يوم كانت فلسطين على كل فم!

في نهاية العام 1947، نشرت مجلة “الصباح” المصرية خبراً تعلن فيه الراقصة الاستعراضية الشهيرة ببا عز الدين إقامة حفلة كبرى في ملهى الـ”كيت كات” يخصص إيرادها لـ”إنقاذ فلسطين”، في مشاركة “مشاهير المطربين والمطربات”. نقع في الفترة نفسها على خبر آخر يتحدث عن لوحة استعراضية حزينة خاصة بفلسطين، استحدثها ملكة الاستعراض بديعة مصابني ضمن برنامجها الليلي في الكازينو الذي يحمل اسمها. هكذا احتلت فلسطين الواجهة قبل النكبة، وباتت على كل شفة ولسان في أنحاء العالم العربي، ودخلت ملهى الـ”كيت كات” و”كازينو بديعة”.

بدأت علامات النكبة تظهر مع تدفق المهاجرين اليهود إلى فلسطين في نهاية القرن التاسع عشر. تعاظم هذا التدفق مع نهاية الدولة العثمانية وخضوع البلاد للانتداب البريطاني عند انتهاء الحرب العالمية الأولى، واتسع بسرعة قصوى في العقود التالية. فتحت السلطة البريطانية باب الهجرة أمام اليهود الراغبين في إقامة “بيت وطني” في فلسطين، وأدت هذه السياسة إلى تدفق الوافدين الجدد من سائر أنحاء العالم. شهد العرب بداية هذا التدفّق اليهودي إلى القدس، ولم يعوا كما يبدو تماماً خطورة الأمر. في آذار 1914، رأى رئيس بلدية القدس حسين الحسيني “أن الحركة الصهيونية لا تشكل خطراً على فلسطين لأنها ليست حركة سياسية، والخطر هو في حركة الاستيطان، ولذا يجب سنّ القوانين الجديدة لمنع بيع الأراضي من اليهود”. في تلك الحقبة، عبّر وزير خارجية بريطانيا آرثر جيمس بلفور عن تأييد حكومته لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين في رسالة باتت تُعرف بـ”وعد بلفور”. في تشرين الأول 1917، وافقت الحكومة الأميركية على هذا التصريح قبل نشره بشكل علني، ثم أعلنت فرنسا تأييدها له في شباط 1918، وتبعتها إيطاليا في أيار.
خضعت فلسطين في مرحلة أولى للإدارة المدنية البريطانية التي شرعت في تحقيق “وعد بلفور”، فأقرّت اعتماد اللغة العبرية لغة رسمية إضافة إلى اللغتين الإنكليزية والعربية. بين تموز 1920 وأيلول 1923، صدرت الطوابع الفلسطينية الأولى، وحملت اسم فلسطين باللغات الثلاث. على هذه الطوابع، أُضيف حرفَا “ألف يود” بعد كلمة فلسطين بالعبرية، ومثّلت هذه الإضافة صيغة مختزلة لكلمتي “ايرتس يسرائيل”، أي “أرض إسرائيل”. هكذا ظهرت ملامح تهويد فلسطين في تلك الفترة، غير أنّ قلّة قليلة أدركت خطورة الوضع. في العام 1920، نظّمت الحركة الصهيونية احتفالاً كبيراً بافتتاح الجامعة العبرية في القدس، ودعت إليه رئيس بلدية القدس راغب النشاشيبي والشاعر العراقي معروف الرصافي. ألقى الشاعر في تلك المناسبة قصيدة احتفائية مطوّلة حيّا فيها المستشرق ذا الأصول العراقية إبراهام شالوم يهودا، ومطلعها:
خطاب يهودا قد دعانا إلى الفكْرِ/ وذكّرنا ما نحن فيه على ذِكْرِ
ومجَّد ما للعُرب في الغرب من يد/ وما لبني العباس في الشرق من فخرِ
