حزب الله وسراياه في صيدا و«الأمن المستحيل»

كشفت حادثة تعمير عين الحلوة في منطقة صيدا أمس بعد ان تصدى مسلحون من حزب الله مدعومين بسرايا تابعة لهم لقوة امنية من فرع المعلومات التابعة للدولة، ان الأمن غدا مستحيلا مع وجود هذه الكثافة من المسلحين في مختلف المناطق اللبنانية خارج مربعاته الامنية والبيئة الحاضنة لـ"المقاومة" والمدعومة منه عدّة وعديدا وتمويلا لغرض الهيمنة على المناطق المحايدة والسيطرة عليها.

أوردت وكالات الانباء أمس، ان دورية كانت تتعقب المطلوب محمد الديراني وهو ايضا المسؤول في “سرايا المقاومة” التابعة لحزب الله وذلك بعد فراره من حارة صيدا باتجاه منطقة تعمير عين الحلوة حين بادر المذكور إلى إطلاق النار على الدورية أثناء مداهمتها محل والده، فردّ عناصر “المعلومات” على مصادر النيران، فيما نفّذ بالمقابل مسلحو “السرايا ” انتشاراً ميدانياً وتصدوا للقوى الأمنية و عمدوا إلى إطلاق النار على أفراد شعبة “المعلومات” لمنع تقدمها باتجاه منزل المطلوب الديراني، ثم حضرت إلى المنطقة تعزيزات عسكرية وأمنية أعادت السيطرة على الوضع.

و تمكنت شعبة “المعلومات” من توقيف أحد عناصر هذه الميليشيا الفلسطيني محمود أحمد المسبّب الرئيس بالإشكال المسلّح، في حين فرّ الديراني وتوارى في أزقة التعمير، علماً أنه مطلوب للقضاء باعتباره أحد المشتبه بهم الرئيسيين في جريمتي قتل اثنين من أنصار الشيخ أحمد الأسير كانوا يتظاهرون سلما يومها في تعمير عين الحلوة أواخر العام 2012.

وقد استنتج المراقبون جملة من معطيات شاذة تولّدت عن هذه الحادثة:

الأولى، ان حزب الله وسراياه ما زالوا موجودين بسلاحهم في مدينة صيدا والجوار، على الرغم من مرور حوالي سنتين على معركة عبرا التي انتهت باخراج عدو الحزب الشيخ الاسير وانصاره منها، وكسر شوكته ومناصريه بعد الاستعانة بالجيش اللبناني لهذه الغاية.

والثانية، ان حزب الله مصرّ على حماية المطلوبين للدولة من أنصاره ولو كانوا متهمين بالقتل، وان الديراني المتهم بقتل اثنين من انصار الاسير لا يقل أهميّة عن المطلوبين للمحكمة الدولية بتهمة اغتيال الحريري، فالقاعدة هي: “من دخل جنّة حزبي فهو آمن”، ولو كان مطلوبا للعدالة ومشتهرا بالقتل والسلب والتشبيح.

أما الثالثة فهي عجز الدولة حتى مع “فرع المعلومات“، المتخصص أمنيا وعسكريا أكثر من غيره في تنفيذ أمر الدولة باعتقال المتهم، وان المتهم الآخر المتسبب بالاشتباك الذي بادر واطلق النار على القوى الشرعية، لم يعتقل الا سلما، وذلك بعد تدخل مباشر من قيادة حزب الله لتأمين هذا الاخراج الذي يقي من الإحراج، وهذا ان دلّ على شيء فانه يدل على القوّة العسكرية الوازنة لحزب الله في منطقة صيدا والتي لا تسمح ان يمرّ أي عمل أمني أو عسكري للقوى الأمنية الشرعية دون إذن منها.

واستنتاجا يمكننا القول ان هيبة الدولة التي تتآكل يوما بعد يوم بفعل خلل أمني متنقّل، لا يساهم بها فقط خطف العسكريين اللبنانيين من قبل منظمتي داعش وجبهة النصرة الارهابيتين، ولا يساهم بها ما روّجت له الوسائل الاعلامية اللبنانية بكلامها عن حشد من قادة التنظيمات الاسلامية المتطرفة موجود حاليا داخل مخيم “عين الحلوة” الفلسطيني وهؤلاء يستعدون لتنفيذ عمليات ارهابية تستهدف مناطق لبنانية معيّنة، فما حدث أمس خارج هذا المخيّم وعلى تخومه القريبة أظهر أن قوّة مهيمنة وحيدة تتحكّم بالأمن تطوّق المخيّم وتطبق حتى على القوى الأمنية الشرعية عند الحاجة، وتحيل الأمن الى مهمة مستحيلة التطبيق، وهذه القوة هي حزب الله ومليشياته الرديفة “السرايا” الموكلة بزعزعة الأمن في مناطق معينة خارج بيئة “المقاومة”، لمآرب تكتيكية معينة لا يعلمها الا “الحزب” والراسخون في الأمن.

السابق
جبران التويني الغائب الحاضر بأفكاره وآراءه
التالي
قبيسي: الحوار بين حزب الله والمستقبل يسهم في تعزيز مناخات الثقة والاستقرار