«داعش» يستدرج «التحالف» إلى سورية… ويُعدل الأولويات

اللغم الذي كان يزرعه بعض الأطراف في الأرض السورية، انفجر في وجه الجميع. الجنين الذي كان يحقنه كل طرف بالأمصال لاستخدامه ضد الآخر، خرج عن السيطرة. تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) نجم العام الحالي، حيث تسعى «جبهة النصرة» إلى منازعته «النجومية» في عام ٢٠١٥، ليس في فقط في التنافس على تمثيل تنظيم «القاعدة» في بلاد الشام، بل في الهيمنة على الأراضي الخارجة عن سيطرة النظام السوري التي يقع قسم منها في قبضة أحد الفصائل الكردية الرئيسية.

في الأيام الأخيرة، بدت الخريطة السورية منقسمة بين مناطق تحت سيطرة كاملة للقوات النظامية من درعا والسويداء جنوباً الى اللاذقية وطرطوس غرباً مروراً بدمشق وحمص في الوسط، فيما يتصارع «داعش» و «النصرة» على النطق باسم السنّة مع خطوط قتال مفتوحة مع الأكراد على الجغرافيا الشرقية وأولوية لـ «النصرة» في جنوب البلاد. ويبقى إلى الآن، الجو تحت سيطرة الطيران السوري ما عدا شمال البلاد وشمالها الشرقي حيث «اندست» في أجوائه مقاتلات التحالف الدولي – العربي لمحاربة تنظيم «الدولة».

بدأ عام ٢٠١٤ بهجمات شنتها فصائل «الجيش الحر» والكتائب الإسلامية على مواقع «داعش» في شمال غربي سورية وشمال حلب قرب حدود تركيا، بالتوازي مع محاولة استثمار إقليمي وغربي في دينامية دعم المعتدلين. لكنه ينتهي بأسبقية القلق من «داعش» على أولويات أجندة الدول الغربية والإقليمية ليتحول هذا التنظيم الذي يضم حوالى 12 مقاتلاً أجنبياً (من نحو ٣٥ ألفاً) جزءاً من «الأمن القومي الداخلي» لكل منها.

أيضاً، بدأ العام بجلستي مفاوضات بين ممثلي النظام و «الائتلاف الوطني السوري» المعارض في جنيف بحثاً عن تنفيذ بيان جنيف و «تشكيل حكومة انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة من الطرفين بقبول متبادل». أما الآن، فإن «اللعبة الوحيدة» الموجودة، هي خطة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا لـ «تجميد» القتال في حلب شمالاً وقلب الأولويات من «تغيير من فوق» إلى «تغيير من تحت»، من «الثورة» إلى «زرع بذور الحل السياسي»، من «المرحلة الانتقالية» إلى «الحكومة الموسعة». هناك أيضاً «لعبة» أخرى رماها اللاعب الروسي في الملعب باقتراح عقد مؤتمر لفرقاء المعارضة من دون حصرية «الائتلاف» تمثيلها، ثم لقاء الفريق المعارض مع ممثلي الحكومة السورية، بحثاً عن حل سياسي «من دون شروط مسبقة ومن دون تصورات مسبقة» يقوم على تشكيل «حكومة وفاقية» و ليس «هيئة انتقالية».

كانت الجهود الحثيثة التي تبناها وزيرا الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف في أيار (مايو) 2013، أسفرت عن تحريك تطبيق بيان جنيف الذي كانت الدولتان توصلتا إليه مع الدول الثلاث الباقية الدائمة العضوية في مجلس الأمن في منتصف 2012، عبر ترتيب عقد مؤتمر دولي في مونترو السويسرية في نهاية كانون الثاني (يناير) 2014.

في بداية 2013، كان النقاش العلني في أوساط المعارضة وداعميها يتناول «معركة دمشق الكبرى» لإسقاط النظام السوري بـ «جميع أركانه ورموزه»، وكان مسؤولون أميركيون حاولوا إقناع الرئيس باراك أوباما في صيف ٢٠١٢، بضرورة تقديم الدعم العسكري العاجل للمعارضة لـ «تحرير سورية». لكن عقد مؤتمر جنيف طوى هذه الصفحة، وصار الحديث يتناول «تسوية متفاهم عليها» بما يتضمن بقاء مؤسسات الدولة، «خصوصاً» الجيش والأمن كي لا تتكرر تجربة العراق بعد الغزو الأميركي، وأيضاً بعد فشل تجربة التدخل الغربي بـ «قيادة أميركية من الخلف» في ليبيا.

