جعجع: هتلر رئيس قوي.. وعرض عون مقبول معدلاً

تنفس رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الصعداء مع إصدار المجلس الدستوري قراره برد الطعن في قانون التمديد لمجلس النواب. بدا هذا القرار بمثابة سترة واقية من الرصاص، في وقت كانت معراب عرضة لنيران سياسية غزيرة، من الرابية، بفعل التغطية المسيحية التي منحتها «القوات» للتمديد.

أما على مستوى الاستحقاق الرئاسي، فان جعجع لا يزال يتصرف كمرشح جاهز لمبارزة العماد ميشال عون في المجلس النيابي بعد تصويب او تشذيب اقتراحه الاخير، برغم قناعة الكثيرين، ومن ضمنهم حلفاء رئيس «القوات»، بأن ترشيحه غير مطابق لمواصفات المرحلة، وان مسألة سحبه هي مسألة وقت، ليس إلا.
يقول جعجع لـ«السفير» انه «في المبدأ مع اي حوار، وخصوصا بين السنة والشيعة في لبنان، انطلاقا من الاوضاع الملتهبة في المنطقة والتي تجعل التواصل بين تيار المستقبل وحزب الله ضروريا، اقله لتخفيف الاحتقان المذهبي. أما في ما يتعلق بأبعد من ذلك، فأنا فهمت ان القضايا الجوهرية المتصلة بأمننا القومي وبطريقة إدارة الامور في لبنان لن تكون موضع حوار حاليا، وهذه نقطة ضعف، لان التحدي الحقيقي هو في مقاربة الإشكاليات العميقة التي تشكل مادة انقسام داخلي حاد».
وهل لديك استعداد للخوض في حوار مباشر مع «حزب الله»؟
يشدد جعجع على انه يتمتع بالمرونة الكافية للتحاور مع الآخر، «وقد أثبتت تجربتنا مع الرئيس نبيه بري ان بالامكان من خلال النقاش التوصل الى مكان مشترك، لان هناك إمكانية للأخذ والرد بيننا وبين الرئيس بري». ويضيف: «إذا توافرت لدى حزب الله نية فعلية للتطرق الى المسائل الخلافية الجوهرية ومناقشتها بجدية، على قاعدة ان يحاول كل منا التقدم خطوة في اتجاه الآخر سعيا الى التلاقي في منتصف الطريق، فنحن جاهزون للحوار، سواء كان ثنائيا او ثلاثيا بين حزب الله والمستقبل والقوات».
وحتى ذلك الحين، هل تخشى من ان يتولى «حزب الله» و«المستقبل» إنجاز طبخة الاستحقاق الرئاسي، بحيث يقتصر دور المسيحيين على تناولها، وفق مقادير سياسية معدة سلفا؟
يؤكد جعجع ان الامر مختلف هذه المرة، كاشفا عن ان «الرئيس سعد الحريري سيطرح على السيد حسن نصر الله، عبر الحوار حول الملف الرئاسي، الخيارين الآتيين: إما النزول الى مجلس النواب للمشاركة في الجلسة الانتخابية المقبلة على قاعدة ان لـ14 آذار مرشحها ولـ8 آذار مرشحها ولنترك للعبة الديموقراطية ان تأخذ مجراها الطبيعي، وإما التوافق على مبدأ الرئيس التوافقي، وهذا يقتضي لاحقا ان يتفاوض كل طرف مع حلفائه المسيحيين على اسم ثالث يكون مقبولا من الجميع، انطلاقا من ان القوى المسيحية الاساسية هي شريكة حتمية في الطبخة الرئاسية».
وأين أصبح اقتراح العماد عون القاضي بحصر المنافسة الرئاسية بينك وبينه؟
يشير جعجع الى انه يؤيد جوهر هذا الاقتراح أكثر من عون نفسه، «لكن طريقة تنفيذه لا يمكن ان تتم بالطريقة التي اقترحها الجنرال، لانه ليس منطقيا ان نضع فيتو على اي اسم، او ان نُلزم الكتل النيابية مسبقا بالتصويت لواحد من اثنين حصرا. إلا ان ما نستطيع فعله انا وعون هو ان ننزل الى الجلسة الانتخابية المقبلة، وأعتقد انني سأحصل على أكثر من 50 صوتا وهو سيحصل على أكثر من 50 صوتا، فيما سينال أي مرشح آخر عددا هزيلا من الاصوات».
ويتابع: «عندما تصبح العملية الانتخابية جدية بهذا الشكل، يمكننا من موقع قوة المنطق والارقام، ان نطلب من هذا المرشح ان ينسحب لنا لا العكس، لتصبح المواجهة بعد ذلك محصورة بيني وبين الجنرال، وفي هذه الحال، فان كل من يعاند ويصر على التمسك بالمرشح الاضعف يكون هو من يعطل انتخاب رئيس الجمهورية».
وماذا عن خشية عون من صفقة تحت الطاولة تؤدي الى فرض أمر واقع وانتخاب اسم آخر، على حساب المرشحين الأقوياء؟
