اختبار فرنسي لإيران في تأييد رئيس توافقي.. والفاتيكان يتعهد تعديل موقف عون

كتبت الحياة : يفترض أن يشكل الحوار المرتقب بين تيار «المستقبل
و «حزب الله حافزاً للقيادات المسيحية للدخول في حوار مباشر لعله ينتج تفاهماً يدفع في اتجاه التوافق على رئيس جديد للبنان، خصوصاً أن بعض هذه القيادات أخذت تتصرف كأن هذا الحوار المنتظر سينتهي بصفقة ثنائية بين السنّة والشيعة ستكون مرجحة في انتخاب الرئيس، مع أنها تدرك سلفاً أن سقفه لن يتجاوز تنظيم الاختلاف بينهما وسيبقى محصوراً في تنفيس الاحتقان المذهبي والطائفي.

وعلمت «الحياة” من مصادر سياسية مواكبة للتحضيرات الجارية لبدء الحوار بين «المستقبل و «حزب الله، أنها لا تستبعد إمكان انعقاد الجلسة الأولى قبل نهاية العام الحالي مع أن لا شيء محدداً حتى الآن، بانتظار عودة نادر الحريري مدير مكتب الرئيس سعد الحريري من الولايات المتحدة الأميركية.

وأكدت المصادر نفسها أن تحديد الموعد النهائي لبدء الحوار الذي يواكبه رئيس المجلس النيابي نبيه بري من خلال معاونه السياسي وزير المال علي حسن خليل، يتوقف على التفاهم على جدول أعماله ومكان انعقاده والمشاركين فيه، وقالت إن انعقاد الجلسة الأولى من الحوار قبل نهاية هذا العام يمكن أن يشكل مناسبة لخفض منسوب التوتر بين الطرفين على قاعدة إقرارهما بضرورة ربط النزاع بينهما حول نقاط الاختلاف وأبرزها: سلاح «حزب الله في الداخل ومشاركته في القتال في سورية والمحكمة الدولية الخاصة بلبنان الناظرة في جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري والخلل في تطبيق الخطة الأمنية في البقاع الشمالي، وأخيراً «سرايا المقاومة المدعومة من الحزب، والتي تسببت أخيراً بإشكال مع شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي في حي التعمير في صيدا.

ولفتت المصادر عينها إلى أن الحوار يمكن أن يؤدي إلى التداول في ملف انتخابات رئاسة الجمهورية من دون أن يثمر أي تبدل في موقف الطرفين من هذا الملف. وقالت إن مقاربته تبقى في حدود ضيقة لئلا «تستفز بعض الأطراف المسيحيين الذين يمكن أن يستغلوها للتحريض عليها من زاوية أنهما يحتكران القرار في حسم الملف الرئاسي.

وسألت هذه المصادر عن الأسباب التي تمنع الأطراف المسيحيين من الحوار، مع أن الحريري كان نصح رئيس «تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون عندما التقاه منذ حوالى السنة، بضرورة قيام حوار مسيحي – مسيحي لأن لا شيء يمنع من حصوله.

واستغربت المصادر تردد عون في فتح حوار مع المسيحيين بالتوازي مع حواره مع «المستقبل، على رغم أنه لم يترك تهمة إلا ألصقها به.

وكشفت أيضاً أن وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل نصح الوزير جبران باسيل بضرورة التسريع في الحوار المسيحي – المسيحي، وأبلغه بأن المملكة تدعم أي توافق بين القيادات المسيحية حول رئاسة الجمهورية. وقالت لا صحة لما يتردد من حين إلى آخر بأن الرياض تضع «فيتو على انتخاب عون رئيساً للجمهورية. وتابعت المصادر أن عون لم يكترث للنصائح التي أسديت له وكان آخرها من الحريري الذي أكد له أن لا «فيتو من جانبه على ترشحه للرئاسة، وأنه يدعم كل ما تتفق عليه القيادات المسيحية في هذا الشأن، لكنه اعتبر أن كل من يدعمه في ترشحه يضع «فيتو
على وصوله إلى رئاسة الجمهورية.

