رنا الفليطي وعلي البزّال: لبنان والحبّ المستحيل

رنا الفليطي وعلي البزال
«لإنقاذ علي أفعل أي شيء!»، قالت زوجته، لكنّها فشلت وفشلنا جميعاً. لتنتهي قصة العشق برصاصات إعدام. المؤلم أنّها لم تستطع أن تحضر جنازته، لأنّها "سنّية"، ولأنّها "من عرسال".

«أنا إمرأة مجروحة فتوقعوا مني الكثير» هذا ما قالته رنا الفليطي، زوجة علي البزال، قبل أن يصبح جثة باردة، وصدقت!
رنا الفليطي بين تناقضات الزوجة المفجوعة لحال علي، دموعها حكت لنا آلامها ومخاوفها، وبين جبّارة مسحت تلك الدموع ولم تتوانَ عن قصد الجرود ومقابلة الإرهابيين والخاطفين طالبة الرحمة لزوجها، مِن مَن لا يعرف الرحمة! وإنقاذ زوجها كان دافعها الوحيد. حبّها لعلي كان سرّ قوتها وضعفها في آنٍ واحد. صرخت، بكت أمام الشاشات لكنّه لم يعد!
علي لن يعود يا رنا! ذهب آخذاً معه كلّ قطرات الأمل. “قتلتوه لكن أعيدوه ولو جثّة” لسان حال الزوجة المفجوعة علّها تشبع عينيها منه قبل مثواه الأخير. فهذه المرأة، رغم مصابها، إلا أنّها لا تستبعد التوسّط لإستعادة الجثة كما قالت في حديثها لصحيفة “النهار”.
هي قساوة القدر أجبرت رنا الفليطي على الإستجابة لطلب أهل المغدور، بعدم المشاركة في العزاء بقريته “البزّالية”، خشية أن يتمّ التعرض لها بسوء، لأنّها “إبنة عرسال”. بالإضافة إلى أنّ هناك الكثيرين من أهالي البزالية لا يقدّرون السبب الذي دفعها إلى مهاجمة “حزب الله” عبر الإعلام،علماً أنها سعت لاسترضاء “جبهة النصرة” كي تبعد السكين عن زوجها وتمنع أيّ معاملة سيئة له.
قبل أن يكون علي جنديا مختطفا وقبل أن يكون زوجا وأبا، كان عاشقاً. قصّة حب كبيرة وقويّة جمعت إبن البزالية بإبنة عرسال. “سنيّتها” لم تمنعها من التزوج من شيعي. كانا أكبرمن التفاهات الطائفية وأقوى من الظروف. لكنّ الذي جمع الحبيبين في الحبّ والحياة، فرّق الزوجين في الموت والمذهبية. فهو حين أحبّها عشق رنا الفتاة وليس “السنيّة” أو “إبنة عرسال. كلّ من بلدة، جمعهما الحبّ تحت سقف واحد. فجأة بعد موته تذكّر الجميع أنّها “سنيّة” وأنّه “شيعي”. ما عادا حبيبين ولا زوجين، باتا “عدويّن” وخصمين” وحتّى جنازته لم تستطع أن تحضرها.
فبأيّ حقّ تُغيّب اليوم رنا عن عزاء زوجها؟ من يضاهي ألم الزوجة المفجوعة! لو جمع حزن البزالية كلها على الشهيد بزال لن يساوي حرقة قلبها. لكن كُتِبَ عليك يا رنا أن تذرفي دمعك وحيدة. وحيدة تبكين علي، وحدكِ تتسلّلين إلى أعماق ذكرياتكِ.

لم تكن تعلم يوماَ أن الأيام والأقدار الجميلة ستنتهي، لتبقى عالقة بأحزانها وألامها. كُتِبَ عليكِ أن يبقى الوداع غصّة في قلبك. ألا تشاركي حزنك وألمك يوم وداعه. في تلك اللحظة التي تختصر عمركِ وعمرهُ، تلك اللحظة الدرامية التي تعلن أنّ لبنان بات شبيه هذا الحبّ المستحيل وهذا الموت العميم وهذا الحزن الذي يجمع بقدر ما يفرّق.

السابق
في انحدار إعلام لبنان
التالي
عن عجز الحكومة اللبنانية… وفشل الوساطة القطرية