حرب الدوران

حتى لو بقيت هناك شكوك ــ وسواء أراد رئيس الحكومة انتخابات أم لم يرد ــ أمر واحد بات واضحا: نتنياهو يتصرف كما لو أن الانتخابات وشيكة. وخطابه في الكنيست كان دعاية انتخابية بكل المعاني. وبوسع رجال حملته أن يختاروا الآن جملا منها واستخدامها كشعارات ويافطات في الشوارع وفي كل ما يخدم الحملة الانتخابية المقبلة. ومثل الجملة التي مررها مرارا، كأنها حقيقة ثابتة لا يمكن الجدال فيها، عندما توجه لأعضاء المعارضة قائلا: «إذا لم تخل أرضا، (تنسحب)، كأنك لم تفعل شيئا»، على شاكلة شعاره في زمان آخر: «يعطون، يأخذون، لا يعطون لا يأخذون».

وزعيم المعارضة، الواجب الانتباه للتغييرات والتكيفات التي يمر بها في طريقه للتنافس على رئاسة الحكومة، حاول قطع رأس الشعار في مهده. فصعد هرتسوغ إلى المنبر مبينا الانسحابات التي نفذها نتنياهو: «لقد انسحبت من الخليل، وصوتت إلى جانب خطة الفصل. وأخليت مواطنين من بيوتهم، وأفرغت ثلاجات مواطني إسرائيل. لقد أفرغت جيوبهم ومحافظهم. كما أفرغت مستقبل أولادهم. لقد أخليت ولم تفعل شيئا».
ويجب الاعتراف أن خطاب نتنياهو، كخطاب انتخابي، كان ممتازا. الوتيرة، الحماسة، الشعارات المتكررة ــ فعلا حسب الكتاب. صحيح أن الكلام لم يكن في الموضوع الذي خصص له النقاش، ولكن منذ متى يجيب الساسة عما يسألون عنه. ورئيس الحكومة تحدث عن كل شيء ــ من قانون القومية إلى الانجازات الرائعة لحكوماته على مر السنين، بما فيها حكومته الأولى الفاشلة، التي أُطِيْحَتْ بشكل مهين على يد إيهود باراك.
وفق خطاب نتنياهو، هذه الدولة كانت ستتبدد منذ سنوات، لولا وجوده لقيادتها في كل المجالات: في الاقتصاد، الأمن، البنى التحتية، التعليم، الإصلاحات الكثيرة. كنت مشتاقة لسؤاله مرة واحدة قبل أن ينزل عن المنبر: إذا كان الوضع جيدا بهذا القدر، فلماذا هو سيئ لهذا الحد، وكيف أن كل هذه الانجازات تبقينا في درك لا سابق له في كل موضوع نشير له؟
فمن يحاول نتنياهو أن يخدع عندما يمتدح نفسه على العقوبات التي أفلح في فرضها على إيران، حينما يثبت أن إيران لم تكن أقرب للقنبلة مما هي عليه اليوم؟ وعندما يتحدث عن إصلاح الاقتصاد، الذي نقل الدولة من ناتج قومي متدن إلى ناتج عال، لماذا لا يذكر جدول الفقر، الذي قفز في عهده إلى ذرى لا سابق لها؟ وحينما يتحدث عن الضربة القاتلة التي وجهها لحماس، مطلوب منه أن يقول: ضربة ربما، ولكن هل هي قاتلة؟ فنحت ليس فقط لم نحطم رأسها في غزة، بل تلقيناها في القدس.
ولكن إذا كنا نبحث عن براهين لإبقاء نتنياهو جبهة الانتخابات مفتوحة، ينبغي الانتباه للحل الوسط الذي توصل إليه هذا الأسبوع محاميه، دافيد شومرون. في مؤتمر مركز الليكود الأخير طلب فايغلين، الذي يتنافس ضد نتنياهو ودانون على رئاسة الليكود، أن لا تكون الانتخابات التمهيدية المقررة في 6 كانون ثاني الانتخابات الأخيرة إذا لم تجر الانتخابات العامة خلال نصف عام بعدها. بكلمات أخرى: إذا تم انتخاب نتنياهو في كانون الثاني المقبل ولم تجر انتخابات عامة خلال ستة شهور، فستجري انتخابات تمهيدية أخرى لزعامة الحزب.
وجرى تصويت في مركز الليكود، والنتيجة كانت متقاربة جدا، فقرر دانون إجراء تصويت آخر سري. وزعم نتنياهو أن هذا تغيير للائحة الداخلية والتمس من محكمة الليكود التي حاولت وضع حل وسط. نتنياهو طالب بتحديد عام قبل إجراء انتخابات أخرى. الحل الوسط كان تسعة شهور. معنى ذلك أنه إذا لم يرغب نتنياهو بانتخابات تمهيدية أخرى، فيجب أن لا تجري الانتخابات بعد تشرين الأول المقبل.
بحثا عن الشجار
بات السؤال: تريد انتخابات أم لا. هل قرر رئيس الحكومة الذهاب نحو انتخابات كما بدا يوم الأحد، حينما صوتت الحكومة على قانون القومية وكان نتنياهو عازما على عرض الأمر على التصويت في الكنيست يوم الأربعاء، أم أنه لا يريد انتخابات كما بدا من تأجيله للتصويت أسبوعا، وحينما لَمَّحَ في خطابه إلى أن التصويت سيكون على صيغته هو لقانون القومية، وهي صيغة ملطفة عن صيغة ألكين.
