«الحرس»: «وعد الشيطان الأكبر» كان خاوياً

تمديد المفاوضات الايرانية الأميركية مجموعة الخمسة زائداً واحداً، يشكل نصف نجاح ونصف فشل. النجاح الكامل كان مستحيلاً. الفشل الكامل كان ممنوعاً. قدّمت إيران الكثير من التنازلات في الملف النووي، لتأخذ «مفتاح» منطقة الشرق الأوسط. بدا هذا المطلب الإيراني غير مقبول ومستحيل، حتى ولو بصيغة ربح – ربح، الترجمة العملية لصيغة «لا غالب ولا مغلوب». التمديد يعني تمديد الأزمة حتى حزيران العام 2015. مع فسحة أمل للأميركيين والإيرانيين على السواء.

الرئيس باراك أوباما يعرف أنه حمى «ظهره» في الخارج، ليتمكّن من مواجهة المتشدّدين من الجمهوريين في الداخل. الرئيس حسن روحاني بذل جهوداً ضخمة لإقفال الملف النووي، ليتفرّغ لمواجهة خصومه من المحافظين المتشدّدين وتقديم بعض ما وعد به المجتمع الإيراني من حريات اجتماعية وثقافية وسياسية. لم يحقّق روحاني هذا الهدف، لكنه يستطيع مع التمديد، التفرغ قليلاً لمواجهة خصومه المتشدّدين.

الرئيس أوباما يمكنه الاستناد إلى صلاحياته الواسعة في الدستور لتطويق «الحشود» من الجمهوريين الفائزين. الرئيس روحاني عليه انتظار موقف المرشد آية الله خامنئي لتقدير حجم المخاطر التي سيواجهها حتى حزيران 2015. في جميع الأحوال، المحافظون المتشدّدون بدأوا «حربهم» ضد الاعتدال قبل التمديد. يريد المتشدّدون توجيه ضربة قاضية للاعتدال ولروحاني وإدارته، قبل الدخول في مرحلة الاستحقاقات الانتخابية، حتى يكون فشل «الروحانية» قاضياً عليها.

المحافظون المتشدّدون، لا يمكنهم الهجوم على المفاوضات وعلى الوفد المفاوض. المرشد وافق على «النهج الحسني» للتفاوض ومنح الوفد المفاوض بركته. الآن بعد نصف الفشل؟ صعّد المحافظون المتشدّدون من هجومهم، إذ عادوا إلى لغة «الشيطان الأكبر»، وأخذوا يشدّون الحبال على «رقاب» المجتمع المدني، ويوجّهون «صواريخهم الإعلامية» في كل الاتجاهات حتى بدا الوضع وكأن الإيرانيين قد دخلوا المواجهة على كل الجبهات ملوّحين بـ«بيادقهم» المسلّحة على مساحة الشرق الأوسط، من ذلك:

العميد مسعود جزائري مساعد الأركان العامة والمقرّب من المرشد عاد الى تعبير «الشيطان» فقال: «إن الشيطان يعد ولا يعمل، ما وعد به الشيطان الأكبر (أي أميركا) كان خاوياً في الواقع»، ويبدو في هذا التصريح حجم خيبة الأمل الإيرانية من عدم إطلاق «اليد الايرانية».

*العميد حسن دهقان وزير الدفاع قال: «الغربيون بحاجة للاتفاق أكثر من الإيرانيين». الوزير لا يحدّد لماذا الحاجة الملحة للغرب وليس للإيرانيين.

الجنرال محمد علي جعفري قائد «الحرس الثوري» صعّد حتى وصل الى زوال اسرائيل، فقال: «إن الأرض المحتلة كلها الآن تحت مرمى صواريخ المقاومة (أي حزب الله) وهو ما يعني سقوط الكيان الصهيوني عسكرياً، وبالطبع فإن الأمر لن ينتهي هنا. وسيتحقّق التحرير النهائي بالتأكيد». لم يشر الجنرال الإيراني إلى غير تقديم الصواريخ ومنها «فاتح» الذي يطال مفاعل ديمونا، «المقاومون اللبنانيون» يشكّلون أفضل «لحم مدافع» في الحرب التي يقودها الجنرال قاسم سليماني، علماً أن من الواضح: «رضوخ الأميركيين أمام اقتدار إيران في المنطقة وفي المفاوضات». لم يقل الجنرال جعفري لماذا لم تنجح المفاوضات طالما رضخ الأميركيون للإيرانيين.

هذه «العنتريات العسكرية» هي غيض من فيض، فقد سبقها تصريحات من العيار نفسه وبالطبع سيلحقها أكثر بانتظار «السقف» الذي سيحدده الرئيس روحاني لنجاحات وفشل المفاوضات، ومن ثم قرار المرشد.

حقّق الوفد المفاوض الإيراني نقطة إيجابية لصالح بلاده وهي استمرار تحويل الغرب 700 مليون دولار شهرياً إلى بلاده من الأموال الإيرانية المجمّدة، مما يعني منح «الحكومة الروحانية» نسبة مهمة من الأوكسجين، لتقف إيران على أرجلها اقتصادياً، في وقت تبلغ فيه ديون القطاع الخاص للمصارف 169 مليار دولار، وفي هذا زيادة 7% عن العام الماضي. كما أن الحكومة الإيرانية تدين للمصارف المحلية بأكثر من 28 بليون دولار، أي بزيادة نسبتها 36 بالمئة عن العام الماضي. لذلك عندما أعلن عن السماح بتصدير الذهب المصنّع الى خارج إيران، اعتبر ذلك مجرد «رسالة» للخارج بأن الاقتصاد الإيراني ما زال قوياً رغم كل الأرقام المعلنة.

أما اجتماعياً، فإن المتشدّدين صعّدوا في محاربتهم للحريات في محاولة مكشوفة لإحداث شرخ بين روحاني والمجتمع الإيراني خصوصاً الشباب منه. فقد عادت الشرطة إلى إغلاق المقاهي في طهران خصوصاً المعروفة منها، وكان قد سبق ذلك رش الفتيات في أصفهان بالآسيد وحُمّل عملاء المخابرات البريطانية المسؤولية رغم أن أهل أصفهان يعرفون المجرمين بالأسماء.

هذا الهجوم على المجتمع الإيراني، هو أيضاً غيض من فيض. ولا شك أنه ما لم يتدخّل المرشد لوقف هذا المسار، فإن كل المؤشرات تؤكد نمو تصعيد غير مسبوق داخلياً لحرف اهتمامات المجتمع الإيراني خصوصاً الشباب منهم عن مطالبهم ولو بالترهيب تمهيداً لإسقاط «الروحانية» قبل أي استحقاق انتخابي قادم.

المتشدّدون في طهران وواشنطن يلعبون «اللعبة» نفسها وإن بوسائل مختلفة. لكن في طهران الأهم إنهاء مسار «الانفتاح الروحاني» على الخارج، لتبقى إيران أسيرة للتشدّد والعزلة عن العالم.

http://www.almustaqbal.com/v4/article.aspx?Type=NP&ArticleID=640340

السابق
عويدات احال ملف ابو حمزة الى قاضي تحقيق بيروت
التالي
مخطوف أم خاطف؟