من كامل مروة الى جبران تويني..قَدَرٌ واحد

مالك مروه

سأقرأُ على مسامعكم نصاً يعودُ الى سبعةٍ وستينَ عاماً خلت.
«يا أستاذي و معلمي،
سبعةأعوامٍٍٍٍ، هي زهرة شبابي قطعتُها الى جانبك أستمد من بسمتِك عزاء اليتيم و من خبرتكَ ذخيرةالناشىءو من عزمكَ حافزُ الطافح.
لقد تغلغلت حِكمتك في جوارحي و أستقرت بها راسخةً الى اليومِ الذي أُدرَكُ في بطن الارضِ رماداً. ثق ان الكرامةَ التي حملتها حياً وحملتك ميتاً ستظل تعصف بنا و تدفعنا الى النضالِ – معك و مع ذكراك – لتحقيق الرسالةِ التي من اجلها استقر بك الاجل ….
سر أذن يا جبران الى بطن هذه الارض آمناً فالكرامةُ – كرامتُك- لا تموت.»
(انتهى الاقتباس)

كامل مروة، الحياة، 21 كانون الاول 1947، في رثاء جبران تويني المؤسس.
وهذا نص آخر من التاريخ:
«ما بيني و بين كامل مروة – يعنيني و يعنيه – حيث هو.
ويعني ربما سلمى و ناديا و حياة و جميل و لينة و كريم و جبران الصغير و مالك الاصغر… ثم يعني أم كامل و جبران تويني الذي كان لكاملَ أباً بقدر ما كان لي… و أحياناً اكثر».
(انتهى الاقتباس)

غسان تويني، النهار، 20 ايار 1966 ، في رثاء كامل مروة.
أخي و صديقي ورفيقي جبران،
هذا هو ما بين بيتينا وعائلتينا. علاقةٌ مجبولة بطينة واحدةٍ وقيم واحدةٍ و مسيرة واحدة و حياةٍ واحدة، بل و قدرٌ واحد…
وما بيني وبينك من طفولةٍ حالمةٍ – حلوةٍ ومرة – و شقاوة مراهقة مشاكسة الى حد الطيش والمجازفة!
كيف لي ان أنسى لقاءنا المنتظم بَكِيرَةَ كل يوم أحد امام كنيسة مار ساسين في بيت مري لنتسابقَ الى مستديرة بعبدات ذهاباً و اياباً قبل ان يستفيقَ الاهل على «استعارتنا» للسيارات، و كبيرنا اي انت لم يتجاوز الستةَ عشرَ عاماً.

و كيف لي ان أنسى سنين الهجرة القسرية من بيروت في اواخر الثمانينات مع اشتداد وطيس الحرب المشؤومة، و هموم «النهار» و متاعب اِعادة أصدار «الحياة» من مكاتبنا المشتركة في باريس. ولعمري ما كان هذا الزمان الا استعادةً لحقبة جبران المؤسس وكامل المؤسس، عندما صدرت جريدةُ الحياة عام 1946 من غرفةٍ صغيرةٍ في مكاتب دار النهار في سوق الطويلة.
جبران – او كابي كما كان يحلو لنا ولك ان نناديك – لقد رُفدنا من هذة الطينةِ الطيبة و شق كُلٌ منا سبَيله وطريقه الوعرة، تباعدنا طوراً وتلاقينا اطواراً وتقاطعنا دوماً، لنعود و نصب في بحر لبنان.
فكان اللقاء الكبير في بحر ساحة الحرية، بحر 14 آذار الهادر بأمواجِ السيادةِ والاستقلال، وما سبقه من استعداداتٍ دؤوبةٍ حكناها سويةً مع رفاقٍ آخرين من ألوان الطيفِ اللبناني الجامع، وما تلاه من ثمارٍ حلوة، ومن احلام متحقَقَةٍ واحلام متكسرة ، تتمحور كلها حول قسمك ، الذي يختصر حلمك وحلمنا الكبير، ليس بلبنان الحريةِِ والاستقلالِ فحسب، بل بلبنان الحداثة، لبنان التقدم، لبنان العدالة والفرص المتساوية للجميع، لبنان الدولة المدنية التي يفتخر ابنائُه ومواطنيه بالانتماء اليها، لبنانَ المنارة المنيرة….لبنان القدوة للعروبة الحضارية المنفتحة الجامعة …عروبةُ الغساسنة وهمدان!
قوى الظلام نفسها أغتالتك كما أغتالت والدي كامل مروة من قبلِك و اغتالت «كبيرُنا» والدكَ غسان تويني «بالقهر»… كما اغتالت قافلةً طويلةً من شهداء الحرية و التقدم و الاستقلال – قالوا كلمتهم و مشوا- بِدءً من الأبطال الذين علقوا على أعواد مشانق جمال باشا في ساحتهم وساحتنا الى شهدائنا شهداء 14 اذار الابرار الى شهداء البراميل المتفجرة والغازات السامةِ و قطع الاعناق.

نعم يا صديقي المجرم واحد…
فقوى الظلام التي سرقت التاريخ وصادرت الحاضر و خنقت المستقبل تستطيع ان تغتال الاشخاصِ وان تذبح الشعوب وان تمحو المدنِ و القرى عن الوجود
ولكنها… لم ولن تستطيع قتل الاحلام…. ما دام هناك مؤمنون مثلنا….و قدوةٌ مثلكم
فالتغييرُ أتٍ … أتٍ و لو بالحديد والنار
فنم قرير العين يا جبران في بطن هذه الارض امناً فالكرامةُ – كرامتُك- لا تموت.
فهذا قدرُنا … هذا قدرُ الاحرار.

*ألقيت في ذكرى الشهيد جبران تويني الذي احياه حزب الوطنيين الاحرار في فندق مونرو يوم السبت الواقع في 6 كانون الاول 2014

السابق
بايدن يؤكد أن واشنطن لن تدع إيران تملك السلاح النووي
التالي
وهّاب مستاء من السفير السوري لتغييبه عن دعوة عشاء