جنبلاط مع «الحشيشة»… ما واقعية الأمر؟

تغريدة لاقت ترحيب “الخارجين” عن القانون، الذين يزرعون الممنوع ويحصدون الحشيش والأفيون، إذ أشعل كلام النائب جنبلاط قبل أيام على “توتير” مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما الشباب المؤيّدين لتغريدته الشهيرة: “آن الأوان للسماح بزراعة الحشيش، وإلغاء مذكرات التوقيف بحقّ المطلوبين في هذا الحقل”، وربما تُرفع فوق مكاتب مزارعي الحشيش، بعد أن يصبح مطلب البيك حبراً على ورق كتاب التشريع.

كَسْر التابو القائم حول هذه النبتة ليس جديدًا، فوزير السياحة السابق فادي عبود طرح تشريع زراعتها للاستعمالات الطبية والتصدير، الأمر الذي دفع برئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” حينها إلى طرح معادلة الحشيشة أم الكبتاغون، ليخلص إلى نتيجة مفادها ألا خوف من تشريع زراعة الحشيشة لدواعٍ طبية.

مبادرة سبّاقة
رئيس تجمّع مزارعي البقاع ابرهيم ترشيشي شكر في حديث لـ”النهار” وليد بيك “على هذه المبادرة السباقة فعلاً”، وقال: “إنه رجل واقعي، يعلم بواقع المزارعين والزراعة حالياً، خاصة في ظلّ عدم الاستقرار الذي يدور حولنا، حيث لم يبقَ أمامنا سوى تلك المبادرة التي تفكّ أزمة المزارعين، لكن مع تحفّظنا كتجمع، فنحن ضد هذه الزراعة طالما لا يوجد قوانين تشرّعها”.
وأمل ترشيشي أن تستكمل شجاعة جنبلاط بقوانين تضبط طريقة زراعة الحشيشة وتسليمها وكيفية استلامها، كي لا يتفشى استعمالها بين الشباب، ولفت “اذا تم اقرار قانون يشرح كيفية تصريفها واستعمالها للأغراض الطبية نستطيع عندئذ أن نقول إننا مئة في المئة مع تلك الزراعة، كون أرضنا وبيئتنا تناسبها”.

تمييز وعتب
الحشيشة اللبنانية التي تزرع في شهر شباط وتُحصد في أيلول، لتجفّف بعدها تحت أشعة الشمس ثلاثة أيام، قبل أن تدخل إلى الهنغارات لتبرّد، ثم يتمّ دقها أو طحنها لتتحول إلى بودرة، تعتبر من أفضل الأنواع عالمياً، وتتميّز بكلفتها المنخفضة “فهي لا تحتاج إلى جهد كبير ولا موادّ كيماوية، كما توجد منها أنواع بَعْلية لا تحتاج إلى ماء، وهي تلائم تلك المنطقة التي تعاني أصلا من شح المياه”.
لترشيشي عتب على تمييز الدولة بين أقسام البقاع الثلاثة في زراعة هذه النبتة “فإذا زُرِعت في البقاع الشمالي أي في بعلبك وضبط من زرعها فجلّ ما يطلب منه إذا تمّ توقيفه أن يقوم بِتلفها، أما في البقاعين الأوسط والجنوبي فيلاحق زارعها ويُحال إلى محكمة الجنايات، فيُحكم من ثلاث الى سبع سنوات”.
المستفيد الأول من هذه الزراعة هو التاجر الذي يبيعها للمصدّرين، ويتوقف الأمر على مدى قدرته ومعرفته بتسويقها. أما المزارع فمردوده أقل بكثير حسب نوعية الحشيشة التي تقسم الى ثلاثة أبواب، حيث يبلغ سعر الهقة (1200غ) من الباب الأول ويسمّى الزهرة بين 250 إلى 300 دولار، أما الباب الثاني فسعر الهقة 150 دولار والثالث بمئة دولار.

