الاتحاد الجمركي يتداعى على وقع العقوبات الغربية

عندما اتخذ الكرملين قرار الردّ على العقوبات الغربيّة التي قضت بتقييد الواردات الأوروبيّة إلى روسيا، انتبه عدد كبير من المراقبين سريعاً، على خلاف المسؤولين الرسميين، إلى الاختلاف في نهج الاتفاق على العقوبات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا. والتباين واضح. فالأوروبيون يتوافقون على العقوبات توافقاً بطيئاً ومتدرجاً، ولا تقر العقوبات إلا بعد سماع رأي كل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وعلى خلاف الآلية الأوروبية هذه، بلغ حلفاء بوتين في مينسك وأستانة أنباء القيود الروسيّة من وسائل الإعلام. ولم يخطر ببال أحد في الكرملين مناقشة تفاصيل الردّ على العقوبات مع الشركاء في الاتحاد الجمركي أو إبلاغهم بها.
ولا شك في أن من الحماقة ألا تقتنص الدول المـــجاورة الفرصة السانحة التي نجمت عن هذه القيود: بروز ســوق كبيرة بل هائلة تعاني من نقص في عدد واسع من المنتجات. وثمة طرق كثيرة للاستفادة من حركة الطلب هذه، أبرزها تغليف المنتجات القادمة من الغـــرب بغلاف ماركات بيلاروسيّة. ولا يخفي ألكسندر لوكاشينكو، رئيس روسيا البيضاء أن بلاده تحقق أرباحاً بملايين الدولارات جراء القيود الروسيّة على الصادرات الغربية. والتحايل على العقوبات والقيود هو جسر المسؤولين الروس الممنوعين من دخول الاتحاد الأوروبي إلى التمتع بالمنتجات الغربية.
ولا يختصر التحايل على العقوبات والقيود على التوضيب من جديد والتصدير، إذ برزت طريقة تحايل أخـــرى قوامها «الترانزيت من بيلاروسيا إلى كازاخستان عبـــر روسيا». فتنتفي الحاجة إلى تغليف السباغيتي الإيطالي وجبنة البارميزان الإيطالية بغلاف الماركات البيلاروسيّة. ففي الطريق إلى كازخستان تتناثر هذه السلع الغربية في أنحاء روسيا الشاسعة. ويسع المواطنين الروس التلذذ بالمنتجات الإيطالية.
وقوضت أساليب الاستهزاء بالقيود الروسيّة الاعتزاز الوطني الروسي وأدّت إلى نتائج متوقعة. فانزعج بوتين وبادر إلى معاقبة حلفائه الضالين عبر منع إدخال المنتجات البيلاروسيّة، ومنع الترانزيت إلى كازاخستان. وكان متوقعاً أن تثير هذه العقوبات غضب كل من لوكاشينكو ونزارباييف. فالروس لم يناقشا معهما خطوة فرض قيود على المنتجات الغربيّة. واليوم، يتعرضان للقصاص والتأنيب بسبب استغلالهما الوضع من دون مخالفة فعليّة لأي من قواعد الاتحاد الجمركي! وبادر لوكاشينكو كما في الأوقات الحميدة التي سبقت ثورة ميدان الأوكراني على تأنيب علني للمسؤولين الروس. أمّا نزارباييف فرفض ببساطة النقاش مع الروس. ويبدو أن أعراض المرض بدأت تظهر على الاتحاد الجمركي، إذ انتصبت الحدود من جديد بين دوله. ولا يخفى لوكاشينكو أنّه مع اقتراب انهيار الاقتصاد الروسي سيتعذر تمويل نظامه بالأموال الروسيّة. لذا، يمتص آخر مصادر الدعم من روسيا ويريد دفعة جديدة مقابل ولائه. وإذا لم تتوافر هذه الدفعة، قد تخسر روسيا بيلاروسيا. ولدى كازخستان مشاكلها الخاصة. ودرج الروس على إطلاق اسم «اتحاد الديكتاتوريين» على الاتحاد الجمركي، ولكن لا غنى عن الاحترام المتبادل في هذه الصيغة من التعاون.

السابق
إيران مُستهدَفة مجدداً في اليمن الغارق في التوتر الطائفي
التالي
حرب: بعض المبادرات لمعالجة الشغور الرئاسي تنم عن دلع سياسي