ملف المخطوفين يُشعل حرب تهديدات متبادلة

فيما تطوي أزمة العسكريين المخطوفين اليوم شهرها الرابع، وبعد أقل من ثلاثة أيام من المشهد الفوضوي الذي اثارته تهديدات “جبهة النصرة ” الجمعة الماضي بقتل الدركي الرهينة لديها علي البزال والذي “أرجأته” عقب صدور قرار حكومي بالتفاوض المباشر في ملف العسكريين المخطوفين، استساغ هذا التنظيم لعبة الابتزاز ليعاود مساء أمس اطلاق التهديد نفسه وليتكرر معه رد فعل اهالي العسكريين بقطع مدخل وسط بيروت عند نقطة الصيفي.

واتخذ التهديد الجديد بقتل البزال بعداً شديد الخطورة وسط حبس الانفاس الذي واكبه من خلال رد صدر عبر بيان باسم “شباب آل البزال” استبق الموعد الذي حددته “جبهة النصرة ” لاعدام العسكري الرهينة وهدد بدوره بالرد الثأري في عرسال في حال تنفيذ التهديد. وأفاد البيان انه “اذا أصاب علي البزال أي مكروه فان أي ولد أو شيخ أو امرأة أو رجل من عرسال أو سوري الجنسية لن يكون في منأى عن ثأرنا”. وأضاف ان “ابننا ليس للمتاجرة وتحصيل الاهداف لأي طرف”. كما حمّل الشيخ العرسالي مصطفى الحجيري مسؤولية “كل ما يجري”. و قطع اهالي العسكريين طريق الصيفي ليلا في الاتجاهين وناشدوا الحكومة من مكان اعتصامهم التحرك لمنع “النصرة” من تنفيذ تهديدها، فيما انهارت شقيقة الدركي البزال وبقيت والدته وزوجته مع المعتصمين. كما قطع اهالي بلدة البزالية في البقاع الشمالي الطريق في اتجاه اللبوة بسياراتهم، وقطعت أيضاً طريق القلمون في الشمال . وقرابة الحادية عشرة الا ربعاً أعاد الاهالي فتح الطريق من دون حصولهم على أي إيضاحات عن مصير البزال وانتقلوا الى ساحة الشهداء حيث احرقوا اطارات قبالة جامع محمد الامين. وقرابة الحادية عشرة اعلنت “النصرة” مجددا تأجيل تنفيذ الاعدام بالدركي البزال.
ويشار الى ان معلومات غير مثبتة سربت عن ان المدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم “أبلغ جبهة النصرة ان جمانة حميد وعمر الاطرش الموقوفين لدى السلطات اللبنانية سيعدمان مقابل اعدام البزال”.
أما في الجانب السياسي المواكب لهذا المأزق، فلوحظ ان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط دخل بسرعة على خط التأزيم الحاصل، فكتب عبر “تويتر”: “اما وقد قبل كبار القوم بمبدأ المقايضة، فلنخرج أنفسنا من دوامة العدد في دولة ولاسباب معروفة وغير معروفة لا تسيطر على سجن رومية”. وأضاف: “من المفيد السرعة والموضوع عام وطني وليس فئوياً، وأتمنى ألا يكون اعتراض على كلامي، وأياً كان المفاوض لا مشكلة المهم التفاوض والمقايضة وحياة العسكر المخطوف”.
وانتقدت مصادر سياسية ما اعتبرته “إرتباكاً حكومياً” في التعامل مع قضية العسكريين، ولفتت “النهار” إلى شكوى رئيس الوزراء تمّام سلام من بطء المفاوض القطري من غير أن يحدد السبيل الأنجع للتفاوض العاجل، ولاحظت أن أحد النواب كان طمأن الأهالي باسم وزير يتولى حقيبة فاعلة إلى أن تهديد المسلحين الخاطفين بإعدام أحد الجنود تم طيّه بناء على مساعي الوزير المشار اليه قبل ثلاثة أيام، في حين أدخلت جهة سياسية الوسيط المسمى “أبو طاقية” على الخط. وفي حين كان اللواء عباس ابرهيم يتابع مهمته ويسعى إلى الحصول على لائحة مطالب الخاطفين النهائية والواضحة، والتي تتضمن أسماء موقوفين، انبرى وزير معلناً رفض إطلاق أي موقوف محكوم. كل ذلك أعطى الخاطفين مؤشرات متناقضة مما جعل وضع العسكريين المخطوفين أشد سوءاً.
إلا أن الأخطر قد يكون ما كشفته معلومات حصلت عليها “النهار”، فحواها أن أحد الأسيرين السوريين اللذين قايض بهما “حزب الله” فصائل المعارضة السورية من أجل إطلاق أسيره عماد عياد كان موقوفاً لدى جهة رسمية لبنانية.
وكان ممكناً، بحسب مصدر هذه المعلومات، استخدام الموقوف السوري لدى القضاء اللبناني ورقة ضغط على المسلحين السوريين الخاطفين من أجل تقوية موقف المفاوض الرسمي لإطلاق العسكريين المخطوفين.

