راغب علامة يجاري السوق

سيبقى راغب علامة، في أعماله، شاباً الى الأبد. يحتال على الزمن بشعرٍ لا يشيب، ووجه لا يتجعّد. “أنا اسمي حبيبك”، جمعٌ لِما سبق ومُثِّل حتى الضجر. كليب كفاصل إعلاني، وفي أحسن الأحوال ترويجٌ سياحي لا يحمل جديداً.

على طريقة عمرو دياب، يتوسّط علامة المشهد، محوطاً بنساء يرقصن على هيئة واحدة. يروق الفنان الشباب الدائم والجمْع الأنثوي الطاغي على الصورة. هذا النوع من الكليبات لا يقول شيئاً. منظرٌ يُحاكي مُشاهداً ملّ كون الفنان في رفاهية مطلقة. كان الصيف، فضجَّت الكليبات ببحرٍ لا يتلوَّث وسماء صافية. الفنان بين الشابات أمام حوض السباحة، ويضيف علامة كماً من الإعلانات التجارية، فيبدو الكليب أشبه بدليل مأكولات وملابس يسهِّل مشوار المسبح.
الأغنية لحنٌ لطيف (محمد يحيى) وتوزيع منسجم (هاني يعقوب)، وكلمات ليست مؤثرة (هاني عبدالكريم). لن يغنّي علامة أجمل من “قلبي عشقها”، فإذا بالمخرج عماد زهر يقدّم الكليب بصورة مُستَهلكة تعوزها الكادرات الخلّاقة والانسياب الحقيقي. كان الظنّ أنّ الفنان، مهما فعل، سيأسر القلوب ويدهش العالم. يميل علامة الى وهمٍ من هذا النوع، ويسمح لزهر بأنّ يصوّره كأنه رجل دعاية. يُفرِّغ بعض الكليبات الفن من جوهره، وتغدو الأغنية ذريعة لتُروِّج الشركات منتجها. انتهاك الفن كقيمة بتجسيده سلعةً، ممارسةٌ تتوسّع، فلو أراد المُنتَج الانتشار، الأجدر به البحث عن مساحة تجارية تستوعبه، لا أغنية من إحساس.
نحتاج الحضّ على الأمل، ولو إدّعاءً، كون الظرف قاتماً. يُظهِر الكليب علامة يمرح، لا حاجة المُشاهد الى المرح. البطولة مطلقة لفنان يُقلّد سلوكاً سبقه كثرٌ إليه، ومنهم مَن قفز في الحوض وأثبت للجماهير أنّه يجيد الغوص. شيءٌ لا يُمعِن تسطيح الفن أكثر من الكليبات. طالما ظلمت الصورة الفارغة أغنية من الصنف الجيّد. أمضى علامة وقتاً بديعاً على شاطئ الأتراك يغنّي “أنا لما بقول إني بحبك، أنا ما بهزّرش”، ثم انتقل الى حوض سباحة بأغنية “يلا أنا اسمي حبيبك. يلا من اليوم ده نصيبك. يلا أنا عمري ما سيبك…”. لاحظ بديهيات الحب: “حبيبك، نصيبك، سيبك”!.
عمد المخرج الى الخلق، فراح، عوض البحث عن آلية تصريف المُنتَج الدعائي بأقل تشوّهات ممكنة تضرب الأغنية، يكتب اسم المنتَج على الصورة، كدعوة للمُشاهد- المُستهلك للإقبال على شرائه! تُضاف عناصر الجذب الى الدعاية، فتحمل الحسناوات شراباً يُروَّج له، أو ما يُزيِّن الهاتف الخليوي لتبدأ حفلة “السيلفي”. يُرخي الكليب ظناً بأنّ قتل الفن يتم بالنيات أيضاً. يتسلّط المُنتَج على الأغنية، ومن دون ذكاء أو تمويه بصري، تبدو للعيان كأنها محض أداة تجارية. لا قيمة للفن في ذاته، وليس المراد تهذيب الصورة بغية الارتقاء بالكلمة واللحن الى غاية أعلى. كليبٌ سطحي، قوامه البنية النمطية المُسقَطة بالضرورة على أولويات مُخرج لا يتكبّد عناء البحث عن جديد كلّما تعلّق الأمر بتصوير الصيف. لا فرادة في الأغنية ليُصار الى القول إنّ الكليب يُهينها. هنا، الاستجابة تامة للسوق المُشترِطة استسهالاً في الشكل والمضمون والتصوُّر. الأغنية تُردَّد، وكذا يُصار كلما تقلَّصت رمزية الصورة وتعامل المخرج مع العين بخواء البهرجة.
يجاري زهر حقيقة أنّ الكليبات، في معظمها، تُسيء الى الأغنية أو تتساوى معها في السوء. فراغُ صورته قوَّض رومانسية المُغنّي وملامحه المتماهية مع الشعور. لا تُنتَظر الأغنيات الخاوية.

السابق
تميمة دورة الريو الأولمبية 2016 حيوان أصفر رشيق
التالي
احذروا هذا الفيروس