ثلاثة وثلاثون مسلخاً خارج أي قانون

خرج وضع مسلخ الكرنتينا المؤقت إلى العلن، بعد جولة وزير الصحة عليه، وحظي بالتغطية الإعلامية دون غيره. وتبين من خلال معطيات محافظ بيروت زياد شبيب أن الطاقة الإنتاجية للمسلخ تشكل أربعة في المئة من اللحوم الطازجة والمجلدة فقط لاستهلاك مدينة بيروت، وثمانية في المئة من اللحوم الطازجة. أما باقي اللحوم فتنتج في ثلاثة وثلاثين مسلخا متفرقا غالبيتها خارج أي قانون، ولا تحظى بالضجة نفسها. وأبرز المسالخ الأخرى في الشويفات وصبرا والفنار، تضاف إليها الملاحم الخاصة الواسعة والانتشار.

انطلاقا من ذلك، لم يحدث توقف مسلخ الكرنتينا عن العمل مؤقتا، مشكلة في إنتاج اللحوم، كما لم يتوقف انتشار الروائح الكريهة في المكان بسبب قرب المسلخ من سوق السمك، وشركة نفايات سوكلين، ومجرى الصرف الصحي الذي يصب في البحر. ولكن كما يقول شبيب فإن عددا من السياسيين والإعلاميين لا يعرفون الحقائق، وإنما يؤخذون بما يقال لهم، والترويج له.
وأحد المواضيع التي تم الترويج لها هي إعلان وزير الصحة عن وفاة عاملين في المسلخ بمرض السرطان، من دون وجود أي رابط طبي أو علمي بين السرطان والعمل في اللحوم، وإنما يتعلق الأمر بالبيئة الملوثة التي تكون في المسلخ وغيره من الأماكن.
وفي ظل الضجة المثارة حول اللحوم، أصدر المجلس البلدي لمدينة بيروت بتاريخ السادس من تشرين الثاني الماضي، قرارا بتأهيل المسلخ المؤقت بناء لطلب رئيس مجلس الوزراء، وطلب فيه من المحافظ اتخاذ الإجراءات العاجلة واللازمة للقيام بأعمال التأهيل الضرورية للمنشآت عبر استدراج عروض أسعار لتلك الغاية، وحفاظا على الصحة والسلامة العامة. ورأى المجلس في قراره أن الوضع أصبح ملحا وأن تلزيم الأعمال بموجب مناقصة يستغرق وقتا، خصوصا أن دفتر الشروط المعد لتلك الأعمال لم يقر، وهو يتناول الأعمال التالية: استبدال سقف التوتياء، والعوارض الحديدية لزوم الزرائب، وزرع أعمدة حديدية، وتركيب قساطل مجاري وتقديم وتركيب ريغارات مسبقة الصنع من الباطون المسلح، وتوصيل المصافي الموجودة في خط المجاري الجديد، وصب أرضيات من الباطون، ورفع مصاف موجودة، وصيانة درف النوافذ، وتركيب زجاج وتمديدات صحية وتبليط، وصيانة البراد وتوسيع خيمة الزريبة. بالاضافة إلى تركيب ألواح ستانلس وتزفيت وأعمال دهان وتمديدات كهربائية وفصل خط الذبح إلى خطين، ورفع الأنقاض والأوساخ وروث الحيوانات.
وفي الثامن عشر من تشرين الثاني أصدر شبيب قراره بإيقاف العمل في المسلخ والمباشرة فورا بأعمال التأهيل، وكلف مصلحتي الهندسة والمسالخ في بلدية بيروت باقتراح مواقع بديلة لإقامة مسلخ حديث. وبدأت عملية التأهيل بالأموال القليلة المتوفرة لدى المحافظ في انتظار اتخاذ المجلس البلدي قرار دفع الاعتمادات اللازمة، ومن المفترض دفعها خارج استدراج العروض لأنه يستلزم وقتا لا يحتمله وضع المسلخ المزري. وفيما أوضح رئيس بلدية بيروت بلال حمد أنه سيتم اتخاذ المخرج المناسب لدفع الاعتمادات، أفادت مصادر بلدية أن وزير الداخلية نهاد المشنوق طلب من المحافظ الإسراع في تنفيذ أعمال التأهيل.
