مظلومية قاتلة

ـــ ١ ـــ

..ووصل الجنون إلى «سيدني». عابر للقارات، حمل معه الهوس بالمجد الغابر، ورغبة في استعادته بشكل شخصي، كنصيب في ميراث مسروق، كما تعلمه الخرافات منذ الولادة.
المهووس قُتل بعد أن رفع علم «الدولة الإسلامية» مجسّداً ما قاله شيخ عبر القارات واستقر في استراليا ليعلن صيحته: «..المسلمون أحق بهذه البلاد»..
نرجسية مجروحة لم تعد مجرّد هامش دموي على تاريخ علاقة المسلمين بالحداثة، لكنها أصبحت المتن الباقي من هراء اسمه «الصحوة الإسلامية» التي ذابت وتحلّلت أغلفتها الأنيقة كإجابة على سؤال «لماذا تخلّفنا؟»، أو فبركة إيديولوجية رأت فيها «حركة تحرّر شعبية من الاستبداد».
المظلومية التاريخية / للاسلام المضطهد / والإسلاميين المنبوذين كشفوا بعد تجارب الحكم من «داعش» إلى «الإخوان» أن القتل ليس «ضرورة» لكنه علامة تأسيس عند طلاب الخلاص… وذلك من أجل استرداد السلطة المسلوبة بالحداثة (ودولتها التي مازالت عرجاء… في بلاد الأغلبيات المسلمة).
ـــ 2 ـــ
… كل خلاص مدمّر…
فالواقع الذي يبني على قدرة خلاصية يقود إلى القتل.. الجنرال الأميركي كولن باول عندما كان وزيراً لخارجية بلاده اعتمد في العام 2003 على كذبة في خطابه التبريري لضرب العراق أمام الأمم المتحدة.. الكذبة اشتركت فيها 3 عناصر: الأول ـ المخابرات الأميركية التي قرّرت استخدام دول كاملة بينها مصر كملاعب للتعذيب بعيداً عن أراضيها واحتراماً لقوانينها. والثاني ـ مصر التي استخدمت خبراتها في التعذيب ووضعت العنصر الثالث وهو (الشيخ الليبي) أو محمد عبد العزيز الفخيري الليبي الجنسية المنتمي إلى تنظيم من تنظيمات الأممية الإسلامية، واعتقل في باكستان بعد تفجيرات 11 أيلول 2001، واستخدمت الخبرات المصرية في التعذيب كتقنية اعتراف تمّ بعد وضعه في صندوق صغير 50 × 50 سم أكثر من 17 ساعة مع جولات من الضرب واللكم جعلته يخترع معلومة: سفر 3 عناصر من القاعدة إلى العراق لفهم المزيد عن الأسلحة النووية.
الكذبة تحت التعذيب صنعت دماراً للعراق / ونمواً للتنظيم الأكثر دموية وتطرفاً (داعش)… بمعنى آخر كشفت الخلل الكبير عند أميركا، قائدة العالم بنظامه الراعي للدول القومية / ونقيضها الأممي «القاعدة» فـ «داعش»… عن تجنب العنف الدموي أو التدمير من حيث يدعي كل طرف أنه «مقاتل من أجل العدالة».
ـــ 3 ـــ
الخيال المحاصر بالمظلومية لا يثمر إلا القتل.
والرومانتيكيون الحالمون بعالم جديد يبحثون عن خلاص عند أفكار وُلدت في مستنقع الكراهية، فتتحوّل مجموعات الطلاب الحالمين في «طالبان» إلى وحوش تقتل أكثر من 100 طفل في مدرستهم.
الخيال الخلاصي يجذب القطاعات الرومانتيكية تلك ويحوّلهم إلى «قتلة بالأجر» عند أجهزة مخابرات أو أنظمة، ثم يتضخم الوحش بكل محمولاته من النرجسية الجريحة والكراهية والرغبة في الحصول على «نصيب» من السلطة المقدسة، فتبدأ الحرب على الإرهاب.
القتل ليس خياراً لدى أصحاب ثلاثية (الصحوة / الخلاص/ المظلومية) لكنه مكوّن رئيسي، لا يحتاج إلى حرب على الإرهاب على الطريقة المحلية (عنف الدولة + تجييش المجتمع + تجبر السلطة + إثبات التديّن في صورته المعتدلة) ولا العالمية (شن حروب دولية + تمويل تنظيمات إسلامية ضد تنظيمات إسلامية + البحث عن الوجه الإسلامي المعتدل)…
هذه الطرق تدور في حلقة مفرغة، تزداد وحوش الخلاص الإسلامي شراسة، ويعيشون بمنطق «شتات الغزاة» فيحوّلون العالم إلى بؤر دموية انتظاراً لعودة الخلافة من مرقدها.
نحتاج خيالاً جديداً…

http://assafir.com/Article/20/390687/MostRead

السابق
توسيع إسرائيلي لمنتجع جبل الشيخ
التالي
ورشة تركيب أجهزة رصد إسرائيلية في الوزاني