وزير المال: مصرّون على المحاسبة في الدوائر العقارية

أهي حرب على الفساد حقاً في أروقة الجمهورية خلال الوقت المستقطع من سني عمرها الضائعة وفي ثنايا اداراتها الرسمية ام يخيل الينا؟ هل وصلت مكافحة الرشوة والخوات فعلاً الى الدوائر العقارية؟

ضرب الفساد حلم عمره من عمر الاستقلال الى درجة جاز الرهان في الدوائر العقارية على امتداد البلاد على امكان دخول مواطن واحد مكاتبها لينجز معاملة وخروجه، من دون ان يجبر على دفع الرشاوى والخوات “البرانية” تحت طائلة تهديده العلني المكشوف بتضييع المعاملة في احسن الحالات.
الحكايات في هذا السياق لا تحصى، لكنها تتقاطع عند حقيقة واحدة هي: الداخل من المعاملات الى الدوائر العقارية مفقود حتماً، والخارج منها مولود بفعل “انقاذه” على ايدي مخضرمين من السماسرة يجيدون فن “الانقاذ” وحدهم دون سواهم.
القصص والاخبار مخيفة، لكنها تتوقف دائما عند نقطة تحوز اجماعا عليها ان عملية تطهير الدوائر العقارية استعصت على العهود والحكومات المتناوبة منذ الجمهورية الاولى، الى ان قرر وزير المال الحالي علي حسن خليل ان يتجرأ على شق غمار هذا الملف الصعب، وبدأ اتخاذ اجراءات لم يتجرأ عليها وزير مال قبله.
اجراءات الوزير خليل “التطهيرية” كثيرة ومتعددة الوجه، والملف الابرز فيها بعد احالة موظفين في الدوائر العقارية على النيابة العامة بتهم تلقي الرشى وفرض “خوات”، ومنع السماسرة من دخول مكاتبها، حتى اشعار آخر، كان ملف الاستيلاء على المشاعات والاراضي العائدة للدولة، وهو ملف ايضا اكبر من “مغارة علي بابا نظرا الى السرقات وعمليات السطو الفاضحة على ملايين الامتار من املاك الدولة الخاصة والعامة والمشاعات، والتي تحدث منذ عشرات السنين تحت عيون الحراس والتجار والحكام معا، من دون ان يجرؤ احد على المحاسبة. فأي سر وراء اقدام الوزير خليل على هذه الخطوة واقتحامه ملفا محميا كهذا، وهل سيكمل المشوار الى نهايته؟ وما مصير الاملاك والمشاعات التي كانت مصادرة، او مستولى عليها، او مزورة؟ هل تتم استعادتها الى املاك الدولة، وماذا عن الانشاءات التي اقيمت عليها؟
اسئلة وجهتها “النهار” الى الوزير خليل بعيد اصداره قرارا في 9 من الشهر الجاري احال بموجبه على النيابة العامة ملفات الاستيلاء على المشاعات في بعض البلدات والقرى، مدعياً على كل من شارك فيها. وقد بلغ عدد البلديات التي شملها الادعاء حتى اليوم 27 بلدة شارك في عمليات المسح فيها مختارون ومساحون ومكاتب مسلحة واشخاص عاديون وطاولت اكثر من 50 الف دونم من الاراضي.
الوزير خليل اجاب: “نحن في المبدأ نفكر بتصحيح الخلل الذي خسر الدولة عشرات الاف الدونمات، أي ملايين الامتار المربعة من الحقوق، وهي اما مشاعات لعموم اهالي القرى، او املاك دولة عامة، او املاك دولة خاصة”.
يعول خليل على أهمية ما تحقق في هذا المجال باعتبار ان “الملف بات الآن كرة ثلج تتدحرج وتكبر يوميا، ولاحظ الجميع اننا ادعينا بداية اكتمال الملف على مجموعات استولت على الاملاك العمومية والمشاعات في 22 قرية، والان اصبح عدد القرى المدعى فيها على اشخاص استولوا على الاملاك العامة 27 قرية بفعل ابلاغ الاهالي عن مخالفات قديمة، وهذا عائد الى انهم عندما راوا الامور تتخذ المنحى الجدي، واننا مصرون على اعادة الاملاك العامة ومحاسبة كل من استولى عليها وساهم في التزوير، بدأوا بتقديم الاخبارات. وبالتالي الامور مفتوحة، ولا شك في انها ستتطور في اتجاه ما يساعدنا في استعادة القدر الاكبر من الاملاك العمومية”.
من هذه النقطة ينطلق خليل الى تبني نظرية ان “اثارة الملف في ذاتها مهمة جدا، وقد فتح الناس ابواب الاعتراضات والشكاوى واشاروا الى ان تراكم عمليات الاستيلاء على الاملاك العامة بات عرفا”. وقال: “النائب العام المالي باشر التحقيق في الدعاوى التي اقمناها لديه، وبدأ باستدعاء المتورطين فيها، وبالتالي باتت امام النيابة العامة مهمات جسيمة ومتعددة تكمن في الدرجة الاولى في تحديد المسؤوليات وتحديد احجام عمليات الاستيلاء على الاراضي وتحديد اين اصبحت وفي اي مرحلة، وطبيعة المخالفة والمسؤولين عنها بصفتهم الشخصية والمعنوية وملاحقتهم وفق الاصول. ومن جهتنا نؤكد ان هدفنا بالدرجة الاولى هو الوصول الى استعادة كل الملكيات التي تم الاستيلاء عليها ومحاسبة المخالفين”.
وبسؤاله عن الآليات القانونية لاستعادة هذه الاملاك العامة والمشاعات الى ملكية الدولة ومصير الانشاءات التي اقيمت عليها، قال: “طبعا سنستعيد كل شيء، ولكن الآليات التي ترعى طبيعة عمليات الاستعادة ستكون بلا شك في يد القضاء، فهو يحدد آليات الاستعادة في احكامه تبعا لكل حالة، ومن يحدد ما اذا كان ممكنا استعادة الاراضي او غير ذلك من خيارات اخرى في حالات مغايرة”.
وختم خليل: “من جهتنا كوزارة، جمدنا عمليات المسح وطلبنا توقيف تثبيت المحاضر المحررة من المساحين في المناطق وعدم اعطاء افادات عقارية لها ومتابعة الملف قضائيا، ونظمنا كل الادعاءات اللازمة لانطلاق المحاكمات والدعاوى والمحاكمات اللازمة على طريق استعادة الاراضي المسلوبة من الدولة”.

السابق
زحمة خلافات أمام مجلس الوزراء غداً.. وهيل ينتقد الرابية
التالي
الرياض: جعجع ممر إلزامي لاختيار الرئيس