يقول جعجع: «أنا اضمن الصيغة التي طرحتها، وأؤكد ان حلفائي لن يغدروا بي، ويفترض ان يكون الجنرال واثقا بحلفائه أيضا. أما ان يبني موقفه على اساس اعتقاد مسبق بان هناك صفقة مريبة ستتم تحت الطاولة، فهذه محاكمة للنيات لا يمكن الركون اليها في اي عملية ديموقراطية. من واجب الجنرال، ان يدرس حساباته وعلاقاته جيدا وان يخوض اللعبة السياسية وفق قواعدها، لان الرئاسة لا تأتي على طبق من فضة».
وما رأيك في الاستنتاج القائل بان الرئيس سعد الحريري وضع عمليا الزعماء المسيحيين الاربعة الاقوياء خارج معادلة حساباته؟
يعتبر جعجع ان «طريقة تصرف عون حتى الآن هي التي تضع الاقوياء الاربعة خارج المعادلة وتدفع الى البحث في خيار الرئيس التوافقي. بينما لو تخلى الجنرال عن مقاطعته وشارك في جلسة الانتخاب المقبلة، لكانت فرص وصول أحدنا الى الرئاسة أكبر مما هي عليه الآن».
ولكن، ألا تعتقد ان الحريري لا يريد وصول رئيس مسيحي قوي الى قصر بعبدا، كما تشعر بعض الاوساط المسيحية؟
يجيب جعجع: «لست من هذا الرأي، لان الحريري كان قد ابلغني شخصيا بما معناه: إذا بتلاقوها مناسبة، أنا مستعد إمشي بميشال عون. ومؤدى ذلك اننا لو وافقنا في 14 آذار على الجنرال لكان الحريري قد أيده». ويضيف: «لقد كان الحريري يعتبر ان من حسنات انتخاب عون تفادي خربطة الوضع ككل، وتعطيل المؤسسات، آخذا في الحسبان آنذاك ان الجنرال قد يندفع نحو رد فعل حاد في حال وجد ان الاتجاه هو لانتخاب غيره».
ولماذا تعطلون في 14 آذار فرصة انتخاب رئيس قوي كالعماد عون؟
يرد جعجع مبتمسا: «للعلم.. لسنا نحن فقط الذين نعارض عون، إذ ان البعض في فريق 8 آذار قال صراحة امام جهة ثالثة: إذا ضاقت الخيارات، وأصبح علينا في لحظة الحقيقة ان نختار بين عون وجعجع، فاننا لا نصوت لعون!».
ويتابع: «أما الرئيس القوي الحقيقي، فهو بالدرجة الاولى صاحب الشخصية المتزنة والعاقلة والذي يعرف كيف يخطط ويقرر».
وماذا عن الحيثية الشعبية لرئيس الجمهورية؟ ألا يفترض ان يكون أولا صاحب صفة تمثيلية في الساحة المسيحية حتى يستطيع تحقيق التوازن والشراكة مع الاقوياء في الطوائف الاخرى؟
يلفت رئيس «القوات» الانتباه الى ان الصفة التمثيلية ضرورية، «لكنها ليست كافية وحدها، بل يجب ان تواكبها الشروط التي أشرت اليها.. وهذا هتلر، ألم يكن رئيسا قويا يمثل الاكثرية الساحقة من الشعب الألماني؟ ماذا فعل، لقد دمر ألمانيا؟».
وبمعزل عن التفاصيل، هل تجد ان هناك إمكانية واقعية لانتخاب رئيس قريبا؟
لا يرى جعجع رئيسا في الافق، مستندا الى «معادلة واضحة، وهي ان عون يخوض معركته الاخيرة في حياته السياسية، وحزب الله ليس منزعجا في المبدأ من عدم وجود رئيس للجمهورية وليس مستعدا لخسارة الجنرال من أجل انتخاب رئيس، وبالتالي فان المبادرة أصبحت في الرابية التي ينبغي ان يخرج منها قرار شجاع، لوقف الدوران في الحلقة المفرغة».
وماذا حول إعلان الرئيس أمين الجميل عن انه مرشح «14 آذار» أيضا؟ يصمت جعجع لبرهة، ثم يجيب: انه بالمعنى الفلسفي مرشح بـ»القوة».
والى اي حد أراحك قرار المجلس الدستوري برد الطعن المقدم من «التيار الوطني الحر» في قانون التمديد لمجلس النواب؟
يؤكد جعجع ان «ما حصل أنصف القوات وأعطاها الحق في ما ذهبت اليه من تأييد لخيار التمديد»، مشيرا الى ان «الاسباب الموجبة التي استند اليها المجلس في رد الطعن هي ذاتها التي جعلتنا نغير موقفنا في اللحظة الاخيرة من رفض التمديد الى دعمه مكرهين، مع الاشارة الى ان عون ممثل في المجلس الدستوري بعدما خاض معركة داحس والغبراء حتى أتى الى عضوية المجلس بمن هو مقرب منه، ومع ذلك صدر القرار بإجماع الأعضاء».
وكيف تنطر الى طريقة إدارة ملف العسكريين المخطوفين؟
يستغرب رئيس «القوات» استمرار التخبط الرسمي في معالجة الملف منذ أشهر، مشددا على ان هذا الواقع لا يجوز.. «لقد اصبحنا كلنا أسرى».

السابق
هل أنت «مدمن» على «الهاتف الذكي»؟
التالي
من مارتن هايدغر إلى سعيد عقل: صَغارُ السياسةِ كِبَرُ الشِّعر