الفوضى في الضاحية (2): مافيات الساتلايت.. وحزب الله «يطنّش»

ساتلايت
لم يعد خافياً على أحد الفوضى العارمة في الضاحية الجنوبية، إما لأنّ قوّى الأمر الواقع هناك ما عادت قادرة على ضبط المجتمع الذي تحكمه والسيطرة عليها، أو أنّ التراخي مقصود وعن عمد. فمن يتحمّل المسؤولية في بروز مافيات المهن الحرّة؟ والأكيد أن الحقّ هنا "مش عالدولة" ولا على "الطليان" ولا على "داعش" بالطبع. في حلقة اليوم نتحدّث عن "مافيا" الساتلايت".

لا تزال مناطق الضاحية الجنوبية وأحياؤها عرضة لمظاهر مستمرة من الخروج على القانون، حيث تشهد طفرة من المخالفات التي عجزة القوى الأمنية أو تراخت في قمعها بحسب الآراء المختلفة. وهو ما يبرز في ظاهرة مصادرة العديد الارصفة وتحويلها الى ملكيات خاصة يجري استغلالها تجارياً سواء عبر انتشار المقاهي المفتوحة، إلى مظاهر سلبية بعضها مسيء للمحيط الجغرافي والاجتماعي. وتبلور مجموعات من شبيحة الأحياء الذين بتصرفون باعتبارهم أصحاب الحول والطول في التعامل مع الكثير من القضايا كالتحكّم بشبكات الستالايت الخاصة، واحتكار توزيعها وأسعار الاشتراك.

وفي حادثة ليست ببعيدة، ما جرى في خلال مونديال البرازيل 2014 في حزيران الماضي. إذ انتشرت شائعات يعرفها كثيرون حول عدم نقل المباريات من قبل الجزيرة الرياضية إلا بعد شراء “الكارت” الذي تبيعه الشركة التي تملك الحقّ الحصري بالبثّ، وما عدا ذلك يكون نقلا غير قانوني.

بعدها حصل خلاف بين الشركة وبين أصحاب الستالايت في الضاحية تحديدا، وتمّ الاتفاق على أن يدفعوا مبلغاً من المال للاستحصال على حقّ النقل المباشر من خلال الكابل. وفي خلال المناوشات الحاصلة بين الشركة وأصحاب الستالايت، ولأن أصحاب الستالايت متعوّدين على المثل القائل: “طالع واكل ونازل واكل” بدأوا يقنعون المشتركين بشراء “الريسيفير” الذي سيحلّ مشكلة النقل المباشر، ويستمرّ البثّ به لمدة 5 سنوات، كما أوحوا لمشتركيهم. على أن يدفع المشترك قيمة الاشتراك البالغ 20000 ل.ل.، وسعر “الريسيفير” الذي وصل في السوق السوداء إلى 90 دولاراً. وهدّدوا من رفض الدفع بحرمانه من مشاهدة مباريات كأس العالم وأيضاً مباريات البطولات الأوروبية.

حينها تداع الناس إلى شراء “الريسيفيرات” هجمة الرجل الواحد، بما ذكّرنا بمشهد “الانتظار على أبواب الأفران لساعات للحصول على بعض من الأرغفة” في خلال الحروب الأهلية الماضية. وخوفاً من أن يُحرموا آخر متعة في هذه الحياة في لبنان. ليتبين لاحقاً أنّ هذه “الفوبيا” من اختراع مافيات الستالايت بهدف الحصول على “المال السهل” والوفير، بعدما ابتلى كل شخص بـ”ريسيفره”، وبعدما نقلت الجزيرة الرياضية بشكل طبيعي المونديال والبطولات الأوروبية باتفاق مع الدولة اللبنانية، عبر تلفزيون لبنان. وهكذا سرقت افيات “الساتالايت” من كلّ بيت في الضاحية ما يقارب المئة دولار. وضرب الناس الكفّ بالكف ندماً على تصديق هذه المافيات. لكن وقتها لم يكن لهم طريقة غير هذه الطريقة لمشاهدة الساحرة المستديرة كرة القدم. فبلعوا الطعم باحترام.

ناهيك عن أنّ كل صاحب ستالايت يملك مجموعة من الأحياء، المسجّلة باسمه في الدوائر العقارية (!؟)، ولا يحقّ أو حتّى لا يجرؤ أحد على “مدّ” اشتراك لأيّ شخص كان من منطقته، تحت طائلة المسؤولية، التي تتراوح بين إحراق المحلات المتجرّئة أو حتى ضرب من يفكّر في “المنافسة”. ويخرق بذلك ميثاق الشرف الذي صنعوه هم بأيديهم، ويتعرض “المتجرّىء” على “مافيا الستالايت” لعقوبات “ضربية” ولعزل، ولا يردّ “المافيات” أحد، لا دولة ولا قوى أمر واقع ولا أخلاق…

وحزب الله، الحاكم والسلطة الأساسية في الضاحية، إما يطنّش، أو أنّه موافق لأنّ هذه المافيات صنعت نوعا من الطبقة الوسطى، في المولّدات الكهربائية والساتلايت والفانات وغيرها، وحزب الله ليس قادرا على إيجاد “زراعة بديلة” تؤمّمن الأموال لمئات أو آلاف العائلات. “زراعة بديلة” على وزن “الزراعة البديلة” للحشيش في البقاع. تلك التي فشلت وعاد البقاعيون إلى زراعة الحشيش.

لكن للأمانة، ما زال أصحاب “الدشّ” محافظين على عدم بثّ أفلام السكس (الجنس)، أو حتى المشاهد الإباحية في الأفلام، حرصاً منهم على عدم “شرب الشاي” في “شورى حزب الله”.
ظاهرة الفوضى وعدم ضبط حدودها بقيت في مناطق الضاحية  من المحظورات التي لا يجوز تناولها بشكل علني منعا للاستغلال السياسي، على أن هذا السلوك بدأ يظهر نتائج سلبية باعتبار أن هذه الفوضى تأكل المبتلين بها قبل أن تصيب مناطق أخرى.

السابق
المنظمة الأوروبية للأمن والمعلومات: الخطة لضرب مواقع عسكرية في سوريا ما زالت قائمة
التالي
الجيش: التشققات في تمثال العذراء نتيجة لعوامل طبيعية