ليلى مرعي وأحمد شمس الدين يحوِّلان الدواليب المستهلكة تُحفاً فنيّة

بعد أن كان الدولاب مصدرا لقطع الطرقات، وتلوث البيئة، بات عند أخرين مصدرا للديكور والتجميل وأخر يحوله الى بلاط أرصفة، توسعت رقعة تفكير البعض أبعد من مجرد “دولاب” إنتهت خدمته ووجب رميه، بل تحوّل الى مصدر لتجميل الحدائق العامة “الدولاب لوحة فنية إن عرفت كيف ترسمها”، يقول صاحب الفكرة التي يفترض ان تعمم لتزين أزقة وطرقات القرى التي غزاها الإسمنت وتفتقد الى المساحات الخضراء، ويدخل مشروع الدولاب زهرية ورد في إطار تعزيز إستغلال كل شيئ في حياتنا استناداً الى مقولة متداولة “إن الإبداع الحقيقي يكمن في تحويل ما نرميه الى فن”.

حديقة من الاطارات

حوّلت ليلى مرعي حديقة منزلها الى “تحفة من الدواليب”، فهنا تجد الدولاب معلقا على الجدار وفي زاوية أخرى أتخذت منه زهرية ورد، “تحول الدولاب الى لوحة تشكيلية بأولوان الربيع تناسبت مع طبيعة المكان  تقول مرعي ” أنني وجدت بالدولاب مادة فنية سهلة التعامل معها، أعطتني أفكارا جديدة لم يألفها الواقع العام”، مردفة ” لم أتعلم هندسة الديكور في الجامعة، فجأة وجدت نفسي بين اكوام من الإطارات ففكرت كيف يمكن أن أستغلها بعمل فني، بدأت بالرسم عليها، بعدها قررت أن أزرعها بالورود، او اجمعها معا بأشكال متعددة”. حين تدخل الى حديقة منزلها تشعر وكأنك في عالم غريب، تسأل كيف أمكن له أن يحول الدولاب الى مظاهر فنية؟ وحدها كلمة ليلى “أبحث عن التفرد، أردت أن أحول شيئاً نرميه الى تحفة لأنه آن لنا أن نستفيد من كل شيء، لا يجوز ان يذهب الغرب الى القمر ونحن لا زلنا نحرق إطاراتنا في الطرقات”.

ساعات تمضيها مرعي في الرسم على الاطارات، تختار ألوانا تناسب طبيعة المكان الذي تزينه، تلعب على تحريك الإطارات كما لو كانت تخرج فيلما ما ، فتارة تحول الإطارات الى طاولة وطورا الى سلاسل معلقة في الأسقف تتدلى منها زهريات الورود أو حتى مرصوصة على الجدران، وتعلق مرعي قائلة “تعلمت أن أصنع من اللاشيئ شيئا يخدم فكرتي وما الدولاب إلا واحد من أفكار عديدة أنفذها وأسعى حاليا لتحويل دواليب اشرطة الكهرباء الى كراسي وطاولات بدلا من رميها”.

 “دواليب للتّبليط”

وإذا كانت مرعي قد حولت الدولاب الى تحفة فنية، فإن أحمد شمس الدين جرّد الدولاب من هويته وحوله الى بلاط أرصفة وأرضية للحدائق إنطلاقاً من قاعدة ” لا تقل هناك أشياء مستحيلة بل المستحيل إرادة” يقول.

لافتا الى أنه ” “علينا أن نبدأ نفكر بالحل لأزماتنا، الصناعة يجب أن تستعيد همتها، والدولاب بدلاً من ان نحرقه ويلوث البيئة، نحن ندوره بطريقة صديقة للبيئة ونحوله الى بلاط ويدخل في صناعة الزفت ويتعداها الى أبعد من ذلك”.

لم يتردد شمس الدين يوماً في وضع فكرته موضع التنفيذ، بل حرص أن يكون مشروعه صديقاً للبيئة، فالدولاب وفق رؤيته يملك اكثر من وجه يمكن الإفادة منه، أنشأ شمس الدين مصنعا لتدوير الإطارات المطاطية في بلدة تول الجنوبية، وهو الاول في لبنان الذي يقوم بتصنيع الدولاب بلاط أرصفة، بل ربما يكون أولا في الدول العربية إذ وفق ما يقول ” امل “ان يحظى المشروع بثقة السوق المحلي”،  يتطلع شمس الدين ابعد من حدود تحويل الدولاب الى بودرة وبلاط بل الى يشير الى أنه “يدخل في عملية تصنيع الزفت”.