لدى محفلٍ في القدس بالقَوْمِ حافلٌ/ تبوّأه هِرْبر صموئيل في الصَّدْرِ
بسذاجة عجيبة، نفى الرصافي في هذه القصيدة أن يكون العرب معادين لليهود، وتجلّى ذلك في قوله:
ولسنا كما قال الأُلى يتهمونن / نُعادي بني إسرال في السر والجهر
وكيف وهم أعمامنا وإليهم/ يمت إسماعيل قدما بنو فهر
وإني أرى العُربيَّ للعرب ينتمي/ قريباً من العِبريّ يُنمى إلى العِبر
سارع المحامي والأديب اللبناني وديع بستاني بالرد على الشاعر العراقي، وجاء ردّه في أبيات ساخرة تقول:
خطابُ يهودا أم عُجابٌ من السحرِ/ وقول الرصافي أم كِذابٌ من الشعرِ
ببغدادَ يا معروفُ، بالأرضِ، بالسما/ بربّك، بالإسلام، بالشفع والوترِ
قريضك من درّ الكلام فرائد/ وأنت ببحر الشعر أعلمُ بالدر
ولكن هذا البحرَ بحرُ سياسةٍ/ إذا مدّ فيه الحقُ آذن بالجَزر
عهدناك عبّاساً بوجه أعزّة/ فكيف لقيت الذلَّ بالعزّ والبشر

الحرية الحمراء
اشتدّ الصراع بين الفلسطينيين والمستوطنين في العشرينات، فكانت انتفاضة “موسم النبي موسى” في القدس في نيسان 1920، وتبعتها “انتفاضة يافا” في العام التالي، اثر إعلان “المؤتمر العربي الفلسطيني الثالث” رفضه سلطة الانتداب ووعد بلفور. في آب 1929، اندلعت المعارك حول “مبكى اليهود”، وامتدت لتشمل أنحاء فلسطين. اتخذ هذا الصرع طابعاً دينياً مع إصرار اليهود على السيطرة على “حائط البراق”، الذي يحدّ الحرم القدسي من الجهة الغربية، ويُعرف باسم البراق، نسبة إلى الدابة التي ركبها النبي محمد عند اسرائه ليلاً من مكة إلى المسجد الأقصى. وهو بالنسبة إلى اليهود “الحائط الغربي” للهيكل الذي شيّده النبي سليمان، وآخر أثر متبقّ من هذا الهيكل بعد خرابه. اجتمع الفلسطينيون كعادتهم للاحتفال بعيد المولد النبوي في الحرم القدسي الشريف وفقاً للتقليد المتوارث، والتحق بهم الكثيرون من أهالي المدن والقرى الفلسطينية لحماية البراق. اندلعت المواجهات بين المواطنين والمستوطنين، وامتدت إلى خارج المدينة، واستمرت نحو عام كامل.
في أيلول، تحدثت مجلة “المصوّر” المصرية عن تفاقم الحالة الأمنية في فلسطين، ورأت أن الفتنة “لم تكن وليدة ساعات معدودة، بل جاءت نتيجة مباشرة لضغائن ما فتئت تنمو في النفوس في السنين الأخيرة”. تخطت “ثورة البراق” حدود فلسطين وبلغت سوريا ولبنان. احتشد المتظاهرون أمام سرايا الحكومة في بيروت. وتكرر المشهد “عند سرايا الحكومة في دمشق، في مشهد يماثل تجمع المتظاهرين اللبنانيين أمام سرايا الحكومة في بيروت”. تواصلت حركة الاضراب في شهر كانون الأول. رفع أهل القدس الأعلام السوداء فوق دكاكينهم وحوانيتهم “دلالة على الحزن والحداد”، و”تضامن المسيحيون مع المسلمين في الاضراب العام الذي أُعلن في فلسطين يوم ذكرى إعلان وعد بلفور احتجاجاً على عدم إلغاء هذا الوعد الذي اعتبره الفلسطينيون مجحفاً بحقوقهم القومية والوطنية منذ إعلانه”، وتجلّى “اتحاد العنصرين” في صورة تجسد إضراب حي النصارى في القدس في ذلك اليوم.