لم تكن مشاركة 40 دولة ومنظمة في مؤتمر مونترو بغياب إيران أبرز داعمي النظام، كافية لإقناع ممثلي الحكومة والمعارضة للدخول في مفاوضات جدية في جولتي المحادثات لبحث تنفيذ «بيان جنيف». تمسكت المعارضة بالتفاوض لتشكيل «هيئة حكم انتقالية» وقدمت رؤيتها لذلك من دون أي إشارة إلى مصير الرئيس بشار الأسد، فيما اعتصم ممثلو الحكومة بـ «أولوية مكافحة الإرهاب». وعندما اقترح المبعوث الدولي السابق الأخضر الإبراهيمي «مفاوضات موازية» حول الأمرين، تمسك ممثلو النظام بـ «البحث في تنفيذ بيان جنيف سلةً واحدة، وفي شكل متسلسل وليس انتقائياً» ما يعني ليس فقط البدء بـ «محاربة الإرهاب، بل الانتهاء بذلك»… والبحث في «وقف تمويل الإرهاب وتدريب الإرهابيين».

عليه، مضى الإبراهيمي في خياره الضمني، بالاستقالة في حال فشلت المفاوضات، فيما مضى النظام في خياره الإعداد للانتخابات الرئاسية وترشح الأسد لولاية ثالثة لسبع سنوات. وكان الإبراهيمي حذر في مجلس الأمن من أن إجراء الانتخابات يعني «نسف» عملية جنيف قبل أن يطوي في أيار صفحة المبعوث الدولي الثاني إلى سورية بعد كوفي أنان. وفي بداية حزيران (يونيو) أعلن في دمشق فوز الأسد في «الانتخابات الرئاسية» بـ88.7 في المئة من الأصوات، بنسبة مشاركة «بلغت 73,42 في المئة»، فيما انتقدت دول غربية الانتخابات واعتبرتها «مهزلة وخارج سياق عملية جنيف وتفتقد الشرعية بسبب عدم مشاركة نصف الشعب المهجر». وقالت إيران إن الأسد هو «الرئيس الشرعي لسورية» وإن الانتخابات كانت «شرعية»، الأمر الذي قالته موسكو أيضاً، خصوصاً بعد تفجر التوتر مع الغرب على خلفية الأزمة الأوكرانية منذ بداية العام. وواصلت المعارضة التشكيك بـ «شرعية الانتخابات بعد الجرائم ووجود ملايين اللاجئين والدمار الذي حل بالبلاد»، لكنها في الوقت نفسه أيقنت أن الأزمة السورية باتت مفتوحة على السنوات وليس الأشهر أو الأسابيع. وبات ملايين اللاجئين، يؤهلون أنفسهم لتحمل معاناة طويلة.

كان النظام، بمبادرة إيرانية، استبق الانتخابات باتفاق «مصالحة» في حمص القديمة تضمن خروج مقاتلي المعارضة إلى ريف حمص الشمالي مقابل دخول القوات النظامية رمزياً إلى «عاصمة الثورة». «مصالحة» حصلت قبل ذلك في أطراف دمشق الجنوبية الغربية والشمالية، كما أنها تكررت لاحقاً في جنوب دمشق. وهذه «المصالحات» التي جاءت بعد سياسة «الجوع أو الركوع» عبر فرض حصار على المنطقة المستهدفة، ثم تقديم عرض بـ «تسوية أوضاع المسلحين ودخول الدولة»، كانت في نهاية العام أحد عناصر الإلهام في مبادرة دي ميستورا لـ «تجميد» حلب، مع سعيه لتحسين شروطها كي لا تكون إذعاناً، بل لتكون اتفاقاً فيه بعض التكافؤ والمشاركة المحلية في الحكم وفق مقاربة «من تحت إلى فوق».

خريطة توسع داعش

«خلافة» ومحو الحدود

في نهاية حزيران، حصل التطور الأبرز الذي سيغير الأولويات. تحققت النبوءة الذاتية لمعظم الأطراف، إذ أعلن الناطق باسم «الدولة الإسلامية» أبو محمد العدناني إن «الدولة الإسلامية ممثلة بأهل الحل والعقد فيها من الأعيان والقادة والأمراء ومجلس الشورى قررت إعلان قيام الخلافة الإسلامية وتنصيب خليفة دولة المسلمين ومبايعة أبو بكر البغدادي، فقبل البيعة وصار بذلك إماماً للمسلمين وخليفتهم في كل مكان». وزاد: «عليه يلغى اسم العراق والشام من مسمى الدولة من التداولات والمعاملات الرسمية ويقتصر على اسم الدولة الإسلامية ابتداء من هذا البيان».

