66 سنة على القرار 194: إعادة تأكيد مبدأ القانون الدولي لحق العودة

في دورتها الثالثة بتاريخ 11/12/1948، اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 194. يتضمن القرار 15 مادة تتناول بمجملها حق العودة للاجئ الفلسطيني وآليات التطبيق، لا سيما الفقرة 11 من القرار التي تتحدث عن حق اللاجئ الفلسطيني بالعودة إلى دياره وممتلكاته التي طرد منها على أيدي العصابات الصهيونية إبان النكبة في العام 1948، بالإضافة إلى حصوله على التعويض واستعادة الممتلكات؛ لكن القرار 194 لم يختلق حقاً جديداً وإنما أعاد تأكيد مبدأ القانون الدولي لحق العودة.

تبنت الجمعية العامة القرار في جلستها العامة رقم 128 بـ 23 صوتاً مقابل 13 صوت ضد وامتناع 10 دول. يعتقد الكثيرون من أعداء حق العودة وممن يريدون شطب قضية اللاجئين وعلى رأسهم الكيان الصهيوني وأدواته الغربية والعربية، بأن حق العودة يمكن التفاوض عليه، والغاية من التفاوض يكمن في إضعاف القرار والحق من خلال ما يمكن طرحه من قيود وعقبات وشروط وتسويف كعودة لمّْ الشمل، أو عودة كبار السن من الجيل الأول، أو العودة لأعداد محددة من اللاجئين وتوطين الباقي في الدول المضيفة، أو “العودة” إلى الدولة الفلسطينية المستقبلية في الضفة وغزة، وغيرها من الخيارات كمقدمة لإلغاء الحق مع مرور الزمن وتذويبه في أرقة التفاوض.

حق العودة كغيره من الحقوق التي أقرها القانون الدولي، ليست قابلة للتصرف، وغير قابلة للتفاوض، وهو حق قاطع في القانون الدولي، ولا تجوز فيه الإنابة، فهو حق فردي وجماعي لأكثر من ثمانية ملايين لاجئ حول العالم، وينطبق على جميع اللاجئين الفلسطينيين الذين هُجِّروا قسراً من منازلهم وديارهم الأصلية في فلسطين، ولا يحق لأحد سواءً كان منظمة، أو دولة، أو سلطة، أن تتفاوض أو أن تتنازل عن هذا الحق، ولو قُدِّر لأي من اللاجئين الفلسطينيين “العودة” إلى أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة نتيجة لأي إستحقاقات سياسية في المستقبل، فسيبقى يحمل صفة لاجئ، ولا تسقط عنه هذه الصفة إلا بعودته إلى دياره الأصلية في فلسطين.

تنبع أهمية القرار 194 من تكراره في جلسات الجمعية العامة أمم المتحدة (135 مؤة)، والتأكيد على حق تطبيقه، إلا أن هذا التكرار قد توقف بعد توقيع إتفاق أوسلو في أيلول من العام 1993 بين منظمة التحرير والكيان الصهيوني، وبموجب الإتفاق تم الإعتراف بـ “دولة إسرائيل” والتخلي عن 78% من الأراضي الفلسطينية، لكن في المقابل لم يكون دور الأمم المتحدة وعلى مدى عقود سوى “التذكير بالقرار والتأكيد على التطبيق”، دون اتخاذ أي إجراءات عملية ضاغطة من شأنها أن تعيد اللاجئ الفلسطيني إلى دياره وأن تنهي أكبر وأطول قضية لاجئين في العالم.

يعتبر الإحتلال الإسرائيلي بأن حق العودة من المحرمات، ولا يمكن القبول به ضمن أية تسويات سياسية مع الفلسطينيين، ولهذا عمِد وخلال التوقيع على إتفاقية أوسلو أن يجعل قضية اللاجئين الفلسطينيين من ملفات المرحلة النهائية لتطبيق الإتفاق، وهذه المرحلة النهائية لم تنتهي بعد، وفي كل يوم يزداد تنكر الإحتلال لحق العودة، لا بل أن التنافس على أشده بين حكومات الإحتلال المتعاقبة بين من يستطيع من الأحزاب أن يكرِّس يهودية الدولة وسنّْ المزيد من القوانين العنصرية التي تدعو لطرد الفلسطينيين، ليس فقط من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48 وإنما كذلك من الأراضي المحتلة عام 67، وفي المقابل يستجلب المزيد من اليهود من مختلف دول العالم استكمالاً لمشروعه العنصري والإحلالي.

استطاعت الأمم المتحدة أن تلعب دوراً فاعلاً في عودة الكثير من اللاجئين في العالم، ففي أربعينيات القرن الماضي سهلت الأمم المتحدة عودة مئات الآلاف من اللاجئين من جنوب القوقاز، وخلال تسعينيات القرن الماضي، استطاعت أن تعيد أكثر من عشرة ملايين لاجئ إلى ديارهم الأصلية، فمثلاً بعد مرور أكثر من ثلاثين سنة على اللاجئين من رواندا وموزمبيق استطاع اللاجئون ممارسة حقهم في العودة، وكذلك اللاجئين من غواتيمالا وتيمور الشرقية وكوسوفا وغيرها من الدول.. بينما تقف عاجزة أمام قضية اللاجئين الفلسطينيين.

بعد مرور 66 سنة، لا يزال تطبيق القرارات والقوانين الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية عموماً وقضية اللاجئين الفلسطينيين على وجه الخصوص ومنها القرار 194 يخضع للنفوذ السياسي وهيمنة القوة في الأمم المتحدة، ولا يمنع تطبيق تلك القرارات سوى غياب الإرادة السياسية للدول الغربية، ولا نستثني غياب الإرادة السياسية العربية والإسلامية، فبإمكانها تشكيل تحالفات من شأنها أن تلعب دوراً بارزاً في تغيير الموازين الدولية، فقضيتنا عادلة وبامتياز لكن تحتاج إلى محام ناجح.

السابق
طائرة معادية تخرق الأجواء اللبنانية
التالي
محللون: قطر تقدّم تنازلات للحفاظ على مصالحها