احتدمت المواجهات بشكل كبير في الثلاثينات، فكانت ثورة تشرين 1933، ثمّ الثورة الكبرى التي تواصلت فصولها بين 1936 و1939. اشتعلت الحرب العالمية الثانية، وانتهت باستسلام الألمان في أيار 1945. استؤنفت الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وجاهر الكثيرون من أصحاب الرأي العام في بريطانيا بتأييدهم قيام دولة يهودية على أرض فلسطين. في كانون الأول 1944، اجتمعت اللجنة المركزية لحزب العمال البريطاني في لندن، وطالبت بجعل فلسطين دولة يهودية، كما دعت إلى إخراج أهلها العرب إلى الأقطار المجاورة في سبيل تحقيق هذا الهدف. قبل انعقاد هذا المؤتمر، تحت عنوان “فلسطين أولا”، كتب اميل زيدان في مجلة “الاثنين” المصرية مقالاً حذّر فيه من ضياع القدس. تحدّث الكاتب عن السياسة الصهيونية العالمية، وتوجّه بالكلام إلى القارئ العربي، وقال: “لا تظنن أيها المقيم في مصر أو في الشام أو العراق أو غيرها من البلاد العربية أن قضية فلسطين لا تمسّك إلا من بعد، وأن عطفكَ عليها ليس من قبيل العطف الأفلاطوني على جار يتألّم، بل فاعلم أن قضية فلسطين هي في الواقع قضيتك بالذات، وأنه لا قيام لأيّ اتحاد أو تحالف بين البلدان العربية ما لم تحلّ تلك القضية حلاً عادلاً في مصلحة أصحاب البلاد من العرب”. رأى اميل زيدان أن الصهيونية تشكّل خطراً مميتاً على فلسطين يتمثّل في هجرة اليهود المستمرة في العقود الأخيرة، وأضاف: “قلنا إن نسبة اليهود في فلسطين كانت ستة أو سبعة في المئة قبل الحرب الماضية، ثم أصبحت الآن نحو ثلاثة وثلاثين في المئة. أنظر إلى الرقمين تُدرك الباعث على توجّس العرب، فقد كان الزمن عدوّهم، ولو استمرّ ازدياد اليهود سنوات أخرى لصاروا هم أصحاب البلاد، ولأصبحت فلسطين دولة يهودية بحتة. وهذا هو في الواقع ما يرمي إليه الصهيونيون، فإنهم، بالقلم العريض، لا يريدون حلاً دون هذا الحل. إنهم يريدون إنشاء دولة يهودية يكونون فيها أصحاب الشأن غير منازعين”.
استؤنفت المواجهات بحدة في فلسطين بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. أعلنت الأمم المتحدة مشروع تقسيم فلسطين في تشرين الثاني 1947 قبل أن تعلن قيام دولة إسرائيل في 14 أيار 1948. توجهت خمسة جيوش عربية لمساندة الفلسطينيين في حربهم على هذه الدولة الطارئة، وكانت النكبة. سيطر الكيان الصهيوني على ثمانية وسبعين في المئة من أرض فلسطين، وبات قطاع غزة تابعاً لمصر، بينما ربطت مناطق الضفة بالدولة الأردنية. في حزيران 1948، بدأت الإذاعة المصرية ببث القصيدة التي لحّنها وغنّاها محمد عبد الوهاب عن فلسطين من شعر علي محمود طه، ومطلعها: أخي جاوز الظالمون المدى/ فحقّ الجهاد وحقّ الفدا”. شدّد صاحب القصيدة على تضامن المسلمين والمسيحيين في هذا الجهاد، وتجلّى ذلك في قوله: “يسوع الشهيد على أرضها/ يعانق في جيشه أحمدا”. في تلك الأيام، اعتمدت مصر والأردن سلسلة من الطوابع موشّحةً بكلمة فلسطين على الأجزاء الواقعة تحت سيطرتها، وعمدت المقاومة الفلسطينية الناشئة إلى إصدار سلسلة من الطوابع الرمزية، منها طوابع تجمع قبة الصخرة وكنيسة القيامة تحت عبارة “فلسطين للعرب” بالعربية والانكليزية. تكرّرت صورة الجامع والكنيسة على طابع تعلوه عبارة “يوم سوريا ولبنان”. في القسم الأعلى من الصورة، حضرت أعلام البلدان الثلاثة. وفي القسم الأسفل حلّ بيت من قصيدة أحمد شوقي، “نكبة دمشق”، خلّده صوت محمد عبد الوهاب: “وللحرية الحمراء باب/ بكل يدٍ مضرّجة يُدَقّ”.

