الاب فادي ضو: جائزة أديان للتنوع الروحي

قرّرت مؤسسة «أديان» مواجهة الأزمة اللبنانية بنحو يختلف عن الحلول السطحية، النظرية وغير المطبّقة. فقد رأت أنّ وَضع حدّ لأيّ مشكلة يكون من خلال حلول جذريّة تعتمد أسلوباً مزدوجاً يطوّر الفكر والثقافة والأنظمة التربويّة ويبني قدرات الشباب والمعلّمين والقادة الشباب في مختلف القطاعات المجتمعيّة، خصوصاً في ما يتعلّق بشؤون المواطنة والتنوّع الثقافي والديني.

انطلاقاً من هنا، افتتحت مؤسّسة «أديان» و«الجامعة اللبنانيّة – الأميركيّة»، بالتعاون مع مؤسسة «كونراد أديناور»، ومعهد «ميسيو» الإرسالي، ومؤسّسة «أديان من أجل السلام»، وجمعيّة خدمات الإعانة الكاثوليكيّة، المؤتمر الدوليّ للأديان والقيم السياسيّة، في فندق «هيلتون» – قاعة الإمارات.

تبرز أهمية المؤتمر في تشجيع الانفتاح على التخصّصات والمناهج المختلفة وفتح نقاشات مبدعة لتبادل الأفكار، لأنها السبيل الوحيد للمضيّ قدماً نحو تقدُّم العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة وتحقيق التفاهم بين الأديان. ومن هذا المنطلق كان لـ«الجمهورية» لقاء مع رئيس مؤسسة «أديان»، الأب فادي ضو الذي شرح أهداف المؤسسة والسبل إلى تعزيز العيش المشترك والحوار بين الأديان.

وهو يعتقد أنه في ظلّ الأوضاع الحاليّة، يصعب تحويل التنوّع الطائفي إلى عيش مشترك وقيمة تُغني بلادنا، فيقول: «تضعنا الوقائع السياسية والحياتية اليومية أمام مشهد تنامي الطائفية والمذهبية التي تحوّل الدين ملجأ يختبئ فيه مَن تبنّى الهواجس والخوف من الآخرين، لمجرّد اختلافه معهم، بدل أن يبني قاعدة للتلاقي والتواصل والانطلاق نحو المجتمع لعيش القيَم وتبادل الخبرات الإيمانية والثقافية المرتبطة به. هذا يؤدي إلى تراجع مساحات العيش معاً ويؤثّر سلباً في تراجع الترابط الاجتماعي والوحدة الوطنية. لا يمكن لوطن أن يستمر إذا فقد أهله ثقتهم ببعضهم».

ويضيف: «هنا يكمن التحدي الكبير اليوم في مواجهة خطر انهيار المجتمع بعدما برزت علامة عن انهيار الدولة، ليس أقلّها العجز عن تحقيق استحقاقين انتخابيين: الرئاسي والبرلماني»، مشدداً على «ضرورة أن يتحمّل المجتمع المدني مسؤولياته، إذ ليس عبر التغنّي بشعارات «العيش المشترك» و»لبنان الرسالة» تستقيم الأمور». ويردف: «المجتمع اللبناني يحتاج إعادة بناء على أسس سليمة تخرجه حقاً من مرحلة ما بعدَ الحرب وتفتح أبواب المستقبل أمام شبابه.

المهمة صعبة جداً. وكلّي إيمان بأنّ هذه المهمّة تستحق المحاولة والمجازفة، لأنّه يبدو لي أنها قد تكون الفرصة الأخيرة أمامنا لإنقاذ لبنان الوطن القادر على احتضان جميع أبنائه بالتساوي وبتحقيق كرامتهم».

لذلك، يشدّد ضو على الأهداف التي تسعى «أديان» إلى تحقيقها بهدف معالجة هذا الأمر، فيقول: «تعمل «أديان» منذ 3 سنوات مع وزارة التربية والتعليم العالي والمركز التربوي للبحوث والإنماء على تطوير السياسات والمناهج التربوية المتعلّقة بالتنوّع والمواطنة.

وهي أنتجت حديثاً، بالتعاون مع المرجعيات الروحية الرسمية، دليلاً للتربية الدينية المسيحية والإسلامية على القيم المشتركة المرتبطة بالمواطنة والعيش معاً. وعلى المستوى الجامعي والدولي تسعى عبر نشاطاتها العلمية إلى تطوير المفاهيم وفتح الحوارات المتعلِّقة بالإشكاليات الحاليّة، كالتطرّف وعلاقة الدين بالديموقراطية».

وعن رسالة المؤسّسة، يقول الأب إنّها «تنطلق في مفاهيمها وتدريباتها من فكرة رفض مبدأ الانصهار الذي يعني إلغاء كل ما يتمايز به الأشخاص والجماعات بعضهم عن بعض. إذ لا يحق لأحد أن يفرض على الآخرين نهجاً أو ثقافة معينة أو أن يلغي أو يقصي ما يميّزهم.

فالتطوُّر الحضاري أضافَ إلى شرعة حقوق الإنسان، شرعةَ احترام التنوّع الثقافي (الأونسكو 2001)، حيث تقتضي المحافظة على الخصوصيات الثقافية لكل مجموعة بشرية واعتبارها غنى وثراء للمجتمع.

لذلك، نعمل على تقديم مفهوم المواطنة الحاضنة للتنوّع، مع قبول الاختلاف والانفتاح على معرفته واعتباره جزءاً من الهوية الوطنية المشتركة. من جهة أخرى، تطرح «أديان» تحدّي تحقيق التضامن وتبنّي القضايا المشتركة في المجتمع على قاعدة التكامل والالتزام بالقيم المشتركة».

ويختم الأب بمَثل فرنسي يقول «الخوف مرشد سيّئ». واللبنانيون خائفين، وهو ما يدفعهم إلى التقوقع أو الهجرة أو التصرف العدائي. لذلك يقول الأب إننا في أمَسّ الحاجة إلى إعادة بناء المجتمع وليس الدولة فقط، حيث يستطيع الفرد الشعور بذاته وكيانه وبناء علاقاته ونظام مصالحه خارجَ إطار العصبية الطائفية المنغلقة.

ويتابع: «أتمنى أن يعي اللبنانيون أنّ مصالحهم ومعنى حياتهم ورقيّهم الحضاري يمرّ عبر إعادة تكوين الحياة الاجتماعية السليمة والتزام عَقْدٍ اجتماعيّ يوحِّد رؤيتهم للوطن، وهذا في متناول أيديهم، وليس محصوراً في أيدي السياسيين.

آمَل أن يعلم اللبنانيون أنّهم قادرون على ألا يكونوا زبائن أو «زلماً» لدى زعمائهم، بل أن يصبحوا أسياد حياتهم المشتركة عبر كسر الطوق الطائفي، وأن يتضامنوا على رغم اختلافاتهم الثقافية والدينية، ببناء مستقبلهم المشرق».

السابق
مصير غير اليهود في إسرائيل
التالي
وداعا ً يا أرزة لبنان.. يا أسطورة الفن