كان «داعش» انكفأ في بداية العام إلى معقله في الرقة في شمال شرقي البلاد وفي ريف حلب شمالاً أمام هجمات المعارضين السوريين المعتدلين. واستخدم أسلوب الترهيب من قطع رؤوس وفرض حدود قاسية للشرع والترغيب من خدمات وشراء الولاءات بالنفط والغاز والزراعة والمياه، لفرض سطوته على جانبي الحدود السورية – العراقية. واستفاد من انهيار سريع لقوات رئيس الوزراء نوري المالكي من الموصل وانكفائها إلى بغداد في استخدام الأسلحة الثقيلة في معارك السيطرة في سورية. وقرر التنظيم تأسيس «ولاية الفرات» على جانبي الحدود السورية – العراقية غير معترف بحدود سايكس – بيكو بعد مرور نحو مئة سنة على رسمها من قبل بريطانيا وفرنسا. وباتت أراضي «الخلافة» تمتد إلى ريف حلب الشرقي وتخوم قلعة حلب وحدود تركيا شمال سورية.

لم يكن «داعش» وليد اللحظة، بل تدرج قبل وصوله إلى ارتقائه إلى مرحلة «الخلافة»، إذ بعد تشكيل «جماعة التوحيد والجهاد» بزعامة أبو مصعب الزرقاوي في عام 2004، بايعت زعيم تنظيم «االقاعدة» السابق أسامة بن لادن ليصبح تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين»، ثم انطلق الزرقاوي من مناطق نفوذه في 2006 ليعلن «مجلس شورى المجاهدين». وبعد مقتل الزرقاوي، انتخب «أبو حمزة المهاجر» زعيماً لفترة قصيرة. وفي نهاية السنة، تم تشكيل «دولة العراق الإسلامية» بزعامة أبو عمر البغدادي، ما عزاه محللون رداً على وقوع «دولة العراق» في دائرة النفوذ الإيرانية.

كانت واشنطن صنفت «جبهة النصرة» بأنها «تنظيم إرهابي»، الأمر الذي قام به مجلس الأمن الدولي في أيار العام الحالي. وكان البغدادي طلب من «النصرة» برئاسة أبو محمد الجولاني الاندماج تحت راية «الدولة الإسلامية في العراق والشام» الأمر الذي أدى إلى نشوب خلافات بين البغدادي والجولاني لم يحله تدخل زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري.

بإعلانه «الخلافة»، وضع «داعش» جميع الأطراف أمام لحظة الحقيقة. كان كل طرف يحقن هذا التنظيم بأمصال الممانعة، ثم انقلب على الجميع وخرج المارد من القمقم. النظام الذي كان يغض الطرف عن فظائع التنظيم، وهناك من يتهمه بأنه «سهل» بروز هذا التنظيم وبسط سطوته على الرقة بعد وقوعها تحت سيطرة المعارضة في آذار (مارس) 2013، وعلى الموارد الاقتصادية وغض الطرف عنه بالغارات التي كان يشنها الطيران لدفع السوريين والأطراف الخارجية إلى الاختيار بين «النظام أو الإرهاب»، صار عليه أن يحتمل الفظائع التي قام به «داعش» لدى سيطرته على «الفرقة 17» و «اللواء 93» مطار الطبقة العسكري في ريف الرقة، وأن يتعامل مع الغضب الذي ساد أوساط مواليه بعدما بث «داعش» صوراً لمئات القتلى من الجيش النظامي يذبحون، بل إن بعض الموالين ناشد في آب (أغسطس) الماضي بالعقيد سهيل الحسن قائد عمليات القوات النظامية الملقب بـ «النمر» بسبب مدى العنف الذي يستخدمه في استعادة الأراضي، كي يقابل العنف الآتي من «داعش». أيضاً، يسجل أيضاً بروز نجومية «النمر» في الأوساط الموالية للنظام.

