والخاصة ذات الاستخدام العام، بما يتيح ارتيادها واستخدامها من الأشخاص المعوقين، وغيرهم من الفئات المهمشة، كبند ملزم في موازنات الوزارات المعنية؟ متى ستدرج تلك المطالب في موازنات السلطات المحلية – البلديات، ومتى ستعمل على تجهيزها؟ هل يمكن الوصول إلى ذلك من دون اعتماد دفتر شروط للمعايير الدامجة في كل المشاريع الحالية والمستقبلية يضمن احترام حقوق الأشخاص المعوقين في الوصول إلى الأماكن والمعلومات، على قدم المساواة مع غير المعوقين؟ ألم يئن الأوان لرفع التهميش التاريخي عن عشرة في المئة من المواطنين اللبنانيين؟
المشاركون في اليوم الأول للرصد، ستكون لهم محطات لاحقة إثر فترة الأعياد، إلا انهم ينتظرون موقفا رسمياً من مطالبهم، فهل ستبادر الإدارات المعنية إلى الإجابة؟ أم أن الحجة الدائمة هي شمّاعة الوضع السياسي – الأمني؟

السابق
أول صحافي غربي دخل أراضي «داعش» يروي ما اكتشفه
التالي
نهاية حلم بوتين؟