أم أن الأمر برمته كان مجرد لعبة من نتنياهو وألكين، أُعِدَّ أساسا لتمرير القانون الذي يعده رئيس الحكومة: أولا يعرضون القانون المتطرف لألكين ويصرون عليه ويدفعان لبيد وليفني للعربدة، والإعلان عن أنهما لن يسمحا للقانون بالمرور حتى إذا عنى ذلك تفكيك الحكومة. بعد ذلك يعرض نتنياهو صيغته فلا يستطيعان الاعتراض عليها لأنها أكثر اعتدالا من صيغة ألكين.
والشيء الواضح هو أن نتنياهو أيضا تغير بعض الشيء منذ عرض في الحكومة قانون القومية، إذ اكتشف أن القانون لا يحظى بشعبية حتى في صفوف الليكود، وأنه ربما كان خطأ القتال من أجل هذا القانون المتطرف. ولو ظن أن القانون الذي يحاول إقراره سيظهره كصهيوني ووطني، فإن الحال انقلب عليه. قائمة معارضي القانون طويلة، من الوزيرة ليمور ليفنات، التي أبدت شجاعة لا تميز رجال الليكود، ورفضت التصويت مرورا بموشي أرينس، وزير الدفاع الأسبق الذي يكن له نتنياهو تقديرا كبيرا وأعلن أن القانون ضار، والمستشار القضائي للحكومة الذي قرر أنه لا ينبغي سن مثل هذا القانون، وصولا للرئيس روبي ريفلين، الذي يثبت بشكل متزايد أنه يستحق منصبه الرسمي، وأعلن أن القانون ليس فقط لا يعزز الطابع اليهودي للدولة، بل إن إقراره يضعفها.
وبوسع نتنياهو التظاهر بأن هذه أمور لا تهزه، لكننا لسنا ملزمين بتصديقه. في هذه المسائل هناك نتنياهوان: الأول متطرف، عدواني، مرتجل ويسمع لمن يهمسون في أذنه ــ مثل زئيف ألكين وإسرائيل كاتس حاليا ــ والثاني الاغترابي، الذي لا يجد مكانه أبدا بين صفوف الحرس القديم ومنظومة الليكود، والذي في قلبه يقدرهم ويحترمهم ويتوق لأن يكون جزءا منهم. وها قد وجد نفسه إلى جانب المعسكر اليميني المتطرف لليكود، ممن يدفعون الحزب والدولة عبر قوانين عنصرية وغير ديموقراطية نحو اتجاه مشكوك أن نتنياهو يريده.
في الأيام القريبة سنعرف المسافة التي ينوي نتنياهو قطعها: هل سيعرض قانون ألكين للتصويت يوم الأربعاء فيتفكك الائتلاف، أم سيجد السبيل لإبعاد الصيغة والتصويت فقط على قانون القومية الحكومي لنتنياهو وبالتالي إنقاذ حكومته. غير أن مشروع قانون كالمفترض أن يقدمه نتنياهو يتطلب شهرين من العمل. إذ يجب أن يطلع عليه مستشارون قانونيون، وزارات حكومية ذات صلة، بل ورجال أكاديميا. ويصعب فعل كل ذلك حتى يوم الأربعاء. والسؤال، كما العادة، هو كم يريدون ذلك؟
سألت هذا الأسبوع كثيرين: لماذا يصر نتنياهو على التصويت على قانون ألكين، إذا كان حقا يريد إقرار قانونه هو؟ إذا فهمت أقوال أحد المسؤولين، فإن الأمر مجرد تكتيك. وهو يقول: إذا كانوا سيقرون القانون، فستعقب ذلك جولات من المفاوضات والحوارات بين الأطراف. وكل طرف سيشد القانون نحوه. إن لم توضع على الطاولة إلا صيغة نتنياهو، فسوف تحدث مساومات. لذلك مهم جدا أن تكون هناك صيغ أشد تطرفا.
واعترف المسؤول: نعم هذا تكتيك. السؤال: من أين تبدأ المفاوضات. لذلك، فإن أعضاء كنيست يمينيين يريدون صيغة نتنياهو وسطية وليست صيغة يتم القضم منها.
وهكذا فيما الأرض تشتعل بالكراهية المتقدة، ويتعذر على العالم فهم هذا القانون العنصري، في رئاسة الحكومة ينشغلون بالتكتيكات ويرفضون رؤية الضرر الكامن فيها، من كل أبعاده عموما ومن توقيته خصوصا. وإذا كان يبدو في نهاية الأسبوع الماضي أن الجدال حول قانون القومية يوشك على الانتهاء، فقد جاء الشجار الكبير في الحكومة ليثبت أن كل مكونات الحكومة هذه تسعى للشجار.
ومهلة الأسبوع التي توفرت لم يتم استغلالها، وعمليا ابتداء من يوم الاثنين وحتى كتابة هذه المقالة لم تجر أي محاولة بين الطرفين للتحاور. وفق ما بدا في خطابات الكنيست، المهلة لم تتقرر لحل الخلاف، وإنما لإدارة الحملة.
هذا يعني حاليا أن كل الأمور غارزة. إذا بقي الحال هكذا في الأسبوع المقبل يمكن أن نبدأ في العد التراجعي لأيام هذه الحكومة. وإذا لم تتوفر فرصة لتسوية، فسوف تنفجر الأمور، وفي تاريخ دولة إسرائيل سيكتب أنه في هذا الوقت، حينما كان الشرق الأوسط يشتعل، والوضع الأمني، الاقتصادي والدولي في حضيض لم تعرف له الدولة مثيلا منذ سنوات ــ اختارت حكومة إسرائيل إدارة حملة انتخابات وإدخال الدولة في حالة دوران حول مسألة غير مهمة، ضارة ولم تكن لها حاجة من الأساس.

السابق
بالاسماء.. 8 فنانون عرب من أصول يهودية
التالي
«التجمع اليمني للإصلاح» وعلاقته بحركات الاسلام السياسي