يعتبر مشروع تدوير الإطارات الذي أبصر النور بداية هذا العام  واحداً من اهم المشاريع الصناعية التي طرقت باب لبنان، يحمل في طياته حلا لأزمة خنقت لبنان كلما ما “دق الكوز بالجرّة”، وصناعة تدوير الإطارات المطاطية وتحويلها الى بلاط أرصفة وحدائق وملاعب إنما تاتي في خضم الحاجة الى “نفس جديد للصمود”، فاللبناني الذي إعتاد على “التحدي” يقدم نموذجاً جديداً في البقاء.

إطارات مفروفة

في داخل المصنع تتجمع الإطارات فوق بعضها تمهيدا لتدخل في ألات خاصة لفرمها، إذ يعبر تحول الدولاب بعدة مراحل بدءاً من سحب الحديد والكتان ثم دخولها في عملية فرم خشن ثم ناعم ثم بودرة لتعجن وتضعط في قوالب تتحول الى دعسات سيارات وكراسي موتور اما حبوبها الخشنة فتستعمل ارضية للملاعب الرياضية وبالتالي ما يتسارع المواطن في إتخاذ “فشة خلقه”، بات اليوم مصدرا للكثير من الصناعات التي تساعده على تشجيع الرياضة.

يعتمد المصنع طريقة الفرم البارد أي صديق للبيئة ضمن الات تفرم الدولات وتقطعه مرحلة أولى من 10-15 سنتم ثم تفرمه مرحلة ثانية 4- 5 سنتم تتحول بعدها الى حبوب كاوتشوك ليخرج الدولاب بعد عملية كبس بقوة 50 طناً لمدة زمنية معينة  يستخدم لباحات المسابح والحدائق العامة والطرقات والحضانات وحتى مزارع الماشية.

نجح شمس الدين في فرض تقنيته الحديثة  في الدولاب، بل وفق ما يقول “خلقت فرصة للبنان أن يتخلص من الإطارات التالفة التي تتعدى الـ8 مليون إطار سنويا، بطريقة صناعية تخدم تطوير الصناعة المحلية أولا وتساهم في فتح سوق صناعي الى الوطن العربي”.

أخرج شمس الدين نظرية علمية جديدة حول الدولاب “ما تحرقو وما تطمرو.. فرمو” نظرية يبدو أنها ستأخذ طريقها نحو التوسع بعد أن أيقن اللبناني الخطر المحدق ببيئته جراء الملوثات”.

بعد أن كان الدولاب ” لقطع الطرقات تنديدا بأي ازمة” تحول عند ليلى واحمد الى مصدر فني يليق بالبعد الإبداعي لتفكير اللبناني وفق ليلى، وأضحى “مصدرا لتطوير الصناعات وإنتاج بلاط أرصفة أكثر امانا وحماية” وفق أحمد.

بين احمد وليلى هناك تساؤلٌ منطقي أين الدولة من هذا التطور؟ وحده جواب احمد “الدولة غائبة عن الصناعة والفن ” كفيلا بتأكيد ان اللبناني دوما يبدع خارج إطار الدولة، ولكن ” نحتاج الى دعمها لنشعر بإبداعاتنا” تقول ليلى.

يدرك أحمد وليلى  جيدا ان “النجاح شاق” ولكنهما يُعوِّلان  على “ثقة المواطن”،  كونهما يقدمان حلا ناجعاً لازمة الدواليب المطاطية فحولاها “بلاط امان ذو جمالية عالية” و”هندسة فنية للمنازل” فهل ستنتشر فكرتهما اكثر؟ سؤال برسم القادم من الأيام.

السابق
مقتل الوزير الفلسطيني زياد أبو عين
التالي
فوضى الضاحية (4): رصاص «المشاعر» يقتل الأبرياء في بيوتهم