تغييب العقل النقدي هو سبب مآسينا العربية والإسلامية

العقل النقدي
العقل النقدي هو عقل استكشافي مندفع تماماً نحو الخلق والإبداع وإنتاج معرفة تمكننا من تحسين أوضاعنا في هذا الكون، ورفض كل ماهو متصادم مع مبادئ العقل والتشكيك فيه حتى تثبت صحته، على عكس العقل الإتباعي الذي تسبّب في ركود وجمود المسلمين وحضارتهم حتى يومنا هذا.

نعم نحتاج إلى ثقافة العقل النقدي المتحرر من كل سطوات وقيود المجتمع والماضي. هذا العقل النقدي هو من أوصل الحضارة الغربية لما هي عليه الآن، وبتنا مستهلكين لما تنتجه تلك الحضارة. العقل النقدي هو عقل استكشافي مندفع تماماً نحو الخلق والإبداع وإنتاج معرفة تمكننا من تحسين أوضاعنا في هذا الكون، ورفض كل ماهو متصادم مع مبادئ العقل والتشكيك فيه حتى تثبت صحته، على عكس العقل الإتباعي الذي تسبّب في ركود وجمود المسلمين وحضارتهم حتى يومنا هذا فهو عقل قائم على الاستدلال والتقديس والتكرار وتغييب محورية الفهم والمغامرة والإنتاج.

لعلهُ من غير الخفي على أحد، أهمية التفكير النقدي البناء، وما ينطوي عليه من نتائج مثيرة ومذهلة تساهم في سبر أغوار العلم والمعرفة بشتى ميادينه وحقولها. فأوّل شرارة لاكتشاف أسرار وخبايا هذا الكون وتجلّياته هو الشكْ. يليه مباشرةً السعي نحو الحقيقة ومن ثم تحليل هذه الحقيقة وإخضاعها للتمحيص والتدقيق في سبيل إدراجها ضمن دائرة اليقينيات مع وجود الاحتمالية فيما بعد أن يتم تكرار ما حصل من سيناريو الشك والارتياب وحب الاستكشاف لهذه الحقيقة ذاتها. ثم تمرّ مرّة أخرى في تلك الدوامة العاصفة. فإما أن تعود إلى مكانها حقيقةً مؤصّلة ومعمّقة وأكثر رسوخاً مما سبقها، أو أن تبقى عائمة مجهولة الهوية ويتم نكرانُها مع مرور الزمنْ.
حالة الشك التي تعتري الفرد جرّاء أي ظاهرة من ظواهر هذا الكون وجرّاء أي حدث أو مقولة يتم طرحها وتداولها هنا أو هناك، هي نقطة البداية نحو اكتشاف الحقيقة أو على الأقل بلوغ القناعة اليقينية للحيلولة دون تزايد الشكوك وعلامات الاستفهام حول حقيقة ما. فنحن بحاجة ملحة لتشجيع مختلف فئات المجتمع صغاراً وكباراً، رجالاً ونساءاً، شباباً وكهولاً لاستظهار ثقافة العقل النقدي وبلورتها لنتمكن من تنقية المجتمع من كثير من الحالات والظواهر الدخيلة، والمفاهيم الدينية الجوفاء والطقوس أو ما بات يسمى بالشعائر التي صُبغِتْ بصبغة دينية مقدسة حتى بات الكثير من علماء الدين يطرحونها علناً عبر كافة الوسائل المرئية والمسموعة والمقروءة.
وكما هو سائد في مجتمعاتنا الإسلامية التقليدية التي تغلُبُ عليها النزعة التلقينية فيما يتعلق بالثقافة الدينية ونشرها بين أوساط الناس فالمدراس وحتى والحوزات الدينية/ تطغى عليها النزعة التلقينية المحضة. ولا أبالغ إن قلت إنّنا لا نسمع كثيراً عن أستاذ في مدرسة أو حوزة أو جامعة قد اعتاد على مناقشة أفكاره أو أدلته وتشريحها أو دحضها من قبل الطلبة أو الجمهور لأنّهم لم يؤقلموا هؤلاء على ثقافة العقل النقدي ثقافة الشك والتساؤل والتغلغل في ثنايا المفاهيم والرؤى بغية الوصول للحقيقة والقناعة والاطمئنان بصحتها أو بطلانها. بل اعتاد – اقولها وبكلّ أسف – الكثير من رجالات العلوم، سواء الدينية أو غيرها، على إيصال الأفكار على أنّها مقدسة ومحكمة الصياغة ولا يمكن ردّها أو النقاش فيها.
في هذا الصدد، مازال مرتسماً في ذهني مشهد بسيط يعكس واقع المقال حينما كنت في صفوف المرحلة المتوسطة وطلب منّا مدرس اللغة العربية التدرب على إعراب جملة من القصائد التي تحوي كماً هائلاً من المفردات الغريبة، فسأله أحد الطلبة عن الفوائد المستقبلية لذلك، فكان الردّ منه غير لائق ولم يستجب لرغبة الطلبة في تسهيل ما هو مقرر عليهم من الإعراب. في المقابل وفي هذه الأيام، أحد الطلبة الأميركيين يستوقف الدكتور في أثناء المحاضرة حين طلب منا حفظ بعض المعادلات والقوانين لاستخدامها في الإمتحان، سائلاً إيّاه عن الفائدة المرجوة من وراء ذلك في ظل توفر هذه القيم والمعادلات على صفحات الإنترنت التي يمكن استدعاؤها في أي لحظة. فما كان للمدرس إلا أن يستجيب لإرادة هذا الطالب ويقرر بكلّ رحابة صدر ولين عريكة إرفاق هذه المعادلات مع الاختبار.
نعم نحتاج إلى ثقافة العقل النقدي المتحرر من كل سطوات وقيود المجتمع والماضي. هذا العقل النقدي هو من أوصل الحضارة الغربية لما هي عليه الآن، وبتنا مستهلكين لما تنتجه تلك الحضارة. العقل النقدي هو عقل استكشافي مندفع تماماً نحو الخلق والإبداع وإنتاج معرفة تمكننا من تحسين أوضاعنا في هذا الكون، ورفض كل ماهو متصادم مع مبادئ العقل والتشكيك فيه حتى تثبت صحته، على عكس العقل الإتباعي الذي تسبّب في ركود وجمود المسلمين وحضارتهم حتى يومنا هذا فهو عقل قائم على الاستدلال والتقديس والتكرار وتغييب محورية الفهم والمغامرة والإنتاج.
أقول وبكلمة واحدة ، لابد لنا جميعاً من ترسيخ النزعة النقدية الهادفة وتحريض مجمل فئات المجتمع وعلى وجه التحديد الجيل الصاعد من الشباب لإعمال عقولهم، وتحريكها وإثارة الأسئلة دائماً وأبداً إزاء كل ما يُثار عبر المنتديات والمتلقيات العلمية والثقافية في الجامعات والحوزات في المدارس والمساجد مهما كانت قداسته فالتساؤل وحب الإستفهام في ظني المتواضع. هو المفتاح لمعالجة الكثير من تعثراتنا وتخلفنا وتشبثنا بالفكر الماضوي وعلائقه البالية والغابرة.

السابق
بالصور: رولا يموت مثيرة في حلبة مصارعة
التالي
فوضى الضاحية (3): مافيا الكهرباء.. إدفع ثمن 7 أمبير واحصل على 3