أعيادنا الحزينة وأعيادهم الفَرِحَة: عن حبّي الشيعي لبابا نويل المسيحي

بابا نويل
في كلّ أعياد الفطر والأضحى التي مرّت لم أحصل الا على هدية واحدة، ولمرّة واحدة، من أحد أقربائي. أذكر بأنها كانت عبارة عن مسدّس مائي أخضر اللون. لماذا أعيادهم جميلة على العكس من أعيادنا، ولماذا نبدأ أعيادنا بالبكاء على المقابر، ولماذا عندما كان يطلق أحدٌ منّا ضحكة، يردّ الآخر بـ "الله يستر من ورا هالضحكة"، وكأن الضحك أصبح عملاً شيطانياً؟

سلختُ فنداً صغيراً من شجرة صنوبر برّية وأحضرته الى المنزل، حيث ركنته في إحدى زوايا الغرفة وقمت بتزيينه بالقليل من القطن المنتوف.
ركّزت ذلك الفند وراء ثلاثة أحجار من الصوان اللامع بعد أن رتّبتهم على شكل مغارة صغيرة، لأضع في داخلها لمبة صغيرة، كنت قد انتزعتها من مصباح يدوي.
كان أصدقائي من التلامذة المسيحيين في مدرسة القرية ينتظرون عيد الميلاد بفرحٍ كبير. كانوا يروون لنا كيف يتسلل “بابا نويل” الى منازلهم ويضع تحت شجرتهم المزيّنة بالأضواء والشرائط الملوّنة ما يتمنونه من أشياء وهدايا.
في ليلة الميلاد قمت بربط شريط كهربائي رقيق بتلك اللمبة الصغيرة في داخل مغارتي، ثم وضعت على باب تلك المغارة ورقة رسمت عليها بقلم الرصاص صورة راع ملتح وغنمة، قبل أن أطبق جفوني بإنتظار الصباح… كان المسيحيون يقولون لنا بأن ذلك العجوز لن يأتي الا اذا كانت أضواء المنزل مطفأة والغرفة، حيث الشجرة والمغارة، فارغة من الناس.
في كلّ أعياد الفطر والأضحى التي مرّت لم أحصل الا على هدية واحدة، ولمرّة واحدة، من أحد أقربائي. أذكر بأنها كانت عبارة عن مسدّس مائي أخضر اللون.
كنّا نشتري القليل من المفرقعات صباحاً وبعض الحلوى، وبالتالي نستنفذ المال، أو العيدية، باكراً، فالقليل من قضاء بعض الوقت في الأزقة الى حين الغداء. في المساء ينتهي العيد، لنبدأ بإنتظار العيد الذي سيليه بعد الكثير من الأسابيع والأشهر…
تحت ذلك الفند – شجرتي الميلادية – لم أجد في صباح اليوم التالي أي أثر لأية هدية، حتّى اللمبة الصغيرة كانت مطفأة. عرفت بأنّها إحترقت من الداخل عندما لاحظت وكأنها قد طُليت باللون الأسود من الدّاخل… أذكر بأننا كنّا نطلق عليها اسم “زر الانتريك”.
خاب أملي من العجوز نويل وخشيت من غضب أبي عندما سيعرف بأنني “حرقت زر الأنتريك”، رميت حجارة المغارة في الحديقة ووضعت شجرتي أمام الجديْ… بلحظات كان تلاشى كل شيء… لم يبقى من حلمي بالحصول على هديّة سوى أغصان شجرتي التي تحولّت الى قطع عارية لا حياة فيها!
لماذا يحب ذلك العجوز نويل الأولاد المسيحيين ويغمرهم باللطف وبالهدايا، وكيف يستطيع أن يفرّق بيننا وبينهم، ولماذا تكون أعيادهم مليئة بالفرح، على العكس من أعيادنا؟ وكيف لم يزرني ذلك العجوز ويضع لي هديتي، رغم أن منزلي يبعد عن الكنيسة ثلاثة أمتار لا أكثر؟
أيُعقل أن يكون ذلك الآتي من الشمال الاوروبي يملك جاسوساً في كل قرية ومدينة، ومن قال له أن لا يدع لي بعض الهدايا والقليل من الفرح؟
لماذا أعيادهم جميلة على العكس من أعيادنا، ولماذا نبدأ أعيادنا بالبكاء على المقابر، ولماذا عندما كان يطلق أحدٌ منّا ضحكة، يردّ الآخر بـ “الله يستر من ورا هالضحكة”، وكأن الضحك أصبح عملاً شيطانياً؟
في كلّ عام، وفي مثل هذه الأيام، أملأ منزلي بالأضواء والشرائط الملوّنة، بل أسمح لنفسي بأن أحلّ مكان ذلك العجوز اللطيف بابا نويل… تلك “الأسطورة” الوحيدة التي تقف بوجه ليلى والذئب والقتل وطلقة الصياد والأنياب ورعشات الخوف قبل النوم…
في كل ميلاد أعود طفلاً، كما كنت عندما خاب ظنّي… أفرح بالهدية التي أتلقاها ككل الأطفال.
عندما أتسلل وأضع الهدايا قرب شجرة الميلاد في كل عام، أشعر وكأنني قد دخلت المنزل من “قسطل الصوبيا”، فأبدأ وبفرح بإزالة “الشحبار” الأسود عن ملابسي!

السابق
اشتباكات عنيفة بين الجيش اللبناني والمسلحين في جرود عين عطا
التالي
تسريب حزب الله خبر اكتشاف القيادي العميل: خدمة لإيران؟