ولفتت إلى أن أي حوار لا تكون فيه القيادات المسيحية حاسمة في قرارها حيال رئاسة الجمهورية سيبقي على التوازن في البلد هشاً وإن كان يؤدي إلى تبريد الأجواء. وقالت إن نجاح الحوار يتطلب إخراج ملف الرئاسة من التأزم والمراوحة لأن أي خطوة أخرى ستبقي على الشلل المسيطر على حكومة الرئيس تمام سلام التي ما زالت عاجزة عن التصدي لعدد من القضايا العالقة وأصبحت بمثابة هيئة رسمية لإدارة الأزمة بسبب تعدد الرؤوس فيها الذي سمح لأي وزير بأن يكون له حق الـ «فيتوحتى في الأمور العادية.

ورأت أن وضع البرلمان ليس أفضل حالاً من الحكومة، مبدية تفهمها لامتناع أطراف مسيحيين عن حضور الجلسات المخصصة للتشريع لئلا يسود الرأي العام في لبنان انطباع بأن الأمور ماشية في البلد وأن لا شيء يعيق تسييرها على أحسن ما يرام في ظل الفراغ السائد في سدة الرئاسة الأولى.

واعتبرت المصادر أن البرلمان سيواجه مشكلة تتعلق بإقرار قانون جديد للانتخابات النيابية، ما لم يسبقه انتخاب الرئيس، وقالت إن هناك شبه إجماع على ترحيل إقرار القانون إلى ما بعد انتخاب الرئيس، وعزت السبب إلى أمرين الأول يتعلق باستحالة تأمين النصاب القانوني لعقد جلسة تشريعية لإقراره والثاني لغياب الرئيس الذي يفترض أن يكون له رأي في القانون، مع أن جهات نيابية تعتبر أن هناك إمكانية لإقراره شرط عدم نشره في الجريدة الرسمية ليصبح نافذاً إفساحاً في المجال أمام أول حكومة تشكل فور انتخاب الرئيس لأن تطلب استرداده لإعادة النظر فيه.

لذلك، فإن الحوار الذي يجرى التحضير له بين «المستقبل و «حزب الله
سيبقى في حدود تعليق الاشتباك السياسي القائم بينهما، إضافة إلى أنه يؤدي إلى تمرير الوقت، إنما على «البارد هذه المرة، بانتظار أن تصبح الظروف ناضجة لانتخاب الرئيس كما أن هذين الطرفين – وفق المصادر – لا يستطيعان أن يقولا «لا
للحوار، خصوصاً «المستقبل الذي لم ينفك يدعو، في كل مناسبة إلى الحوار.

الحوار في الداخل ينتظر التحرك الفرنسي

لكن المصادر المواكبة لا تغفل أهمية التحرك الفرنسي من خلال مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الخارجية الفرنسية السفير جان فرنسوا جيرو الذي سيتوجه في الساعات المقبلة إلى طهران ومنها إلى الرياض، وتعتبر أن هناك ضرورة لاختبار مدى جدية القيادة الإيرانية في قرارها دعم تفاهم اللبنانيين على رئيس توافقي، خصوصاً أنها لم يسبق لها أن وافقت على مثل هذا التوجه.

ورأت هذه المصادر أن الموقف الإيراني من انتخاب رئيس توافقي يبقى في حدود رغبة طهران في تسجيل موقف جديد يمكن أن تبيعه للولايات المتحدة الأميركية مع استئناف المفاوضات حول الملف النووي الإيراني، بعدما تقرر تمديد المفاوضات بينهما لسبعة أشهر جديدة، ما لم تقرنه بخطوات عملية أولها حضّ قيادة «حزب الله على السير في هذا الاتجاه الذي لن يرى النور إذا لم تبدل موقفها من عون بذريعة أنها تدعمه طالما أنه يصر على الترشح، وتترك له القرار في هذا الخصوص. وأكدت أن جيرو لم يكن ليتواصل مع طهران لو لم تشجعه على التحرك لإخراج لبنان من التأزم الذي يلف الملف الرئاسي، فارتأى بالتالي أن هناك ضرورة لاختبار موقفها لمعرفة ما إذا كانت جدية في قررها أم إنها تبيع موقفاً اعلامياً غير قابل للصرف ظناًَ منها أن عون لن يتجاوب مع رغبتها وأنه سيحرج «حزب الله في ما لو فكر بالتخلي عنه.

