«المستقبل» أبلغ بكركي: جعجع ليس مرشحنا

يقول العارفون بكواليس العلاقة بين بكركي والفريق الحريري، إن ثمة سراً يكمن خلف الحملة التي شنّها البعض من الفريق الأخير، ضد مبادرة ميشال عون الرئاسية. فالقصة بدأت مع اجتماعات ما سمّي اللجنة السياسية التي أنشأتها بكركي بطلب ورعاية مباشرتين من البطريرك الراعي. يومها طرحت مسألة الاستحقاق الرئاسي على الطاولة التي تمثل فيها الأقطاب الموارنة الأربعة إضافة إلى بكركي وشخصيات مستقلة. وحسمت المسألة بنص صريح يقول بأن الكنيسة تريد رئيساً صاحب شرعية تمثيلية بدءاً بمكوّنه، وصولاً إلى المستوى الوطني العام.

وكان في خلفية كثيرين أن هذا المطلب أقرب إلى التعجيز والاستحالة. ذلك أن الحلفاء المسلمين لكل من الفريقين المسيحيين المتنافسين، لا يريدون قطباً مارونياً في بعبدا، ولا يحتملون رئيساً للجمهورية من الصنف القوي.

بعدها راحت تطورات الاستحقاق الرئاسي تقدم للبعض مادة صالحة لمثل هذا القول. فعشية جلسة الانتخاب الأولى في 23 نيسان الماضي، كان قرار واضح من العماد عون بأنه لا يريد أن يدخل في منافسة انتخابية رئاسية مع سمير جعجع. ولذلك أعلن عدم ترشحه لمواجهته. وهذا ما جعل حليفه حزب الله يمتنع عن تسميته مرشحاً رئاسياً يدعمه. رغم التلميح الواضح والأكثر من الصريح إلى اسمه.

في هذه المرحلة كان الفريق الحريري ينسج في بكركي محاولات إيقاع من نوع: هل رأيت يا صاحب الغبطة. لقد ثبت أن حزب الله لا يريد عون رئيساً، ولا حتى مرشحاً. كل ما يريده منه هو استخدامه ورقة لتعطيل الاستحقاق الرئاسي، تمهيداً لإسقاط النظام والذهاب إلى حدث تأسيسي جديد، يعيد النظر في معادلة المناصفة ويزيد حصة الشيعة في السلطة، ويرسي بالتالي صيغة المثالثة! ووسط تلك التعقيدات بدا وكأن البعض في بكركي نفسها صدّق هذا الكلام. فعشية ذهاب البطريرك الراعي إلى الأراضي المقدسة والمحتلة أواخر أيار الماضي، زاره وفد من حزب الله في 16 منه لإبداء رأيه في تلك الزيارة. وعلى هامش اللقاء طرح موضوع الرئاسة، وسئل الضيوف عن ترشيح ميشال عون وموقف حزب الله منه. وكان جواب لا يزال حتى اللحظة موضع قراءتين متناقضتين: حزب الله يؤكد أنه أعطى جواباً حاسماً لا لبس فيه، بأن عون هو مرشحه الوحيد، وبأنه الجنرال وحده من يملك القرار في الاستمرار في معركته أو تعديل موقفه. بينما تكوّن لدى بكركي رأي مغاير، مفاده بأن حزب الله لا يعتقد بإمكان وصول عون إلى الرئاسة! وبناء على هذه القراءة الملتبسة، دعا البطريرك العماد عون إلى عشاء الأساقفة الشهير مساء 16 حزيران الماضي، في حضور مفتي طرابلس. وكان يومها ذلك الحوار الأطرش، على طريقة الاتصال الهاتفي المتقطع، بحيث لم يفهم الضيف ما يُسأل عنه، ولم يحصل المضيف على أجوبة لأسئلة لم يطرحها.

المهم أن الالتباس استمر. واستمر الفريق الحريري في استثماره وتغذيته واللعب على تناقضاته. حتى بدا خطابه لدى بعض أوساط الصرح، أنه الأكثر انسجاماً مع ما أعلنته الكنيسة من طرح رئاسي في بيان لجنتها السياسية: ها نحن كفريق حريري، لدينا مرشح واضح، وهو من الأقطاب الأربعة، واسمه سمير جعجع. ولذلك فلقد أعلنا اسمه من دون مواربة، وذهبنا ولا نزال نذهب إلى مجلس النواب لانتخابه ومحاولة إيصاله إلى سدة الرئاسة. بينما الفريق الآخر بقيادة حزب الله، يناور في كل ما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي. بدليل أنه لم يعلن اسم مرشحه، ولم يبد استعداداً للنزول إلى البرلمان لدعم معركته.

انطلت تلك اللعبة على البعض. خصوصاً في ظل قابلية عفوية ــ وغالباً انفعالية ــ لإدراك الأمور في ظواهرها. حتى كان لقاء روما الأخير ين البطريرك وسعد الحريري في 14 تشرين الأول الماضي، وما تخلله من التباس مقابل ومتبادل، حول التمديد للمجلس النيابي. الفريق الحريري فهم أن بكركي مستعدة لتغطية التمديد. وبكركي فهمت أن ثمن التمديد حسم رئاسي واضح ومتفق عليه. لكن المسألة لم تلبث أن تصدّعت وتفجّرت. لأن الطرفين لا يملكان ما توقعه كل منهما من الآخر. فلا الصرح قادر على تغطية ذبح الديمقراطية التمثيلية. ولا الحريري يملك صلاحية التقرير في موضوع الرئاسة. وهو ما تردد صداه في الأيام القليلة التالية. إذ حصلت مراجعات بين الطرفين وتدقيقات وإعادة قراءة. وفي ذروة هذه الرسائل، جاء من يبلغ بكركي من قبل الفريق الحريري بأن المسألة ليست بهذه البساطة. لأنه في العمق سمير جعجع ليس مرشحنا. ولا يمكن أن نقبل به رئيساً للجمهورية!

وصل الخبر بطريقة ما إلى الرابية. تماماً كما وصل إلى الضاحية. فكان الرد السريع والمزدوج. من الضاحية جاء الإعلان في 3 تشرين الثاني على لسان السيد نصرالله، بأن الاسم الأول لمرشحها الرئاسي الثابت هو ميشال عون. ومن الرابية جاءت المبادرة: تعالوا إلى جلسة انتخاب ثنائية المنافسة حصراً. عون ضد جعجع. وليفز الأول وليهنئ الثاني، وليربح الميثاق والوطن والمسيحيون وكل شركائهم. عند هذا الحد، بدا أن الموقفين تحولا إلى ما يشبه القنبلة العنقودية لدى الآخرين. فشن الحريريون هجومهم على المبادرة العونية. مخافة أن تؤدي إلى افتضاح حقيقة المواقف. وتمترسوا خلف ثقافتهم الديمقراطية، لرفض الامتحان المحك. غير أن المفاجأة الكبرى جاءت من بكركي. إذ سافر البطريرك، ولم يعد… بعد.

تبقى نصيحة أخيرة لكل المعنيين بكل ما سبق. يُفضل عدم محاولة نفي أي واقعة مما ورد. فهم يعرفون أننا نعرف أنهم يعرفون أنها حقيقة دقيقة مئة في المئة، وأكثر.

السابق
سالم زهران يسرد حكاية الحوار بين حزب الله والمستقبل
التالي
فضيحة كبرى في مستشفى رفيق الحريري أبطالها طبيبين وممرضة!