“طرحه انتحار”
على عكس ترشيشي اعتبر الخبير الاقتصادي الدكتور لويس حبيقة في حديث لـ “النهار” أن طرح جنبلاط “انتحار وهو غير مدروس وشعبوي ومرفوض كلياً”، وقال: “أنا ضد هذا الكلام، أولاً لأسباب أخلاقية، فزراعة هذه النبتة وتشريعها يعنيان ارتفاع نسبة استهلاكها من قبل الشباب، وكأنه لا يكفي لبنان خسارة بهجرتهم”.
وأضاف: “أضف أن هذا الطرح مضرّ من الناحية الاقتصادية، ولن يزيد مدخول خزينة الدولة، لأن لبنان سيوضع على اللائحة السوداء، فالحشيشة كالارهاب كلاهما مخالف للقوانين الدولية، وستظهر انعكاساته من خلال توقف المساعدات والهبات الخارجية، فالمجتمع الدولي سيقوم بمقاطعتنا، كما ان عدة استثمارات ستغادر البلاد”.
الأمر الثالث الذي لفت إليه حبيقة “هو تعرض اقتصاد البلد للانقلاب رأساً على عقب، حيث سيتجه الجميع إلى زراعتها، ما يعني التوقف عن الزراعات الأخرى، وكذلك الأمر بالنسبة إلى بعض الصناعات، وسيظهر ذلك في وقت قصير”.

الفرق بين السماح والتشريع
وكذلك أكد أستاذ القانون الدولي الدكتور حسن جوني أن تشريع هذه النبتة أمر “لا يستطيع لبنان تحمله ومواجهة المجتمع الدولي الذي يعمل على محاربة زراعة المخدرات وإنتاجها وصناعتها وتجارتها واستهلاكها وملاحقة مرتكبيها”. جوني ميّز بين تشريع هذه النبتة والسماح بها، حيث يكون السماح للاستعمال الشخصي مع منع المتاجرة بها كما هو الحال فيما لو تمّ تشريعها، وتطرق الى الاختلاف بين الدول الغربية في الحكم على أنواع المخدرات والاتجار بها، لافتاً الى أن “الاتفاق الدولي لمراقبة المخدرات، وضع الحشيش ومشتقاته تحت الرقابة الدولية، إلا أن بعض الدول الأوروبية، مثل هولندا وبعض الولايات في أميركا وضعت تشريعات تسمح باستعمال الحشيش باعتبارها مخدراً خفيفاً”.

أسباب عديدة للرفض
أما جمعية “جاد” فرفضت كلام جنبلاط لأسباب عديدة وأصدرت بيانًا حوله، وقد شرح رئيسها جوزيف حواط لـ “النهار” أن “الأموال التي تعود من زراعة المخدرات وتجارتها تعود إلى الدعارة والارهاب والسلاح وليس الى تنمية الاقتصاد. ثانياً لا يوجد ما يسمى تشريع حشيشة لصناعة الدواء، الدواء الوحيد الذي وافقت عليه وكالة التغذية الأميركية هو الدواء لعلاج السرطان لكنه غير معترف به حتى الآن من قبلها، إذ لا يزال قيد الدرس، كما أنهم لا يستعملون الحشيشة بل الافيون. ثالثاً هناك شروط دولية قاسية على الكمية والنوعية التي يتمّ زرعها، واذا كانت الدولة اللبنانية غير قادرة على تنفيذ قانون حزام الأمان، فكيف ستستطيع تنفيذ قانون الحشيش. رابعاً سيصبح لبنان مقصداً لمتعاطي المخدرات من كافة أنحاء الدول العربية والعيش فيه، تماما كما وقعت امستردام في هذه المشكلة بعد ان قصدها متعاطو المخدرات في اوروبا”.
وختم متسائلاً: “ألا يكفي الحالات اليومية التي تقع نتيجة الجرعات الزائدة من المخدرات وتدنّي أعمار المدمنين حتى نسمع بمشاكل الحشيش؟!”.

السابق
مكتبة الاسكندرية احتفت بالذكرى الثامنة لرحيله الشاعر جودت حيدر
التالي
روبن وليامز يتصدر عمليات البحث عبر «غوغل»