تكريم الراحلين: قليلٌ مهما كَثُرَ وقيلَ عنهُ

سعيد عقل
أحيانا يكرم الشخص بعد رحيله، لتقصير من قبل أولياء الأمر. وأحيانا أخرى يكرم الكبار بعد رحيلهم، لأنهم رحلوا، وذهبت برحيلهم الحجة التي كانوا يمثلونها على حاضرهم. وفي حالات خاصة تحجب عن بعض العظماء كل مظاهر التكريم، لأن رمزية عظمتهم ومكامنها إن بانت للملأ، ولو بعد الرحيل ، من شأنها أن تدين الحقبة الراهنة بأشخاصها ورموزها والقيم السائدة فيها .

لبنان بلد الثقافة والفن والجمال، يترك مبدعيه الذين أغنوه بفنهم وعطائهم بدون تكريم قبل رحيلهم، وبعد رحيلهم تكتفي الدولة بحضور بعض من شخصياتها وإرسال أكاليل الورود، حتى أنها تبخل عليهم بإعلان يوم حداد رسمي! وكيف يمكن العتب على دولة لا تتبنّى مبدعيها وهم في عزّ عطائهم؟ فكيف يتبنّى من أصبحوا بلا عطاء؟
جرياً على عادتها، تهرع أجهزة الدولة في لبنان إلى تكريم الكبار بعد رحيلهم. وليس كل الكبار تكرمهم الدولة، فأصحاب السلطة اليوم وفي كل زمن، لا سيما زمن الانحطاط الراهن، يظنون على غيرهم المختلف بالتكريم ولو حق له، وينسون في ذلك أن الدنيا دار دول، ولو دامت لغيرهم لما آلت إليهم، ويظنون كما النعامة، بأنهم لو أعموا أعينهم وأعين الآخرين عن الحقيقة، سوف تزول تلك الحقيقة أو يتبدل أمرها إلى خداع .
قليل مهما كثر وقيل عنه، التكريم الذي جرى لسعيد عقل. ذلك الرجل الرمز، الذي علم فيما علم، أصول الانتماء الى الوطن. حتى كانت لبنانيته المتميزة هي أبرز سمات شخصيته. وذلك الشاعر الذي سما بشعره ولغته إلى حيث لا يدركه الخيال.
سعيد عقل جسد الأصولية اللبنانية. والصورة التي رسمها وحملها في شعره ونثره وفلسفته عن لبنان، لبنان الفرادة والتميز، لبنان العنفوان والكبرياء، لبنان المتجذر في التاريخ والحضارة، هذه الصورة جعلت من لبنانيته تبدو وكأنها دين ومعتقد. ولو سارت على دين سعيد عقل ثلة قليلة من أصحاب القرار المفترضين، لكننا رأينا فيهم العقل ولحلت علينا السعادة.
أحيانا يكرم الشخص بعد رحيله، لتقصير من قبل أولياء الأمر. وأحيانا أخرى يكرم الكبار بعد رحيلهم، لأنهم رحلوا، وذهبت برحيلهم الحجة التي كانوا يمثلونها على حاضرهم. وفي حالات خاصة تحجب عن بعض العظماء كل مظاهر التكريم، لأن رمزية عظمتهم ومكامنها إن بانت للملأ، ولو بعد الرحيل ، من شأنها أن تدين الحقبة الراهنة بأشخاصها ورموزها والقيم السائدة فيها .

السابق
حظوظ انتخاب رئيس جديد للبلاد تتقدّم
التالي
تنسيق الجيشين: لا… بل ربيع بيروت ودمشق