بروكسيل
وكان الرئيس سلام أعلن من بروكسيل أمس رداً على سؤال لـ”النهار”، في ختام اليوم الأول من زيارته الرسمية لبلجيكا وعشية محادثاته الموسعة مع الاتحاد الاوروبي، ان الاوروبيين “خائفون من أن يخض الارهاب لبنان”، في إشارة الى المتابعات في أوروبا لتداعيات خطف العسكريين اللبنانيين. وقال إنه لمس عزماً على مساعدة لبنان في شتى المجالات على رغم ان بلجيكا أوقفت مساهمتها في “اليونيفيل” لاسباب تقشفية، في حين ان الاتحاد الاوروبي يرى في إطار سياسة الجوار أن الاستقرار في القارة لا يتعلق بداخلها بل بخارجها أيضا وفي هذا يكمن القرار بمساعدة لبنان.
من ناحية أخرى، أبلغ الرئيس سلام “النهار” ان التحرك الذي قامت به خلية الازمة الوزارية التي يرأسها مساء الاحد قبل سفره الى بروكسيل أمس جاء لمتابعة التطورات في ظل استمرار تهديدات الخاطفين بتصفية أحد العسكريين، لكن هذه التهديدات كانت قد جُمّدت. ولفت الى ان إنطلاق المفاوضات المباشرة مع الخاطفين قيد التحضيرات، وان لا تحديد لساعة صفر على هذا الصعيد. وأشار الى ان جميع المعنيين بهذا الملف يتابعون الوقائع وهم أعضاء خلية الازمة والمدير العام للامن العام والامنيون. كما أبلغ الرئيس سلام الوفد الاعلامي المرافق له أنه لا يأبه للشائعات التي ادعت ان اللواء ابرهيم قد تنحى عن مهمته، مؤكداً ان الاخير سيتولى التفاوض المباشر في ملف المخطوفين. ونوه بالجهد الذي يبذله وزير الصحة وائل ابو فاعور وبكل جهد مماثل. وكرر القول إن وصول السكين الى الذبح السبت الماضي حرّك موضوع المفاوضات المباشرة: “لم يكن في إمكاننا ان نبقى نياماً حتى يأتي الجانب القطري”. وعلق على إحراق الاطارات قبالة السرايا أمس بقوله: “منيح ان الامر إقتصر على حرق الدواليب وليس على شيء آخر”. وأفاد ان لبنان سعى لكي تساهم تركيا في معالجة أزمة العسكريين المخطوفين لكنها لم تستجب لاسباب يجهلها لبنان.

السابق
تأجيل لقاء ابو فاعور مع نقابة اصحاب المستشفيات الخاصة
التالي
نوري المالكي في بيروت: أين المراجعة النقدية لتجربة الحكم في العراق؟