كان مركز «جاينز حول الإرهاب والتمرد» الأميركي أفاد بأن ٦٤ في المئة من ضربات النظام تتجاهل التنظيم، وأن ٨٧ في المئة من هجمات «داعش» لا تستهدف النظام، ما عدا تبادل السيطرة بين «الطرفين» على حقل الشاعر للغاز في حمص خلال شهري تموز (يوليو) وآب. الأرقام تفيد أيضاً بأنه منذ بداية العام الحالي وحتى تشرين الثاني (نوفمبر)، ٦٤ في المئة من ضربات النظام استهدفت مجموعات معارضة غير «داعش» وأنه «فقط ١٣ في المئة من هجمات داعش في المرحلة نفسها استهدفت قوات النظام».

أيضاً، المعارضة التي تردد بعض أطرافها في إدانة فظائع «داعش»، وكانت ترى أن «النظام والتنظيم وجهان لعملة واحدة»، وراهنت على أن الغرب سيختار «تسليح سريع للمعتدلين وتغيير النظام خوفاً من الإرهاب»، كان عليها أن تتحمل اقتحام مواقع المعتدلين فيها والقيام بجرائم ضد قياديين في «الجيش الحر» والفصائل الإسلامية والمجموعات التي تقف ضده، كان آخرها الكشف قبل أيام عن قيام «داعش» بقتل مئات من أهالي عشيرة الشعيطات في ريف دير الزور في شمال شرقي البلاد.

أيضاً، بعض الدول الذي كان يدعم المعارضة من دون تدقيق إلى المطاف الذي سينتهي إليه الدعم والتسليح والدول الغربية التي لم تهتم كثيراً بمناشدات معارضين من أن «احتواء الحرب السورية في سورية، ليس ممكناً»، كان على قادتها الرد السريع على قيام «داعش» بتوجيه «دعوة دموية» للتدخل العسكري عبر قيامه بذبح صحافيين ونشطاء مدنيين من أميركا وبريطانيا أمام الكاميرا، إذ لم يعد ممكناً لأسباب محلية كي يواصل أوباما إدارة الظهر إلى الشرق الأوسط البعيد – القريب. ولم يعد ممكناً ترك النزف البطيء قائماً بين متشددي السنّة ومتشددي الشيعة ولا بين «حزب الله» و «النصرة».

رد الرئيس الأميركي بتشكيل تحالف دولي – عربي ضد «داعش»، يقوم على استراتيجية «داعش أولاً» و «العراق أولاً»، لم تتضمن الكثير من المكونات السياسية عن سورية. المعارضة التي كانت تأمل بأن تقوم أميركا ودول غربية بشن غارات ضد مواقع النظام، خاب أملها. النظام الذي كان يأمل بأن يؤدي «إرهاب داعش» إلى الانخراط العلني والتنسيق الكامل واستعادة الشرعية، خاب أمله. ما حصل نصف خطوة هنا، ونصف خطوة هناك. هذا هو أوباما.

التدخل العسكري الذي كان يطالب به معارضون ودول إقليمية وغربية كبرى بعد مجزرة الكيماوي في خريف 2013، حصل لكن لأسباب أخرى ولأهداف أخرى. أسباب لها علاقة بأولويات أميركا، وليس بأولويات المنطقة والسوريين. وفي 23 أيلول (سبتمبر) الماضي، شنت مقاتلات التحالف غارات على مواقع لـ «داعش» في سورية. مرر الجانب الأميركي إلى دمشق بطريقة غير مباشرة، أن الغارات «لن تستهدف مواقع النظام»، وهي فقط ضد «داعش»، مع تركيز الغارات على مواقع التنظيم في عين عرب (كوباني) التي كان «داعش» وضع السيطرة عليها أولوية منذ منتصف أيلول.

حاول كل من النظام السوري والمعارضة تجيير فظائع «داعش» إلى مصلحته واستدراج عروض غربية للتعاون أو استعادة الشرعية، إذ شن الطيران السوري غارات استدراجية على «مواقع» التنظيم في الرقة ودير الزور وريف حلب ما أشار إلى التلويح بإمكان طلاق «زواج المصلحة» بين الجانبين القائم منذ سنتين. حاول مسؤولون غربيون دفع واشنطن إلى مكان آخر، بالقول إن «النجاح في محاربة داعش مرتبط بالنزاع في سورية، حيث أقام التنظيم بنية لتوفير الدعم الميداني والعقائدي» وإنه «حتى لو هزم داعش في العراق، سيكون قادراً على إعادة تجميع قواته في سورية». واقترح باحثون «مواجهة تهديد هذا التنظيم بتفعيل العملية السياسية في سورية وإعادة انخراط سريع واستخدام صعود داعش، ذلك أن أزمة العراق فرصة للحصول على الدعم الإقليمي».

