نتنياهو القديم

عندما ألقى نتنياهو خطابه الانتخابي الأول في حملته الجديدة في الكنيست يوم الأربعاء، وامتدح سنوات حكمه التسع والإصلاحات التي أدخلها على سوق العملات الأجنبية قبل 18 عاما، جلس الوزيران تسيبي ليفني ويائير لبيد خلف طاولة الحكومة وتبادلا النظرات. وتندرا من دون توقف ساخرَين وضاحكَين كتلميذَي ثانوية يتغازلان. وطوال خطابه لم ينظرا إليه ولو بشكل عابر من دون حتى التظاهر بالإصغاء. وعندما انتهت لديهما النكات، وطمرا رأسَيهما في الأوراق، فعلا ذلك بشكل ظاهر، وبتحدًّ أمام الجميع.

والأمر لم يغب عن ناظريه. بين حين وآخر، كان نتنياهو ينظر إليهما ويشحب وجهه. ليس بسبب مصاعب نفسية في الافتراق عنهما، بل العكس، فليغيبا عن نظره. إنه يتطلع لحكومة مع شركائه الطبيعيين في الجولة المقبلة. لكنه اكتشف أن الاثنين حاكا من خلف ظهره مؤامرة، ظاهريا، لإنشاء حكومة بديلة في هذه الكنيست، ومنذ أيدت كتلتاهما قانون «إسرائيل اليوم»، صار ببساطة لا يستطيع تحمل وجودهما معه تحت سقف واحد.
وكان التوتر باديا عليه، كما أشار زعيم حزب العمل اسحق هرتسوغ، الذي ألقى بعده خطابا أجاد فيه اتهامه وقرصه بحدة كبيرة. فبعدما كرر نتنياهو أكثر من عشر مرات جملة «لم تخل أرضا ــ يعني لم تعمل» موجها الاتهام لليسار، ذكر الحضور بنتنياهو القديم من أيام المعركة الانتخابية عام 1999.
بالمناسبة، منذ متى كان الإخلاء إهانة؟ لقد كان هنا رئيس حكومة يميني، مناحيم بيغين، الذي أخلى أراضي وهدم مستوطنات. مؤسف أن أعضاء في حزبَي العمل وميرتس خدموا نتنياهو بالصراخ عليه من دون تذكيره بذلك. في انتخابات 99 قدم نتنياهو للأمة عبارة «إنهم خائفووووووون» وهمس في أذن حاخام الكابلاه العجوز: «اليسار نسي ماذا أن تكون يهوديا»، و»نتنياهو يحفظ وباراك يسلم». والشعار الأخير كان بعد أن وقَّع في أميركا على اتفاقية واي بلانتيشن، التي تقرر فيها انسحاب إسرائيل من الضفة على ثلاث مراحل، وتراجعه عنها بعد عودته من هناك. عموما لا شيء تغير.
كانت نبراته، حركاته، إيماءاته هذا الأسبوع شبيهة جدا بحركاته عامَي 98 و99. وعدا المظهر، كانت الفحوى مفضوحة وموجهة نحو القاعدة السياسية، مثل الدق على طبول عشائرية: أنا يمين، هم يسار. في أوقات الضائقة الشخصية، نتنياهو دوما يعود إلى قواعده، إلى منجمه، إلى مسقط رأسه السياسي. حاليا الضغط هو ذاته، الجهد ذاته، والملاذ ذاته.
ولهذا السبب جاء إلى العالم قانون القومية، وفي الأسبوع المقبل سيحين دور قانون مصادرة حقوق أفراد عائلات الضالعين في الإرهاب، وهذه ليست النهاية. ستوضع قوانين أخرى بنكهة عنصرية، تمييزية. فالزعيم يبحث عن راية يرفعها في الانتخابات وما بقي له فقط: أنا وهم. أنا هنا وهم هناك.
ومقاربته للعرب مواطني الدولة، كما تجلت في الصيغة المتطرفة لقانون القومية لزئيف ألكين من كتلته، وهي الصيغة التي أصر على إقرارها في الحكومة هذا الأسبوع، ليست أقل من فضيحة. فهل هو رئيس حكومة ألكين؟ كل شيء عنده مادة خام لألاعيب سياسية صغيرة. وتحديدا رئيس حكومة من اليمين يمكنه وواجب عليه أن يلعب دورا ملطفا ومتزنا في العلاقات بين الأغلبية والأقلية، وهذا ليس نتنياهو. فعندما يرى صناديق الانتخابات من بعيد لا يعود يرى شيئا: فبعد قليل سنقتنع أن نفتالي بينت وأوري أرييل حمائم طاهرة بجواره.
