كيف يمكن مواجهة المخاطر الأمنيّة على لبنان؟

قاسم قصير

أثارت التصريحات التي أطلقها وزير الداخلية نهاد المشنوق في الأسبوع الماضي، بشأن المخاطر الأمنية التي سيواجهها لبنان في العام المقبل، جُملة مخاوف وأجواء قلق في الأوساط الدبلوماسية والسياسية والإعلامية والشعبية، ما دفع الوزير المشنوق والأوساط المقربة منه الى السعي للملمة هذه التصريحات والتخفيف من حدَّتها ووضعها في إطار التحذير والتنبيه.

لكن رغم محاولات الوزير المشنوق لطمأنة الأوساط اللبنانية إلى أن مواقفه وتصريحاته كانت بهدف التحذير فقط، فإن ذلك لا يلغي تعرض لبنان لمخاطر أمنية جدية برزت بعض مظاهرها خلال الأشهر الماضية من خلال أحداث عرسال وطرابلس والمنية ومنطقة العرقوب والتي يمكن ان تمتد الى مناطق أخرى، في حال تصاعُد التطورات الأمنية والعسكرية والسياسية في سوريا والعراق ودول الجوار.

إذن، تصريحات الوزير المشنوق لم تأت من فراغ، وهو وضع في تصريح آخر له لجريدة «السفير» خطة عمل من 3 نقاط لمواجهة هذه المخاطر، هي:

1- دعم الأجهزة الأمنية والجيش اللبناني وتأمين كافة المتطلبات لهم لمواجهة مختلف المخاطر.

2- العمل لتحقيق انفراج سياسي داخلي وتعزيز الوحدة الداخلية، ما يقطع الطريق أمام أية أزمات.

3- التعاون مع علماء الدين والجهات الدينية المختلفة.

فما هي حقيقة المخاطر الأمنية التي يواجهها لبنان في المرحلة المقبلة؟ وهل يمكن التصدي لهذه المخاطر عبر تعزيز الحوار الداخلي وتعزيز دور الأجهزة الأمنية ودعم الأطراف الفاعلة في البيئة الدينية؟

حقيقة المخاطر الأمنية

بداية من أين تنبع المخاطر الأمنية المقبلة على لبنان وفقاً لرؤية وزير الداخلية نهاد المشنوق والأوساط القريبة منه؟

لقد حدد وزير الداخلية نهاد المشنوق طبيعة المخاطر الأمنية المقبلة على لبنان من خلال توقعه «ان يكون العام المقبل مليئاً بالصراعات في المنطقة، وخصوصاً في سوريا والعراق وانعكاس ذلك على الوضع اللبناني».

وتعتبر الأوساط القريبة من الوزير المشنوق «ان وزير الداخلية سعى من وراء هذا التصريح إلى التحذير والتنبيه إضافة إلى وجود معطيات ومعلومات حقيقية، وذلك من خلال ما حصل في الأشهر الماضية، وان إرجاء الانتخابات النيابية والتمديد للمجلس النيابي يؤكد هذه الأجواء.

وتتلاقى معطيات الوزير المشنوق مع المعلومات والأجوء التي تحدث عنها قائد الجيش جان قهوجي أكثر من مرة، والتي حذر فيها مراراً من وجود مخاطر شديدة على لبنان ودعا عناصر وضباط الجيش اللبناني لمواجهة هذه المخاطر.

كذلك لا يزال العديد من الجهات الدبلوماسية والأمنية الناشطة في لبنان تعتبر أن الوضع اللبناني قد يتعرض لانتكاسات أمنية من خلال وصول مجموعات مقاتلة، سواءٌ عبر الحدود السورية-اللبنانية أو من خلال تحريك بعض الخلايا النائمة أو المقاتلين الذين تركوا المناطق التي شهدت أحداثاً أمنية وعسكرية أخيراً، وهم يتجمعون الآن في مناطق أخرى ويعيدون ترتيب أوضاعهم لشنّ هجمات جديدة.

في ضوء ذلك، هناك مخاطر حقيقية على الصعيد الأمني، وتفيد بعض المصادر التي لها علاقة بشخصيات خليجية لديها أملاك ومصالح تجارية وعقارية في لبنان، بأن هؤلاء يسعون إلى بيع هذه الأملاك والمصالح، وذلك خشية من تدهور الوضع الأمني مستقبلاً.

كيفية المواجهة

لكن كيف يمكن مواجهة هذه المخاطر وتجنيب لبنان أحداثاً أمنية وعسكرية مشابهة لما حصل في الأشهر الماضية؟

الوزير نهاد المشنوق حدَّد 3 خطوات مهمة: تعزيز الأجهزة الأمنية ودعم الجيش اللبناني، الحوار الداخلي والتوافق السياسي، التعاون مع رجال الدين والهيئات الدينية.

هذه الخطوات تشكل خطة عمل متكاملة، ويبدو ان القوى الدولية والإقليمية والداخلية تسعى إلى تطبيق هذه الخطة. فقد حظي الجيش اللبناني ومعظم الأجهزة الأمنية بدعم كبير خلال الأشهر الماضي، وستُزاد المساعدات العسكرية والأمنية وخصوصاً من خلال تطبيق الاتفاق السعودي-الفرنسي لدعم الجيش وإنفاق مبلغ المليار دولار الذي خصصته السعودية للأجهزة الأمنية عبر زعيم تيار المستقبل الشيخ سعد الحريري.

كذلك تعمل  أميركا وبريطانيا ودول أخرى حالياً لزيادة دعمها للجيش اللبناني والأجهزة الأمنية من خلال توفير الذخائر والتدريب والمعلومات، وتقديم كل الوسائل التي تساعد هذه الأجهزة على مواجهة الأخطار المقبلة. أما على صعيد الحوار الداخلي، فيبدو أن عجلة الحوار ستنطلق في المرحلة المقبلة رغم بعض العقبات التي واجهت الحوار سابقاً، ويسعى الرئيس نبيه بري بدعم من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط إلى تعجيل الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله، كذلك هناك مساعٍ حثيثة لترتيب الوضع الداخلي والوصول الى تسويات لمختلف الملفات العالقة، وخصوصاً الانتخابات الرئاسية

وبالإجمال، تشير المعطيات المتوافرة إلى أن القوى الدولية والإقليمية وكذلك معظم الأطراف الداخلية حريصة على إبقاء الاستقرار الداخلي رغم المخاطر الكبرى التي تواجه لبنان والمنطقة، ولكن رغم كل الجهود التي تبذل لحماية هذا الاستقرار فإن ذلك لا يمنع من حصول بعض المفاجآت الأمنية عبر تحريك بعض المجموعات المسلحة أو الخلايا النائمة أو وصول مجموعات مقاتلة عبر الحدود اللبنانية-السورية.

 

السابق
الفلسفة كالسياسة.. لا تموت
التالي
كندا تقدم 440 مليون دولار لدعم تلقيح الاطفال في الدول النامية