أقصى ما فعلته إدارة أوباما، أنها قاومت أصواتاً أميركية للدخول في انخراط علني مع النظام فرضت «النظام شريكاً في الحرب ضد الإرهاب»، وأنها وافقت على برنامج لتدريب المعارضة المعتدلة بإشراف وزارة الدفاع (بنتاغون) وبموازنة مقدارها نصف بليون دولار أميركي، لكن ضمن استراتيجية محاربة الإرهاب أولاً.

ومع الوقت، تراجعت آمال بعض الدول في توجيه ضربات «ملتبسة» أو «مباشرة» ضد النظام كما دعا وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، كما لم تنجح محاولات أنقرة في إقناع واشنطن بإقامة منطقة حظر جوي ومناطق آمنة شمال سورية، مقابل قناعة مسؤولين بينهم وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل بأنها «تفيد في شكل غير مباشر النظام السوري»، ما ساهم في استقالته ضمن أسباب أخرى. وبقي رئيس الوزراء التركي رجيب طيب أردوغان متمسكاً بخيار إعطاء الأولوية لـ «إسقاط الأسد» وإقامة منطقة حظر جوي ومناطق آمنة كشرط للانخراط في الحملة ضد «داعش» أو الحملة لمنع سقوط عين عرب.

عملياً، أظهرت بيانات عسكرية أميركية أن نحو 97 في المئة من الضربات التي حصلت في الشهر الجاري نفذتها مقاتلات أميركية، وأن حلفاء واشنطن نفذوا ضربتين جويتين فقط في سورية في النصف الأول من كانون الأول مقارنة بـ62 نفذتها الولايات المتحدة.

ويشكل ذلك تحولاً بدأ بعد فترة قصيرة من بدء الحملة في أواخر أيلول، حينما نفذ حلفاء الولايات المتحدة 38 في المئة من الضربات. ووفق «رويترز»، سرعان ما تراجعت النسبة إلى نحو ثمانية في المئة في تشرين الأول (أكتوبر) وتسعة في المئة في تشرين الثاني.

«النصرة»

ساهم إعلان «داعش» تأسيس «الخلافة» شرق سورية في زيادة المنافسة، فسعت «النصرة» التي تضم مقاتلين محليين في معظمها بأجندة تختلف أولوياتها عن التنظيم، إلى المضي قدماً في تأسيس «إمارتها» شمال غربي البلاد وتعزيز مواقعها، الأمر الذي فعلته في الشهر الماضي، باقتحام مواقع «جبهة ثوار سورية» بزعامة جمال معروف الذي كان محسوباً على الفصائل الإسلامية المعتدلة، في جبل الزاوية في ريف إدلب في شمال غربي البلاد، ثم تمددت في ريف إدلب الجنوبي وصولاً إلى جنوب معرة النعمان.

والأسبوع الماضي، فاجأت «النصرة» بالتنسيق مع «أحرار الشام» التي كانت فقدت مؤسسها «أبو عبدالله الحموي» وقادتها بعملية غامضة قبل أيام من بدء غارات التحالف الدولي – العربي ضد «داعش»، قوات النظام بهجوم على أبرز موقعين عسكرين قرب معرة النعمان. وفي عملية منسقة، سيطر الفصيلان على معسكري وادي الضيف والحامدية اللذين كانا يشكلان عقدة ربط بين وسط البلاد وشمالها وبين الساحل غرباً وحلب شمالاً.

وكانت «النصرة» طرحت نفسها طرفاً رئيسياً في قرى القلمون شمال دمشق وقرب حدود لبنان، التي كان النظام مدعوماً بـ «حزب الله» سيطر عليها، خصوصاً في المفاوضات المتعلقة بأسرى من الجيش اللبناني والرهائن الدوليين في الجولان. كما أنها تمددت في ريفي درعا والقنيطرة في جنوب البلاد وقرب حدود الأردن وخط الفصل في الجولان المحتل.

