«داعش» الجندي الوحيد الحاضر؟

في ظل سخونة الصراع القائم في المنطقة، نشهد نمو نفوذ التنظيمات الإسلامية المتشددة («داعش» وأخواتها و»القاعدة» ومتفرعاتها)، في ديار وبيئات العديد من الدول ومجتمعاتها، بشكل معلن وبأسلوب لافت.
جوهر التحول الحاصل هو أنه برغم حجم الفظاعات التي تمارسها تلك التنظيمات وسلوك أتباعها الوحشي، فان حضورها الشعبي يمتاز بقوته، وقد شكل رافدا وذخيرة لها، عبر إمدادها بالكوادر المقاتلة.
استطاع «داعش»، عبر اعتماد ثنائية المال والعنف كضرورتين إستراتيجيتين (وفق وجهة نظر قادته) لتحقيق مشروعه القاضي بإقامة دولة «الخلافة الإسلامية»، تأمين استقطاب دعم شعبي عريض في العديد من المناطق الممتدة بين غرب العراق وشمال سوريا.
ومن أسباب تفوق «داعش» على غيره من التنظيمات المتشددة انه كان أسبق منها، بل حتى أسبق من الأزمات التي شهدتها المنطقة في ليبيا واليمن وسوريا! فوفق التواريخ المعتمدة، أن 15 تشرين الأول 2006 هو التاريخ الأدق لظهور ما عرف باسم «دولة العراق الإسلامية»، أصل «داعش» وتنظيمه الأم.
أتت ولادة «داعش» في 8 نيسان 2013 على المسرح الميداني، متماهية مع اشتداد موجات العصبية الإسلامية في عدد من الدول، ما اكسب التنظيم أتباعا جددا ومناطق واسعة. حتى أن فصائل كاملة انضمت إلى «داعش»، واتسعت رقعة الجغرافيا الداعشية أحيانا من دون اقتتال فعلي أو نجاحات عسكرية.
كما فتح «داعش»، باب الانتساب إليه على مصراعيه، حتى من دون التمحيص والتدقيق بالمنتسبين له وخلفياتهم، مع تقديم إمكانات مالية مغرية.
وبينما انتقل التنظيم المتطرف، من التركيز على الجماعات إلى التركيز على المجتمعات، ومن صيغة العمل الحركي الهرمي إلى الشبكي التعاوني، عبر الشروع في حملات شاملة لكسب القلوب والعقول من خلال توفير الخدمات الاجتماعية إلى المجتمع الذي دمرته الحرب (كمكتب التواصل في محافظة الرقة السورية، حيث تتضح قوة «داعش» بصورة كبيرة)، فان التعبئة الإسلامية، وفق صيغة تحالف مجموعات متضامنة في إطار أيديولوجيا مشتركة، والتي أقامتها جماعة «الإخوان المسلمين»، للاستيلاء على السلطة، هي في سبيلها إلى التفكك.
اللحظة الحالية سلفية عنفية بامتياز. ثمة تيار يجتاح الجماعات والطبقات والشرائح المجتمعية بطريقة مدهشة، وقد استطاع هذا التيار اختراق «الإخوان المسلمين» حتى ليظهر داخلهم كتيار سلفي مؤثر وكبير، يعتمد سياسات عنفية كتعويض عن الخسائر، وانتقاما من الحكومات والأنظمة التي أسقطتهم وأبعدتهم.
إستراتيجية الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش في العراق العام 2006 التي شملت تدريب وتسليح وتمويل ما عرف بـ «الصحوات» لمساعدة الأميركيين على إلحاق الهزيمة بتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق» ساهمت في التأسيس لظهور «داعش».
في ما بعد، شكلت عملية إسقاط الموصل (عاصمة «داعش») خلال ساعات أعلى موجات الحضور العلني والشعبي للتنظيم.
تمكنت الجماعات الإسلامية المتشددة من فرض نفسها رقما صعبا في المعادلة المجتمعية، ومنافسا شعبياً وحقيقياً على الجغرافيا والدور وخيارات المستقبل، في أقوى صور التعبير عن الإخفاق في عالمنا العربي، وعن فقدان الدولة الوطنية، وعن الانهيار في المشاريع الوطنية للعلاقات بين مكونات المجتمع.
وفي قراءة الأشكال التي اتخذتها الجماعات الإسلامية المتشددة، تحديدا خلال العشرية الأخيرة من القرن الماضي والعشرية الأولى من القرن الحالي، ثمة تباين، طبقا للمكان البيئي الذي تحتله هذه الجماعات. ففي الجبهات المفتوحة حيث حضور إيران والسعودية، تنتقل التنظيمات المتشددة إلى حالة شعبية قائمة على العصبيات، التي يعتمد عليها الأفراد بشكل مباشر في المساندة والمعيشة.
وفي مسعى واشنطن الاستراتيجي لعكس المكاسب التي حصل عليها «داعش» و»القاعدة» في المنطقة، ولإدارة النزاعات المحتدمة بشكل أفضل، ثمة نداءات أميركية متعددة المصادر، لإبرام عقود صداقة طويلة الأجل مع بعض تلك القوى، في تكرار لسياسة المفاوضات الأميركية ـ الطالبانية في أفغانستان لتقرير الخيارات الإستراتيجية الخاصة بمستقبل بعض دول المنطقة، وتقدير مصائر شعوبها.

السابق
هل «خبَّص» أوباما في سوريا ومع إيران؟
التالي
برّي: أَبشر بطولِ إقامة يا ستّين…