فلسطين على كل فم
تحولت فلسطين إلى قضية العرب الأولى، وباتت شغلهم الشاغل. قبل النكبة، في مقالته التي اختار لها عنوان “فلسطين أولاً”، دعا اميل بستاني أهل فلسطين إلى تجاوز “المناقشات البيزنطية”، “فقد ارتفعت اليوم قضية فلسطين إلى المرتبة التي يجب أن تنتفي عندها الخلافات التفصيلية والمنازعات الشخصية”. وأضاف: “على البلاد العربية، وخصوصاً مصر، أن تحتضن القضية الفلسطينية، وأن تعدّها جزءاً لا يتجزأ من القضية العربية”، “فكما أن يهود العالم أجمع يهتفون للقضية الصهيونية، فيجب أن تتولى الشعوب العربية جمعاء الدفاع عن عرب فلسطين”. وقال في الختام: “إن فلسطين موطن روحي لكل عربي سواء كان مسلماً أم مسيحياً، وهي كذلك قلب العروبة الحساس وجسر المواصلات بين أجزائها، وكل تهديد لها بفقدان صبغتها العربية هو دون ريب تهديد لسائر البلدان العربية”. بعد ضياعها، أضحت فلسطين موطناً روحياً “لكل عربي سواء كان مسلماً أم مسيحياً”. اتّحدت صورة الناصري المصلوب بصورة فلسطين المصلوبة، وتجلى هذا الاتحاد في عدد كبير من الأشعار والأغاني، وكان أولها قصيدة “فلسطين” التي أطلقها عبد الوهاب في صيف 1948.
في العام 1961، أصدر صلاح جاهين ديوانه الأول “عن القمر والطين”، وفيه “بكائية” تقول: “نزل المسيح من ع الصليب/ نزل ونام/ في مرج دمع/ من غير قميص/ وتلج شمع/ والمجدلية تميل عليه وتنوح تنوح/ تنده عليه/ تلاغيه/ تولول/ تحضنه/ تندب عليه وكأنها بتهنّنه/ تجدل له مهده من جدايل شعرها/ وتدفنه في صدرها/ ما رضعش منها إلا جرح من الجروح”. المجدلية في الإنجيل هي مريم المجدلية التي تبعت المسيح، وكانت حاضرة عند صلبه ودفنه، وقد ظهر لها يسوع عند قيامته، فذهبت “وأخبرت الذين كانوا معه وهم ينوحون ويبكون”. مثل جاهين، استحضر نزار قباني هذه الشخصية في قصيدة “أصبح عندي الآن بندقية”، وفيها بدت ربى فلسطين “حزينة كوجه المجدلية”. واشتهرت هذه القصيدة بعدما لحّنها عبد الوهاب وغنّتها أم كلثوم في خريف 1969.
قبل ذلك، قدّمت فيروز على مسرح الأرز “زهرة المدائن” في تموز 1967، وهي “قصيدة للأخوين رحباني مهداة إلى القدس” كما جاء في الإعلان، ومطلعها: “لأجلكِ يا مدينة الصلاة أصلّي/ لأجلكِ يا بهية المساكن/ يا زهرة المدائن، يا قدس يا مدينة الصلاة/ أصلّي/ عيوننا إليكِ ترحل كل يوم/ تدور قي أروقة المعابد/ تعانق الكنائس القديمة/ وتمسح الحزن عن المساجد”. صوِّرت الأغنية للتلفزيون في سهرة جمعت بين أغاني الميلاد وأغاني القدس، عنوانها “القدس في البال”، وقدّم سعيد عقل “زهرة المدائن” بقصيدة نثرية قال فيها: “القدس الليلة موجعة. وحدها نسمات الأرز ستقصد إليها بدلاً مني، لكنني سأناديها من بعيد. سأقول كم أحبّها وكم أنا لوجعها موجع، وكم أودّ لو تتحوّل شعاف الصخور من بلادي إلى درع تقيها الغوائل. الليلة لا أملك إلا هذا يا قدس. لكنّي أؤمن بأن صوتاً من عندنا سيصل إلى ربوعك، ويقول لك حبّي. ذاك الذي يحاول أن يُعزّي ويتلفّظ بالأمل”.