ومع الأيام الأخيرة للعام، بدأت «النصرة» و «أحرار الشام» تطرحان رؤيتيهما السياسية، إذ بثت «النصرة» شريط فيديو لأحد قادتها يشرح سير المعارك في ريف حلب، وقال إن الجيش النظامي «تقدم في حندرات لقطع طريق الكاستيلو وطريق الإمداد عن حلب وحصار إخوتنا في حلب البالغ عددهم 500 ألف شخص والوصول إلى قريتي النبل والزهراء اللتين تشكلان مورداً بشرياً لعناصره المقاتلة» لكن «لن نكل ولن نمل ولن نترك هذا الثغر حتى يُفك الحصار في شكل كامل عن أهلنا في حلب».

وكان هذا بمثابة رد على خطة دي ميستورا وسعياً من «الجبهة» إلى طرح نفسها طرفاً سياسياً في هذه الفترة التي يجرى التفاوض فيها حول «تجميد» القتال في حلب باعتبار خطة دي ميستورا هي «اللعبة الوحيدة». كما أن قائد «حركة أحرار الشام الإسلامية» هاشم الشيخ (أبو جابر) فعل الأمر نفسه، إذ قال: «لأصحاب المبادرات والحلول السياسية التي لا تلقي بالاً لمئات الآلاف من القتلى والجرحى والمعوّقين وملايين المشردين والتي تدفع شعبنا إلى الرضى بالذل والهوان، ردنا عليكم كردنا في معسكري وادي الضيف والحامدية»، مضيفاً أن «أي حل من دون زوال النظام خيانة».

وكانت المعارضة بينها «النصرة» بسطت سيطرتها على معظم محافظة القنيطرة في الجولان وربطتها بريف درعا، حيث حقق مقاتلو «الجيش الحر» مكاسب في مناطق رئيسية مثل الشيخ مسكين بعدما سيطروا على عدد كبير من التلال الاستراتيجية بينها تل الحارة، أعلى نقطة في جنوب البلاد. لكن القوات النظامية حققت مكاسب في الغوطة الشرقية والسيطرة على بلدة المليحة في آب وعزلها عن خطوط الإمداد في درعا.

في الأيام الأخيرة، بدا ظاهراً ما حذر منه محللون من ضياع المنطقة الرمادية بين النظام والمتشددين ودفع المعتدلين الثمن الأكبر، ذلك بسبب بطء البرنامج العلني الذي كان الكونغرس الأميركي أقره بطلب من أوباما لـ «تدريب المعتدلين». وفي 19 الجاري، أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن تركيا قد تبدأ تدريب مقاتلي المعارضة السورية المعتدلين وتجهيزهم قبل آذار المقبل، في إشارة إلى قرب الاتفاق مع الأميركيين على مساعدة المعارضة السورية كي تكون جاهزة لمواجهة تنظيم «داعش» وقوات النظام في الوقت ذاته.

وكانت وزارة الخارجية الأميركية قالت في تشرين الأول الماضي، إن تركيا وافقت على دعم برنامج تدريب المعارضة، وهو جزء جوهري من استراتيجية أوباما في سورية لإعداد قوات محلية لمواجهة عناصر تنظيم «الدولة الإسلامية» ودحرهم في نهاية المطاف.

سياسياً، بدا «الائتلاف» في نهاية العام الأضعف سياسياً وسط صراعات داخلية بامتدادات إقليمية ضمن تجاذبات الدول الداعمة للمعارضة. وتراجع عدد الدول التي كانت تدعمه وتعتبر «ممثلاً» أو «الممثل» للشعب السوري من 160 إلى 11 دولة عرفت بـ «النواة الصلبة» في «أصدقاء سورية»، بل إن الاجتماع الأخير للمجموعة في لندن كشف عن عمق الفجوة بين هذه الدول، خصوصاً بعد بروز «داعش».

 

غارات إسرائيلية… ونزف سوري

ينتهي 2014، بغارات شنتها مقاتلات إسرائيلية على مواقع قرب العاصمة. وفي 7 كانون الأول (ديسمبر) اتهمت دمشق إسرائيل بشن غارتين قرب مطار دمشق الدولي وقرب مركز البحوث شمال العاصمة. لم تعلن إسرائيل تفاصيل العملية، لكن وزير الاستخبارات يوفال شتاينيتز قال للإذاعة العامة: «لدينا سياسة دفاع صارمة تهدف قدر الإمكان إلى منع نقل أسلحة متطورة إلى منظمات إرهابية»، في إشارة إلى «حزب الله». واعتبر الجيش النظامي السوري أن «هذا العدوان المباشر الذي تقوم به إسرائيل اليوم (يأتي) نصرة للإرهابيين في سورية بعدما سجلت قواتنا المسلحة انتصارات مهمة في دير الزور وحلب ومناطق أخرى».