بدوره أوضح شبيب أنه اتخذ قرار تنفيذ تأهيل المسلخ بعد زيارته له، وتضمن القرار اثنتين وعشرين مادة، تظهر الفارق بين الواقع الحالي وما يجب أن يكون عليه. ويخضع بموجبه الأشخاص العاملون والداخلون إلى المسلخ لترخيص من المحافظ صالح لغاية ثلاثة أشهر، كما يرخص للقصابين والعاملين بالدخول بناء لطلبهم وفق النموذج المعتمد في الإدارة البلدية وبعد تحقيق يجريه مدير مصلحة المسالخ، ويجدد مفعول الترخيص كل ثلاثة اشهر، على أن يخضع أولئك الأشخاص للفحص الطبي أسوة بأرباب الحرف وخاصة فحص الدم والصور الشعاعية التي تحددها مصلحة الصحة في البلدية. ويترتب على القصابين ومستخدميهم والداخلين إلى صالتي الذبح والعرض ارتداء برانس نظيفة وانتعال أحذية مطاطية ووضع أقنعة من نسيج الشاش وارتداء قفازات وتغطية الرؤوس بقبعات محكمة. وعلى كل قصاب وعامل أن يكون حليق الذقن وقصير شعر الرأس وأن يزيل الشعر عن يديه وساعديه وينظفها بالماء والصابون والمحاليل المطهرة. كما يجب عليه تنظيف وتطهير الأدوات والطاولات التي تستخدم في عملية الذبح.
ويمنع نقل الذبائح عن طريق حملها ما لم تكن مغلفة، ويصار إلى تعداد المواشي قبل دخولها إلى صالة الذبح والتثبت من استيفاء الرسم المتوجب عنها. وعلى الطبيب البيطري أو المساعد الفني البيطري الكشف على المواشي وختم اللحوم الصالحة للاستهلاك البشري بالأختام المميزة للمسلخ. وأخيرا يمنع دخول الأحداث دون الثامنة عشرة من العمر إلى مسلخ بيروت المؤقت، وتكلف قيادة شرطة بيروت اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لتنفيذ مضمون القرار.
ويبدو أن إهمال المسلخ كان متعمدا. وأعلن مدير مصلحة المسالخ بالتكليف المهندس جوزف منعم أنه أرسل أكثر من خمسين كتابا إلى محافظ بيروت السابق ناصيف قالوش جميعها موثقة لديه، ويشرح فيه المشاكل التي يعاني منها. وعندما طلب تأهيله دفعت له البلدية مبلغ ثلاثة ملايين ليرة لا تكفي لشراء زجاج. وفي أحد الكتب التي أرسلها في شباط العام الحالي مثلا أوضح أن عمر المسلخ أصبح عشرين عاما وهو في الأصل عبارة عن هنغار كبير سقفه من تنك وأرضيته من باطون وبفعل عامل الزمن اصبح مستهلكا ويحتاج إلى صيانة سريعة وطارئة، وقال إن السقف مكشوف وممزق وزجاج النوافذ مكسور ما يسبب تساقط الأمطار على العمال، والأعمدة منخورة حديدها ضاهر ومجاري الصرف الصحي ومخلفات الذبحيات لا تتناسب مع الصحة العامة والسلامة البيئية. وتمنى على أهل السياسة والمعنيين أخذ القرار للبدء بمشروع بناء مسلخ حديث. وفي كتاب ثان شرح منعم كيف فاضت مياه نهر بيروت وغمرت أرض المسلخ حاملة معها الأوساخ لعدم وجود سور أو حاجز فاصل بين حرمه ونهر بيروت. وفي كتاب ثالث أوضح أن الحفر الصغيرة انتشرت على كامل أرض الصالتين بسبب تآكل الطبقة الخرسانية، ولا يمكن ترميمها إلا بطبقة خرسانية جديدة على كامل أرض المسلخ. وأكد أن تقارير المراقبين البيطريين عن التفتيش تحولت إلى كليشيهات لا تمت إلى الواقع بصلة، وعندما طلب المراقبون مؤازرة أمنية هجم اللحامون على الحرس بالسكاكين.
ويقول نعيم إن عدد تجار اللحوم في المسلخ حاليا هو اثني عشر تاجرا، انتقلوا اصلا من المدينة الرياضية، بعد قرار تجديدها، وأقيم لهم مسلخ مؤقت في الكرنتينا بعد توقف مسلخ بيروت القديم عن العمل، وحتى الآن لا يزال المؤقت ساري المفعول. ونفى أن تكون السموم التي توضع للجرذان والحشرات تؤثر على اللحوم قائلا إنه يتم رش المسلخ كل يوم اثنين بعد إخلاء الزرائب من المواشي. ولم يشأ نقيب القصابين معروف بكداش الإعلان عن أي موقف بشأن المسالخ، تاركا الأمر للحكومة.

