قراءة أميركية صادمة للحرب السورية

يعيد باحث أميركي النظر في مفاهيم تحقيق السلام في سوريا، في تقرير يمثل اعادة تقويم هي الاكثر جذرية لديناميات الحرب منذ بدء النزاع قبل أربع سنوات تقريبا.

في تقرير نير روزن، الصحافي الاميركي السابق والباحث في مركز الحوار الانساني، المنظمة التي تتولى التوسط في النزاعات، ومقرها جنيف، الكثير من التحليل الشخصي المرتكز خصوصاً الى اقتباسات من مسؤولين سوريين. وفيه أيضاً أن المعارضة المسلحة صارت متطرفة الى حد كبير، بينما النظام غير طائفي بطبيعته. وخلاصته أن المخرج الوحيد من النزاع هو عبر “هدنات محلية” ترعاها الامم المتحدة بين المعارضة المسلحة والنظام ، الامر الذي يمهد الطريق لانهاء حمام الدم وظهور مؤسسات محلية، وإن يكن على حساب التخلي عن جهود اجبار الرئيس السوري بشار الاسد على التخلي عن السلطة قبل مدة أقلها خمس سنوات!.
المفارقة أن هذا التقرير هو نتيجة لقاءات أجراها روزن مع مسؤولين ومحللين أميركيين في واشنطن، ومحاولة للرد على أسئلة طرحت عليه خلال تلك النقاشات.وقد أرسله الى مسؤولين في وزارة الخارجية الاميركية ومجلس الامن القومي، حيث وزرع على المجموعات التي تعنى بسوريا.وإذ تشير النسخة التي حصلت عليها “فورين بوليس” الى أن التقرير يمثل آراء روزن لا الموقف الرسمي لمركز الحوار الانساني، تلفت المجلة الاميركية الى أن التقرير يتضمن مرارا جملا تعكس ضمناً رأي الكاتب والمؤسسة التي يعمل لها، كما أنه يؤكد أن المركز اضطلع بدور في تسهيل هدنة حمص، و”ساهم في اقناع النظام السوري بأهمية مثل هذه الاتفاقات”.
وبالنسبة الى محرر شؤون الشرق الاوسط في “فورين بوليسي” ديفيد كينير، ليس هذا التقرير مجرد استشارة سياسية، وإنما يمثل جهداً لاعادة النظر جذرياً في الافتراضات الغربية في شأن طبيعة النزاع السوري وفريقي الحرب.

رواية جديدة عن تصفية آصف شوكت
تلميع صورة النظام
ففي ما خص النظام مثلاً، يحاول الباحث اعادة تلميع صورته، قائلا :”مع أن الدولة السورية لم تكن الاكثر جاذبية حتى قبل انتفاضة 2011، فانها ايضاً لم تكن النظام الاسوأ في المنطقة…هي تتمتع بأنظمة تعليم ورعاية صحية ورعاية اجتماعية. ومقارنة بأكثر الحكومات العربية كانت تقدمية وعلمانية …أنشأت بنى تحتية صلبة وجهازا مدنيا فاعلاً نسبيا”!.
الى ذلك، يخالف روزن الرأي السائد أن الاسد يرأس نظاماً علوياً، لافتاً الى أن “أكثر أركان النظام من السنة، وغالبية مناصريه من السنة، وكثيرون من الجنود (إذا لم تكن غالبيتهم) من السنة…قد يكون النظام وحشيا ومستبداً وفاسداً…الا أنه يجب عدم النظر اليه على أنه يمثل طائفة”!.
لا يختلف هذا التقويم مع التحاليل الاميركية الرسمية والمستقلة للنظام فحسب، وإنما يمثل تبنياً كاملاً للغة النظام نفسه. فهو لا يأخذ في الاعتبار الجرائم الموثقة التي ارتكبت في السجون السورية حتى قبل الثورة، ولا القمع للمعارضين ولا لحملة الاغتيالات السياسية التي يتهم بها النظام في لبنان خصوصاً.
ويذهب روزن أبعد في محاولة تلميعه صورة النظام، مجادلاً بأنه “من الأصح النظر الى ما يحصل في سوريا على أنه نظام علماني يحكم شعباً مع حرس امبراطوري علوي”.

تعصب وتطرف
وفي المعسكر الآخر، لا يرى روزن “ثواراً معتدلين حالياً، لا ايديولوجيا ولا في ما يتعلق بتحركاتهم”.وحتى أنه يقول إن غالبية الثوار حملوا الاسلحة في بداية الانتفاضة لا للدفاع عن نفسهم، وإنما انطلاقاً من تعصب ديني أو تطرف سياسي”.
تقرير روزن الذي يتبنى وجهة نظر النظام ومناصريه يقترح أن الهدنات المحلية في مناطق مختلفة من سوريا قد تشكل خطة لوضع حد لتزايد التطرف وتحيي بعض الامل في تغيير سياسي.وهو يدعو الى تعميم هذه الهدنات بوساطة من الامم المتحدة ومركز الحوار الانساني لتمهيد الطريق لتخفيف العنف والحاق الهزيمة بالجماعات الجهادية على غرار “الدولة الاسلامية”، اضافة الى اعتماد اللامركزية التي تنتج تغييراً سياسياً في سوريا.أما رحيل الاسد فيحيله الى موعد لاحق، بعد خمس سنوات على الاقل.
ولا يطلب الباحث الاميركي الكثير من واشنطن لتحقيق هذه الخطة. ففيما يقر بأن مصالحة مع النظام السوري في هذه المرحلة مستحيلة سياسياً، يكتفي بالطلب من الاميركيين اصدار مواقف ايجابية في شأن الهدنات المحلية المحتملة لاقناع قادة متصلبين بالمضي في الخطة. وفي رأيه، أن دولاً على غرار المانيا والنروج قد تضطلع بدور قيادي في دعم الهدنات المحلية.

في الواقع ليس روزن الاول يقترح الهدنات المحلية مخرجاً محتملاً للنزاع.فالى الاقتراح الذي يحاول المبعوث الدولي ستيفان دوميستوراً تسويقه في هذا الشأن، ثمة عشرات مراكز الابحاث التي تنكب على دراسة نجاحات واخفاقات اتفاقات في هذا الشأن سبق اعتمادها في حمص ومخيم اليرموك في دمشق وبرزة بضواحي العاصمة وغيرها.
ونشر معهد”انتيغريتي ريسيرتش أند كونسالتنسي” تقريرا يقوّم 26 هدنة حول البلاد، فيما وضعت منظمة “ايتانا” السورية غير الحكومية بحثاً معمقاً في شأن الجهود لوقف النار في حمص خلص الى أن ثمة أسباب تدعو الى التشاؤم أكثر منها الى التفاؤل في شأن هذه الاجراءات.

السابق
كيف ينظر الإسلاميون إلى الحوار بين «تيار المستقبل» و«حزب الله»؟
التالي
حلقة ندب في مطار بيروت