بعد فيروز، في خريف 1967، غنّى عبد الحليم حافظ على خشبة مسرح “ألبرت هول” في لندن أغنية عنوانها “المسيح”، كتب كلماتها عبد الرحمن الأبنودي، ولحّنها بليغ حمدي، ونصّها: “يا كلمتي لفّي ولفّي الدنيا طولها وعرضها/ وفتّحي عيون البشر/ للّي حصل على أرضها/ على أرضها طبع المسيح قدمه/ على أرضها نزف المسيح ألمه/ في القدس في طريق الآلام/ وفي الخليل رنّت تراتيل الكنايس في الخلا/ وصبح الوجود إنجيل على أرضها/ تفضل تضيع فيك الحقوق لامتى يا طريق الآلام/ وينطفي النور في الضمير وتنطفي نجوم السلام/ ولامتى يمشي فيك جريح/ ولامتى فيك يفضل يصيح/ مسيح ورا مسيح ورا مسيح/ على أرضها/ تاج الشوك فوق جبينه/ وفوق كتفه الصليب/ دلوقتي يا قدس ابنك/ زي المسيح غريب/ تاج الشوك فوق جبينه/ وفوق كتفه الصليب/ خانوه خانوه نفس اليهود/ وابنك يا قدس لازم/ زي المسيح يعود/ على أرضها”. في ميدان الغناء أيضاً، تحضر في الذاكرة أغنية مصرية أخرى كتب كلماتها أحمد فؤاد نجم، وهي “دعاء الكروان”، وقد غنّاها الشيخ إمام مخاطباً الشعب: “يهوذا خان/ أكم يهوذا وباع مسيح/ لا يهوذا دام ولا جرح بلاد جريح/ مليون يهوذا خان أمانك وإنهلك/ وانت اللي باقي/ عالسواقي/ ومنجلك/ يفرش حصير القمح فوق دم المسيح/ وانت الجريح/ تيجي الأطبّة وتسألك/ ما أعجبك/ ما أنجبك/ ما أجملك/ ما أنبلك/ يا شعب يا نبض الوجود/ الخلد لك/ والملك لك/ الحكم لك”.
تبعت هزيمة 67 سلسلة من الهزائم تتواصل إلى يومنا هذا. حتى نهاية السبعينات، تعدّدت صور تضامن السوريين واللبنانيين مع الفلسطينيين وباتت “فلسطين على كل فم/ يلتقيها في المدى رجع الصدى/ ويؤديها لأفق أعظم”، كما غنّى عبد الوهاب. بعدها، تبدلت الأحوال، وباتت فلسطين شبه غائبة. تضاءل حجمها بعد “اتفاق اوسلو”، وهو اليوم يتضاءل أكثر فأكثر بفعل سياسة القضم التي تتنهجها اسرائيل منذ نشوئها. يبقى لبنان مشغولاً بـ”حروبه الصغيرة” التي لا تنتهي، وسوريا مثله مشغولة بهذه الحروب التي بلغتها بسرعة قصوى خلال أربع سنوات من القتال المستمر. هكذا تحتجب فلسطين وتغيب شيئاً وشيئاً في زمن الاعتراف الدولي بدولة هشة لا تمثل سوى جزء بسيط من مساحتها الجغرافية الطبيعية. في المقابل، تعود ذكرى النكبة من خلال صور المهجّرين اللاجئين القادمين هذه المرة من سوريا والعراق، ويبقى في البال صوت عبد الوهاب وهو ينشد: “وفلسطين خيال كلما هاجك الشوق تجلّى وبدا”.

السابق
كوريا الشمالية: لاجراء تحقيق مشترك مع الولايات المتحدة حول الهجوم المعلوماتي على سوني
التالي
صراع الجميع مع الجميع في انتخابات إسرائيل