وكان «المرصد السوري لحقوق الإنسان» قال إن «طائرات حربية يعتقد أنها إسرائيلية قصفت مستودع الصادرات والواردات، والذي كان يحتوي على أسلحة، والواقع في القسم العسكري لمطار دمشق الدولي، كما استهدفت في منطقة الديماس هنغارات تحتوي على أسلحة لا يعلم ما إذا كانت هذه الأسلحة تابعة للجيش النظامي أم لحزب الله اللبناني».

لم تكن المرة الأولى التي تشن فيها مقاتلات إسرائيلية غارات في سورية منذ عام ٢٠١١، ذلك أن التلفزيون الرسمي السوري قال في أيار 2013، أن صواريخ إسرائيلية ضربت مركزاً للأبحاث في جمرايا عند أطراف العاصمة، الأمر الذي كان حصل في بداية ذاك العام. كما أسقطت تركيا في آذار طائرة سورية، فيما شن سلاح الجو غارات عبر الحدود.

في آخر العام، أعلن «المرصد» أنه ارتفع إلى 120 ألفاً عدد القتلى من ضباط وأفراد الجيش السوري والموالين الذين يقاتلون معه، قائلاً أنه منذ «الانتخابات الرئاسية»منتصف العام الحالي «قتل حوالى 11 ألفاً من قوات النظام في أعلى حصيلة خلال 5 أشهر»، لافتاً إلى «استمرار التوتر» في الكثير من قرى وبلدات ومدن الساحل السوري وريف حماة الغربي وحمص، والتي يتحدّر منها جنود النظام. وذكر أن «شيعة أفغاناً يقاتلون إلى جانب القوات النظامية في كل أنحاء سورية، لا سيما في محافظة حلب» التي وضعها النظام وحلفاؤه أولوية لتطويقها قبل إنجاز اتفاق تجميد القتال مع ممثلي فريق دي ميستورا.

ومع تراجع القدرة البشرية للجيش نتيجة ارتفاع عدد القتلى والانشقاقات السابقة، برز دور الميليشيات. ومع ازدياد أخطار «داعش» في العراق، انسحبت ميلشيات عراقية من خطوط القتال، ما رفع من نسبة الاعتماد على الميليشيات الآسيوية و «قوات الدفاع الوطني» السورية التي خضعت لتدريب إيراني بقوة بشرية يبلغ عدادها حوالى 60 ألف (البعض يقدر العدد بمئة ألف) لتكون «رديفاً» للجيش النظامي.

كما برز دور «وحدات حماية الشعب» الكردية التي تضم نحو 50 ألف مقاتل تنتشر في مناطق الإدارات الذاتية الثلاث في عفرين وعين عرب شمالاً والجزيرة شرقاً، خصوصاً في المعارك التي حصلت في عين عرب، أضيف له نحو 150 مقاتلاً من البيشمركة الكردية العراقية التي جاءت بأسلحة ثقيلة لإمداد الأكراد.

لا خلاف على أن الانقلاب الذي أحدثه «داعش» هذا العام سيترك صداه في ٢٠١٥، بعدما غير الأولويات لمعظم الأطراف بسبب الفظائع التي قدمها وتحديات الشرعية ونموذج امتلاك الجغرافيا التي مثلها والأخطار التي رماها في البيت الداخلي لكل طرف. بات «داعش» الأولوية، سواء كان الأمر يتعلق بدعم المعارضة لـ «القتال على جبهتين: التنظيم والنظام» أو لمن يقول بـ «الانخراط مع النظام ضد التنظيم» وصولاً إلى من يريد استعجال الحل السياسي لـ «استعادة شرعية النظام للحرب ضد التنظيم» وإلى من يريد «قتال التنظيم عبر بقاء النظام وذهاب بعض أشخاصه».

بات «التنظيم» مفتاحاً للتعاطي مع «النظام». وأمام محدودية فاعلية ضربات التحالف، يتوقع أن يكون ٢٠١٥ عام الإجابة عن تساؤل: أي قوات برية ستواجه «داعش»؟

السابق
«داعش» يكفّر «النصرة»!
التالي
لاريجاني: لبنان بلد مؤثر في الشرق الأوسط