وليس مؤكدا أن في إسرائيل ملك هذه الأيام، لكن من دون ريب هناك رئيس في القدس. حيروتي حقيقي، عنده مفاهيم مثل الديموقراطية، الليبرالية، المساواة وحقوق الإنسان، من دون «ولكن» و»بشرط» ليست كلمات فارغة. لقد أعاد رؤوفين ريفلين للدولة كرامتها، حينما أعلن أن قانون القومية يثير الشك في المشروع الصهيوني ووثيقة الاستقلال، وأنه لا يعزز الطابع اليهودي لدولة إسرائيل، وإنما يضعفها. وكتب مثل هذا الكلام دان ميريدور وميخائيل إيتان، اللذان أبعدا عن قائمة الليكود للكنيست الحالية، وموشي أرينس في «هآرتس»، ذكرونا بأنه كان لدينا يمين آخر، ليكود آخر، لن يتكرر.
والواقع أن لا أحد يفهم قصة قانون القومية. ما الجيد فيه وما الضرر لنا من دونه. لا أحد، غير الأقليات في الدولة. إنهم يفهمونه جيدا. الدروز مثلا. هذا الأسبوع قام المتنافس على زعامة الليكود، داني دانون، بزيارة تعزية لقرية يانوح، لعائلة الشرطي زيدان سيف، الذي قتل حينما هاجم المخربين في عملية كنيس هارنوف. سأله أهل العزاء بألم: «لماذا تجعلوننا مواطنين من الدرجة الثانية؟ إنكم دوما تقولون أن بيننا وبينكم حلف دماء. هل هذا ما تسمونه حلف دماء؟»
دانون استاء من الوضع. عاد إلى القدس وبدأ في صياغة بند تحفظي في قانون القومية، «يستثني» الدروز. ربما أنه سيجعلهم نصف يهود، أو يهودا في أحسن الأحوال.
في فيلم «الفأر يزأر» يظهر مشهد يفتح فيه الفأر فمه فيخرج زئير رهيب، يخيف الآخرين. وتصرف نتنياهو تجاه قانون القومية يشبه ذلك المشهد. وفي جلسة الحكومة لم يصغ لرجاء وزراء، بينهم ليمور ليفنات من حزبه، بإبعاد مشروع قانون ألكين المتطرف وبعرض صيغة أكثر اعتدالا بدلا منه. وأثار ذلك شجارا عنيفا مع ليفني ولبيد ووزراء آخرين لدرجة بدا فيها أن الحكومة على وشك الانهيار. وخلال أقل من 24 ساعة ظهر من خاف من الزئير الذي خرج من حلقه، إذ وافق نتنياهو على تأجيل التصويت لأن وزراء «هناك مستقبل» سيصوتون ضد موقف الحكومة. وخلال المداولات اللاحقة أعلن نتنياهو أنه سيعرض على الكنيست صيغته لمشروع القانون وليس صيغة ألكين. ومعروف أن لبيد وليفني يؤيدان صيغة نتنياهو.
فإذا كان هذا قصد نتنياهو، فلماذا سعى للشجار في جلسة الحكومة وإغضاب الكثيرين؟ قال مقرب منه: «لأنه ضجر منهم، من إهاناتهم له مرتين في الشهر الماضي، في مسألتَي قانون التهويد وقانون إسرائيل اليوم. وأيضا لأنه أراد أن يثبت لهم أنه رب البيت. وأنه يعيش بمزاج انتخابي، حتى لو يكن مستميتا للذهاب للانتخابات، ولكن إذا اضطر، فإنه لن يتراجع، وهو مقتنع في كل الأحوال أن الضرر عليهم أكبر».
وتأجيل التصويت يخدم مصلحة أخرى لنتنياهو. فهو ينتظر رد أعضاء الكنيست الحريديم. وهو لا يطلب منهم الالتزام بأن يصوتوا عليه بعد الانتخابات وأن يكونوا جزءا من الائتلاف، إنه يريد منهم أن لا يكونوا جزءا من الحكومة البديلة برئاسة هرتسوغ في هذه الكنيست. عموما إن فرص تشكيل ائتلاف كهذا يجمع بين الحريديم ولبيد ضعيفة جدا وتقترب من الصفر. لكنها على الورق احتمال قائم. ونتنياهو لا يعتمد على الاحتمالات. من ناحيته كل تهديد هو مؤكد، فوري وملموس، وحتى لو كان احتمال نجاح ذلك بالغ الضعف، فإنه يجتهد للتصدي لإفشاله. فهو له تسع سنوات في الحكم أيضا بسبب خوفه من التهديدات، ولذلك فإنه يتعامل مع هذا الخطر بجدية.

السابق
حسناً فعلتَ
التالي
الفيليبين تحظر مواقع تساعد المتزوجين على الخيانة