عمال الكرنتينا: تناقض معلومات

بعد إعلان وزير الصحة وائل أبو فاعور عن وفاة تسعة عشر شخصاً من العاملين في مسلخ بيروت بالسرطان، تقدم مدير مصلحة المسالخ بالتكليف المهندس جوزف منعم بطلب إلى مصلحة الصحة في بلدية بيروت للإفادة عن تاريخ توقف الأشخاص الذين ذكرهم وزير الصحة عن العمل، وما إذا كانوا أصيبوا بأمراض سرطانية بحسب الملف الصحي لكل منهم. حصل نعيم على إفادة بأسماء الأشخاص لكي يتبين حسب الإفادة أن اثنين منهم أصيبا بالسرطان، والباقي بأمراض مختلفة.
ولدى الاتصال بمستشار وزير الصحة صالح الحديفي للاستيضاح عن مصدر المعلومات، أفاد أن مصدرها محامي عدد من العاملين في المسلخ مازن حطيط. ولدى الاتصال بالمحامي حطيط فضل عدم التصريح التزاما بقرار نقابة المحامين بالحصول على الإذن المسبق. وقال إنه تسلم العمل في القضية لدراسة مخاطر العمل، وليس بالضرورة الإصابة بالسرطان، موضحاً أن الملف أصلا قيد الدرس ولا توجد فيه أي معلومة نهائية. وتبين من مصادر أهالي العاملين أن حطيط وكيل اثني عشر عاملا أحياء من أصل أربعين عاملا، اثنان منهم مصابان بانسداد القصبة الهوائية وواحد بالسرطان. ومن بين تقارير المتوفين لدى المحامي تقريران عن شخصين توفيا بسرطان المستقيم وسرطان القولون، وباقي الأمراض غير سرطانية.
واستنادا إلى لائحة محافظة بيروت المتوفون هم خالد شحادة، صلاح اللاذقي، فوزي سعد الدين مرعي، أحمد مازح، جوزفين صليبا، حسن عبدالله توفي بعد انتهاء الخدمة، جوزيف خليل مدور، عمر شحادة غير موجود في القيود، عفيف مكرزل، لويس حداد، عفيف الحاج عساف مريض قبل إنشاء المسلخ، مصطفى محمود المصطفى، مرعي سعد الدين مرعي، كمال بلان توفي بعد انتهاء الخدمة، فؤاد أبي حيدر، علي سعد الدين مرعي ترك عمله في العام 1999 أي بعد إنشاء المسلخ بأربع سنوات، رفعت العبادي، خالد المحسن لم يلتحق بالمسلخ المؤقت، وابراهيم مراد.

السابق
سعرات البطاطا يحددها الطهي
التالي
تقرير مُنتَظر يفضح جهاز الـ«سي آي ايه»