صباح كان ينقصها رجلٌ فقط.. فيروز هزمتها برَجُلَين وأكثر

صباح وفيروز
كان الضحك والمزاح هو ما جعل صباح محبوبة، وما منعها من أن تكون خالدة في أغينات يستمع إليها العرب صباحاً، ويقدّسون قائلتها في أحاديثهم ليلا. كانوا يتعاملون مع صباح على أنّها "العشيقة" السريّة، ومع فيروز على أنّها "الزوجة" والمقدّسة، مريم العذراء، فيما صباح كانت، لسوء حظّها، أقرب إلى مريم المجدلية.

صحيحٌ أنّه يُحكى عن صولات الفنانة الراحلة صباح، وعن جولاتها الكثيرة والطويلة مع الرجال، فنّانين ومسؤولين، وعن زيجاتها الكثيرة، التي لم يسبقها أحد إليها.
صحيحٌ أنّ اسمها ارتبط بالتحرّر، وبكسر الأعراف الاجتماعية، هي التي أدخلت الغنج اللبناني إلى السينما المصرية، وأدخلت الأغنية اللبنانية إلى قلوب العرب. هي المولودة في عشرينيّات القرن الماضي، حين لم يكن هناك مدارس للرجال في أقاصي لبنان، ولم يكن هناك لبنان أصلا، وكانت النساء في خلفية المشهد.
صحيحٌ أنّها كانت من روّاد الفنّ اللبناني والعربي، وجمعت أموالا طائلة في 70 عاماً من الشهرة والعمل. وصحيحٌ أنّها أنجبت صبياً وبنتاً… لكن ليس هذا ما جعلها وحيدة، وما سمح لكثيرين بالقول إنّ فيروز “هزمتها”.
كانت صباح مضادّة للعائلة. أحبّت والديها وأقرباءها، لكنّها فشلت في بناء عائلة. كثرة الرجال في حياتها مثل قلّتهم. الزائد كان أخا الناقص. فهي ربّما كانت تبحث عن شيء ما، ولم تجده على الأرجح. أو أنّها كانت “تهرب” من شيء ما. شيء ربّما وجدته وتيقّنت أنّه “موجود” و”أصيل” في كلّ الرجال، وتحديداً في الرجال الذين عاشرتهم، وأحبّتهم، وصادقتهم، وتزوّجتهم.

أنجبت ابنها صباح من رجل، وابنتها هويدا من رجل آخر. وزواجها الأطوال من فادي لبنان لم ينجب أطفالا. ثم تطلّقت منه، كما من غيره. وبقيت وحدها. والرجل الأخير الذي بقي إلى جانبها لم يكن عشيقا ولا خليلا. كان صديقاً فقط اهتمّ بأمورها اللوجيسيتية في سنواتها الأخيرة.
حتّى أموالها لم تستطع الحفاظ عليها. فساتينها، في مقابلة مع زافين ضمن برنامج “سيرة وانفتحت”، في 2 نيسان 2007، قالت إنّها تفتقد من كان يمكن أن يحافظ عليها. كذلك أرشيفها من الصور والمقابلات والأفلام والتذكارات والهدايا. تقريباً لم يبقَ شيءٌ من “أرشيف” صباح، الشخصي والمهني، الفنّي والعائلي.
كما لو أنّها بذّرت كلّ شيء، سنواتها وعواطفها وأموالها وحتّى صورها وفساتينها، وصولاً إلى أرشيفها الذي يشكّل “ذاتها”. لتترك لنا عبرةَ أنّها “هي” صباح، ما كان يهمّها فقط. هي في اللحظة التي تعيشها، وليس في لحظة سابقة، كنايتها “الأرشيف”، ولا في لحظة آتية، كنايتها “الادّخار”.
على عكس الفنانة فيروز، التي ارتبط اسمها برجلين، منذ بداياتها: الأخوان الرحباني. كانت فيروز تشبه ميرفت أمين في فيلم “أبي فوق الشجرة”، الفتاة المحافظة، الآتية من ضيعة كسروانية، والتي تمشي وراء عاصي الرحباني، رغم أنّها هي الصوت والموهبة، وهو الكلمة الصمّاء واللحن الأعمى بلا صوتها. وكانت صباح تبدو عصيّة على أيّ رجل، وحرّة، ومخيفة للرجال، حتّى الذين تزوّجوها. فلم يستطِع أحدٌ منهم إخضاعها. كانت تشبه ناديا لطفي في فيلم “أبي فوق الشجرة”.

بعد موت عاصي لم تتزوّج فيروز. وربّما هذا أحد أسباب مجدها الذي لم ينتبه إليه أحد. فهي، العابسة في وجوهنا منذ 50 عاماً، تشبه في عبوسها وترفّعها عن الرجال، تشبه “الستّ”، أم كلثوم، التي كانت ترمي عشّافها وراء ظهرها، على المسرح، يعزفون لها، فيما عشّاقها الآخرون، رجال مصر والعالم العربي، تعبس في وجوههم، أمامها على المسرح، أو في بيوتهم.
أصلاً كان “الجمال الدائم” موجّها من صباح إلى نفسها أوّلا، وليس إلى الآخرين. كما لو أنّها كانت تثبت لنفسها، كلّ صباح ومساء، لمرآتها الداخلية، أنّها جميلة، وأنّها غنّوجة، وأنّها كريمة، وأنّها تحمل الصفات الحسنة كلّها، وأوّلها الجمال. كما لو لتقول لنفسها إنّ المشكلة في الرجال وليست فيها. هي التي “غيّرت” رجالا كثيرين، ولم ترسُ على واحد منهم.
أما فيروز، بعد موت عاصي، وموت منصور، استعانت بزياد، ابنها، رجلا ثالثا، لكن من داخل الدائرة العائلية. كان زياد الاحتمال الأخير، ولو لم يكن موجوداً لانزوت وحدها في بيتها. لا “تنكشف” على رجل ثالث، في الفنّ والحبّ والألحان.
غنّت لغيره بالطبع، لكنّها لم تعشق ولم يقترن اسمها بغير عاصي، زوجها الأبديّ الأزليّ، الأوّل والأخير، كما الزواج الماروني في لبنان، الأحادي والنهائي.
كان الضحك والمزاح هو ما جعل صباح محبوبة، وما منعها من أن تكون خالدة في أغينات يستمع إليها العرب صباحاً، ويقدّسون قائلتها في أحاديثهم ليلا. كانوا يتعاملون مع صباح على أنّها “العشيقة” السريّة، ومع فيروز على أنّها “الزوجة” والمقدّسة، مريم العذراء، فيما صباح كانت، لسوء حظّها، أقرب إلى مريم المجدلية.

السابق
الرفاعي: لو طلبت الدولة من حزب الله المساعدة في تحرير العسكريين لبادر
التالي
أيّها السياسيون.. لا تتركوا الجنود مخطوفين