حلقة ندب في مطار بيروت

الفيديو الذي ظهر فيه حجاج شيعة لبنانيون في مطار بيروت، متوجهين إلى كربلاء للمشاركة في ذكرى أربعين الإمام الحسين يكشف كم أن تزخيم الطقس المذهبي صار جزءاً من العلاقات الأهلية اللبنانية. فقد حول الحجاج قاعة المغادرة في المطار إلى حلقة ندب تصاعدي في سابقة مشهدية شديدة الدلالة، وهي سابقة سيُبنى عليها، ذاك أن الطوائف ككائنات جماعية خبيثة وعنيفة، تتمتع أيضاً بانخفاض في مستوى الإدراك أو ما نسميه نحن العامة “صغر العقل“.

وقريباً جداً سيرد السلفيون في المطار أيضاً بأن يرفع أحدهم الأذان في أرض المطار أيضاً وستُقام صلاة جماعة في إحدى قاعاته يؤمها شيخ ضد “داعش“ لكنه يؤيد “جبهة النصرة“. لم لا؟ فالمطار للجميع.

والحال أن مساحة العابرين الأفراد في المرافق العامة تضيق يوماً بعد يوم. في الجامعات أُنشئت المصليات وكذلك قاعات المجالس الحسينية، وعلى جسر الرينغ المفضي من الحمرا إلى الأشرفية ارتفعت راية خضراء كُتبت عليها عبارات وصور تُذكر بتلك الرايات التي يرفعها الحجاج أثناء مسيرهم من المدن العراقية إلى كربلاء في يوم المصرع. وعلى أولياء التلامذة أن يُعدّوا أنفسهم أثناء نقل أولادهم إلى المدارس عابرين جسر الرينغ لسؤال يطرحه عليهم أبناؤهم التلامذة عن معنى العبارة التي كُتبت على تلك الراية الخضراء: “لا يوم كيومك يا أبا عبدالله الحسين“.

لبنان يتغير على نحو سريع. مجلس عزاء في المطار، ومصليات في الجامعات، والمناطق والمدن تستحضر الطقوس من خلف الحدود. أثر “اللبنانية“ كهوية جامعة يضعف يوماً بعد يوم. العراق وإيران صارا أقوى حضوراً في المناطق، وكذلك “داعش“ و“النصرة“ في مناطق أخرى. وكل هذا وجد منطقه في التفشي والانتشار.

أن تنتقد مشهد المطار فستجد “علمانياً“ يقول لك هذا حقهم، وهو بذلك يُدافع عن طائفية ومذهبية غائرة في وجدانه. وأن تقول إن الجامعات ليست مكاناً للصلاة فسيظهر عليك نائب من تيار المستقبل ليفاجئك بقناعته بأن الجامعات هي مكان للصلاة أيضاً. وأن تهرب إلى مناطق المسيحيين لشعورك بأنهم أقل ضرراً من هذا المشهد العنيف، فستجد “شيوعياً“ يصفك بأنك ضحية شعور بالنقص، وما إقامته هو في كاليفورنيا إلا لمجاورة الأئمة هناك!!!

وضحايا مشهدَي الانقسام اللبناني كثيرون. ليس المسيحيون لوحدهم من يُكابد زحف وتزخيم الطقوس المذهبية الاقليمية. ثمة لبنانيون آخرون وكثيرون فعلاً يشعرون بالاختناق جراء ذلك. لكنهم كحالنا جبناء وخائفون من رفع الصوت، وهم بخوفهم الذي يشبه خوف المسيحيين يفقدون كل يوم مواقع إضافية، ويتقدم إلى المساحات الصغيرة التي يشغلونها حملة الرايات الجديدة.

جسر الرينغ الذي يصل الحمرا بالأشرفية ارتفعت فوقه راية من هذه الرايات، ومطار بيروت في طريقه إلى أن تُوزع قاعاته بين “حزب الله“ و“جبهة النصرة“، وفروع الجامعة اللبنانية تحولت إلى فيدراليات طائفية ومذهبية تُحيي فيها كل طائفة شعائرها الخاصة والمُستدخلة.

وبينما تتمدد “السلفية الجهادية“ إلى معاهد التدريس الديني التقليدي في شمال لبنان فيُعلى فيها من شأن الخلافة، يظهر في الجنوب مقامات لـ“أولياء“ لم يسبق أن سمع السكان بوجودهم في بلادهم، فتتحول المقامات المستحدثة مزارات للمؤمنين الجدد.

أما اللبنانيون الآخرون فكل ما تبقى لهم هو ممر غير آمن من الحمرا إلى الأشرفية عبر جسر الرينغ، هناك حيث ترفرف تلك الراية الخضراء.

السابق
قراءة أميركية صادمة للحرب السورية
التالي
واشنطن… على الخط الرئاسي