ورأت أن لا مشكلة تعترض جيرو في المحادثات التي سيجريها في الرياض باعتبار أن لا لبس في موقفها، وهي كانت وما زالت تؤكد تأييدها للتوافق بين المسيحيين حول الرئيس الجديد، لكنها سألت في المقابل عن مدى التفويض الأميركي – الفاتيكاني للموفد الفرنسي إلى طهران، وما إذا كانت الأخيرة ستترجم رغبتها في تبدل موقفها إلى خطوات عملية أم إنها تفضل أن تبيع موقفها لواشنطن؟

إلا أن هذه المصادر اعتبرت أن إيران في مأزق اقتصادي كبير مع خفض أسعار النفط وهي تحاول الآن أن تخفف الضغط المفروض عليها، وتعتقد أن لا مفر أمامها سوى «التنازل
في مكان ما، وربما في لبنان لأنها لا تستطيع أن تتراجع عن دعمها النظام في سورية، وبالتالي فإن تنازلها لن يفقدها ورقة الضغط من خلال إصرارها على موقفها من الحرب الدائرة في سورية.

أين الفاتيكان من تحرك جيرو؟

لذلك، فإن تواصل جيرو مع الفاتيكان يطرح سؤالاًَ يتعلق بقدرته على إقناع عون بتعديل موقفه لأنه يخفف عن حليفه «حزب الله اتخاذ القرار الذي يصب في خانة التوجه الإيراني الرامي إلى دعمه للتوافق على الرئيس، خصوصاً أن طهران لا تستطيع أن تعزو عدم قدرتها على الالتزام بما وعدت به إلى تصلب «حزب الله في موقفه المؤيد بلا شروط لعون.

وتردد في هذا السياق أن أكثر من مسؤول في الفاتيكان أكدوا امتلاكهم المعرفة التامة في كيفية التعامل مع عون لإقناعه بتعديل موقفه وهذا ما أسروا به إلى عدد من السياسيين اللبنانيين الذين زاروا الفاتيكان أخيراً.

وماذا عن موقف موسكو؟

أما في خصوص الموقف الروسي من التحرك الفرنسي، فأكدت المصادر المواكبة أن مساعد وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف كان تحدث في لقاءاته مع القيادات اللبنانية باللغة نفسها التي تحدث معهم فيها جيرو، وركز على تأييد موسكو إعلان بعبدا الحفاظ على الاستقرار في لبنان وضرورة التوافق على انتخاب الرئيس.

وبدا للذين التقوا بوغدانوف في طريقه إلى دمشق ولدى عودته منها متوجهاً إلى موسكو، أن الأخير على تناغم تام مع جيرو، كأنه مع تحييد لبنان عن الصراع في المنطقة بما يؤمن الظروف لانتخاب الرئيس.

ونقلت المصادر عن بعض الذين التقوا بوغدانوف قولهم إن موسكو وطهران لا تعترضان على تقديم «تنازلات في لبنان تسمح بانتخاب الرئيس بذريعة أن روسيا لا تستطيع أن تتنازل في أوكرانيا أو في الملف السوري، على رغم أنها تحاول أن تجمع النظام السوري ومعارضيه تحت سقف واحد…

وأكدت نقلاً عن هؤلاء قولهم إن موسكو تسعى للالتفاف على العقوبات المفروضة عليها بسبب تدخلها في أوكرانيا، وترى أن لبنان يبقى البلد الأقل كلفة إذا ما سهلت انتخاب الرئيس.

عليه، فإن لا ضرر من الحوار أكان بين «المستقبل و «حزب الله أو بين المسيحيين أنفسهم، ويمكن أن يدفع في اتجاه تمرير الوقت ريثما تتكشف النيات الروسية والإيرانية على صورتها الحقيقية للتأكد من مدى جدية البلدين في إنجاح تحرك جيرو الذي كان وراء الاستنفار السياسي لعون الذي يشغّل محركاته السياسية والإعلامية تصعيداً كلما لاح في الأفق أي تحرك يصب في خانة التوافق على الرئيس، وهذا ما فعله خلال وجود جيرو وبوغدانوف في بيروت.

السابق
باريس قلقة من سيطرة داعش بقاعاً وشمالاً
التالي
العسكريون المخطوفون.. اقصاء هيئة العلماء من الوساطة