هل ماتت الثورات؟

الثورات العربية

كما دافعت صباح عن الحياة. كان هناك غاضبون على وقار الموت. وإذا قرأنا هذه المفارقة سياسياً سنجد أن هناك رغبة في الدفاع عن الحياة يقابلها حرب شرسة من المتعلقين بأحبال دائبة هي كل ماتبقّى من الصيغ القديمة التي عاش على توازناتها بلاد أصبحت كوكباً مغلقاً على ذاته.

وكما ان هناك حملة دفاع عن سلامة الغذاء في بيروت، وتيار كامل في المغرب يبحث عن صحة لناس، فإن امراء الصيغ الميتة في كل مكان من المشرق الي المغرب يحاربون من أجل استمرارهم ولو بقتل الحياة.
هكذا مثلا يمكن أن نرى الاحتفال ببراءة مبارك احتفال «صيغة ميتة» تريد ان ترهن بلدا كاملا في موتها. تحارب حتى آخر قدرتها على التسرّب من اجل موت الثورة، ليس بمردودها السياسي (سقوط انظمة وصعود نقيضها) ولكن على مستواها الأعمق كثقافة للحياة. تريد الصيغ القديمة للحكم والسلطة والسياسة ان تتحول الى أقدار لا فكاك منها. كهنوت لا حياة للناس دونه.
صباح التي اكتشف الجمهور الواسع أنها أصغر من حكام حكموا ما قبل الثورات بمكياج الموتى… صباح هذه دافعت عن استمتاعها بالحياة بينما الأنظمة التي ثار عليها الناس تحولت الى مافيا صنعت الحروب الأهلية وهزائم عسكرية وعجزاً متنامي الأطراف وتعاسة كاملة لشعوب سرقت منها كل مايتعلق بالحياة ولم يعد امامها إلا الذهاب الى اماكن العبادة أملا في مكافأة الهية بعد الموت.
صنّاع الموت لا يكتفون به… يريدون التمثيل بشعوب كادت ان تتحول الى جثث لولا ان انقذتها لحظة صوفية… خرج فيها الناس خلف اقلية نادت بكسر «الميل العام» للاستسلام لقدر المافيا.
وعادت المافيا لتقول بأنها كانت «مؤامرة» وأن الحاكم المافيوزي بريء… وضحية.
عادت لتأكل حتى محاولات بناء نظام جديد يقوم على إحياء الصيغ القديمة في نسخة لم تتضح بعد.
ـــ 2 ـــ
كأنه كرنفال الفرص الأخيرة…
تأتي صباح بعلامة خارج صناديق الموت. وبموتها تحيي الحياة وتشير الى أن بروتوكولات الصيغ القديمة لم تعد صالحة حتى للجنازات.
تتعرى كل الصيغ القديمة لتكشف عن اصلها المتهالك. لا تلبيس الانظمة بالثورات اصبح صالحاً. ولا السير خلف النزوع الطائفي او القبائلي قادر على حمل التركة الثقيلة.
وعلى من اراد الموت للثورات بخروج الاشباح من اوكارها في نسخ تصلح للميديا الحديثة، أن يرى الكارثة اقرب مما يتوقع… ولن يستثني الجحيم احدا بمن فيهم المافيا العائدة لترقص على الجثث.
ـــ 3 ـــ
في انتظار المستقبل هناك جثث كثيرة على الابواب.
وكما تؤكد تداعيات حكم براءة مبارك فإن الجثث لم تعد تطفو على مستنقعاتها فقط لكنها بعد قليل من الثورات تصحو مثل كائنات الزومبي (الموتى الذين يريدون العودة الى الحياة) لتتصارع على من قادر على تحويل البلاد كلها الى ملاعب للموت. فلا المؤسسات والمنظومات قادرة على المستقبل ومازالت اسيرة الماضي تدافع عنه وتتحرك بناء عليه. ولا هناك رغبة في اصلاح هذه المؤسسات باعتبارها كهنوتا يحرم الاقتراب منه.
وبينما بدأت «داعش» في بث بياناتها من حدود مصر في سيناء، كانت الصيغ القديمة للمعارضة الاسلامية تكتشف فقدان سحرها كاملا. لم يبق اذن الا قدرتها على صناعة الموت.
…لم يفهم الاخوان قبل براءة مبارك بيوم واحد انهم فقدوا اعز مايملكون: قيادتهم للشعب. لم يغادر الشعب منازله ليدافع عن «هوية» في حرب ثمّنتها اطلال الجماعة. خلت القاهرة من سكانها تماما لتترك الملعب فارغا امام المتصارعين على سلطتها. ودلالة اختفاء الشعب كاشفة للطرفين: الاخوان الذين يريدون السلطة باعادة انتاج حرب الهوية بمحمولها العنصري والطائفي. والدولة التي اعلنت انها تحمي الناس باجبارهم عبر رسائل اعلامية على اخلاء الشوارع.
هكذا ضاقت مساحات اللعب امام «الصيغ القديمة» الى درجة ان حركتها اصبحت قرينة «الخواء»… وصمت المدينة الذي يشبه الموت.
وهنا تأتي صباح بصيغتها المنفتحة على الحياة والمرح، نقيضة لثقل الارواح المعذبة بحروب اهلية وصراعات طوائف وحكم مافيا، هذه الخفة في مواجهة الثقل هي بشكل ما الجانب المسكوت عنه في الثورات التي اردات التغيير دفاعا عن الحياة وتحالفت ضدها كل القوى التي ماتت وترفض الرحيل.

http://assafir.com/Article/20/387753

السابق
«تويتر» يصيب بـ«الذهان»
التالي
الإغتصاب الزّوجي: 6 أشكال لا يجوز التنكر لها